بعد نحو 60 سنة من الاستقلال والتشريعات لفائدة المرأة التونسية وأهمها مجلة الأحوال الشخصية، ما تزال المرأة عرضة لمختلف أنواع العنف، حيث ذكرت دراسة أجراها قسم المرأة والشباب العمل والجمعيات التابع للاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر نقابات تونس، أن 47.6% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و64 سنة في تونس كن قد تعرضن لأحد أشكال العنف.
47.6 % من النساء التونسيات المتراوحة أعمارهن بين 18 و 64 تعرضن للعنف
ويعرف الإعلان الأممي لسنة 1993 حول القضاء على العنف ضد النساء، العنفَ بأنه "كل عمل عنيف قائم على النوع الاجتماعي ينجم عنه أو يمكن أن ينجم عنه معاناة بدنية أو جنسية أو نفسية بما في ذلك التهديد والإكراه والسلب غير المبرر للحريات سواء وقع ذلك في الدائرة العامة أو الخاصة".
ويتنزل العنف ضد المرأة في إطار الإخلال بحقوق الإنسان كونه يمس مبدأ المساواة والتساوي في الحظوظ وفي الحقوق مع الرجل وهو عنف قائم على النوع الاجتماعي. وأشارت منسقة اللجنة التونسية للمرأة باتحاد الشغل والعضو باللجنة العالمية للمرأة، نجوى مخلوف إلى أن العنف المسلط ضد المرأة ينقسم إلى أربعة أنواع، وهو العنف الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي، مشددةً على أن أعلى نسبة من أنواع العنف المسلط ضد المرأة هو العنف الجسدي الذي يشمل الصفع، اللكم، الركل، الحجز، الخنق، وحتى الحرق، فاق 32% من الحالات، ما يؤكد أن المرأة التونسية ما تزال "ضحية عقلية مجتمع ذكوري تنتقص من مكانة المرأة".
وتظهر قراءة توزيع ظاهرة العنف ضد المرأة أن العنف النفسي الذي يعني السب والتخويف والاحتقار والحط من القيمة والقدح في القدرات الذهنية واستنقاصها والسخرية من الجسد والمظهر والممارسات اللفظية والإيحاءات التي تجرح يحتل المرتبة الثانية بعد العنف الجسدي بنسبة 29.9%، ويأتي العنف الجنسي الذي يعني إجبار المرأة جسديًا على أن تقيم علاقات جنسية ضد إرادتها، بما فيها ممارسات جنسية وضيعة ومهينة، أو الاستغلال الجنسي في الرتبة الثالثة بنسبة 15.7% فيما يمثل العنف الاقتصادي الذي يشمل الاستغلال المالي، الابتزاز، الحرمان من المال أو من الضروريات الحياتية ومراقبة التصرف في الراتب 7.1%.
أكثر أشكال العنف المسلط ضد المرأة التونسية هو العنف الجسدي
ويرجع المختصون الاجتماعيون ونشطاء المجتمع المدني تزايد العنف ضد المرأة منذ ثورة 2011 إلى "التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها تونس، وهي تحولات فككت العلاقات الأسرية وزجت بها في حالة من التوتر والتشنج أدت إلى تردي أوضاع المعيشة وتزايد الضغوطات المادية وتعمق مظاهر البؤس والحرمان نتيجة تفشي البطالة والفقر".
وإن كان العنف المادي محددًا ونسبيًا، فإن العنف النفسي والعنف الجسدي يصعب حصرهما، ويمكن أن يتغير تعريفهما وإدراكهما في سياق ثقافي آخر، فنسب العنف تختلف من منطقة إلى أخرى وحسب مستويات التعليم وحسب الشغل ونوعيته من خلال عدم الإنصاف في تحديد الأجور بين الجنسين والتدرج المهني والتفاوت في معدلات الانقطاع عن العمل بين الجنسين وكذلك من خلال التفاوت في امتلاك الموارد الاقتصادية ووسائل الاتصال والتنقل. إلى ذلك، تتعرض المرأة بحكم خصوصيتها إلى عنف في المجال الصحي من خلال حرمانها من الحقوق الجنسية وإمكانيات الصحة الإنجابية.
حركات نسوية تطالب بتعزيز حقوق المرأة
وفي ذات الإطار، أفادت الأستاذة إقبال بن موسى بأن الدستور التونسي لم يتضمن سوى فصل وحيد يدعو إلى وقف العنف ضدّ المرأة وهو الفصل 46 الذي لم يتجاوز التوصية، ولم يجرّم هذه الظاهرة ولم يعط المرأة حقها، فيما دعت منية بن جميع، أستاذة القانون وعضو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إلى تنقيح المجلة الجزائية لحماية المرأة من كافة أشكال العنف المسلط عليها وضمان حقوقها.
ودعت بن جميع إلى ضرورة تناغم التشريع التونسي مع الاتفاقيات الدولية والمواثيق العالمية والقرارات المتعلقة بحماية حقوق المرأة، مقترحة تكوين فرق "إنصات" للنساء ضحايا العنف صلب الهيئات الجزائية وهياكل الأمن والحرس الوطنيين.
وفي انتظار تحركات أنجع سواء من الجانب التشريعي أو الحكومي، تبقى المرأة في تونس عرضة لانتهاكات عدة تحاول عبر وسائل كثيرة أن تقاوم سيل العنف المتزايد، الذي لا يبدو أنه سيتوقف في المدى المنظور.