ثماني سنوات عجاف مرت على غزة، لم يأن الوقت بعد لربما أن يعقبهن سبع سمان، فعام 2007، كان فارقًا في حياة سكان قطاع غزة، بعد أن أحكمت حركة حماس السيطرة عليه، وعينت من عينت من كوادرها ابتداءً، ثم انتقل الحال تدريجيًا إلى الخريجين وبعض من المتعطلين عن العمل.
وصل عددهم جميعًا إلى قرابة خمسة وأربعين ألف موظف حكومي، جميعهم اليوم يقفون حائرين، ومحتارين، والسبب أن أصغرهم في المكانة الوظيفية تراكمت مستحقاته المالية (والتي تقدر بآلاف الدولارات) على الحكومة ولا تسأل هنا عمن تكون الحكومة.
فحركة حماس التي تولت زمام الأمور لعدة سنوات، أعلنت في أيَار/مايو 2014، رغبتها في التخلي عن الحكومة بعد أن توصلت شكليًا مع حركة فتح لاتفاق مصالحة شكلي أيضًا، يفضي إلى تشكيل حكومة توافق وطني، معلنةً بذلك عدم مسؤوليتها عن أمن ومستقبل الموظفين الحكوميين.
ثمة حديث عن آلية جديدة ستتبع من قبل سلطة الأراضي ووزارة المالية بشأن تسديد مستحقات الموظفين الحكوميين عبر تسليمهم قطعًا من الأرض
أما حكومة التوافق فلم تعر هؤلاء أي اهتمام، وتعاملت معهم جملة واحدة على أنهم حمساويون، رافضة التعاطي معهم أو الاعتراف بهم، بل باتوا ورقة ضغط في يدها، تطالب بها حماس بتسليم المعابر، وفرض السيطرة الكاملة على غزة وتمكين حكومة التوافق وفق تصريحات الناطقين باسمها من ممارسة مهامها.
لكن التصريح الأخير الذي أعلن فيه نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس م.زياد الظاظا عن آلية جديدة ستتبع من قبل سلطة الأراضي ووزارة المالية بشأن تسديد مستحقات الموظفين الحكوميين عبر تسليمهم قطعًا من الأراضي يقول هو إنها ملك للحكومة، قلب الطاولة، وأعاد الكل للمربع الأول، فمن الذي يحكم؟
ليس هذا فقط ما يشغل بال الشارع الفلسطيني، فالآلية التي أُعلن عنها تتضمن تسديدًا لفواتير المياه والكهرباء والهواتف الخليوية من تلك المستحقات، وسيكون الأمر بشكل إجباري، فيما ستعرض عبر الصفحات الإلكترونية للموظفين مطلع العام الجاري خانة موضح فيها مخططات الأراضي المفترض توزيعها، وأماكنها ومساحتها وسعر كل منها، والتي قد يصل أقل الأسعار فيها للمتر الواحد ما يعادل مائة وخمسين دولارًا.
كما أن النظام المتبع سيشمل اشتراك ما يقرب من ثلاثين موظفًا، ليتمكنوا بمستحقاتهم التي لا يعلمونها بعد خصم فواتير الكهرباء والماء من تملك أرضٍ تقول المصادر إنها تقع في أماكن غير حيوية فيما بات يعرف في غزة بمنطقة المحررات (وهي الأراضي التي كان الإسرائيليون يقيمون عليها مستوطناتهم قبيل الانسحاب من غزة عام 2005)، أما الموظفون الذين لا تؤهلهم مستحقاتهم بعد الخصم من الاستفادة من المشروع فسيحسب لهم ما نسبته 25% من المستحقات التي قد تتراكم خلال عام 2016.
وتعقيبًا على هذا فإن إعلان الظاظا كان يتضمن الحديث عن أن الأراضي التي ستوزع لا تزيد مساحتها عن ألف ومائتي دونم، موزعة في مناطق تتطلب الحاجة إعمارها سكانيًا لاعتبارات سياسية وأمنية واجتماعية واقتصادية.
حالة الإرباك التي خلقها القرار المذكور، قسمت الموظفين بين مؤيد ومعارض للفكرة بالمطلق، فهؤلاء، كانوا يعولون كثيرًا على مستحقاتهم المالية، لأن الديون تراكمت عليهم بشكل بات يهدد مستقبلهم وحياتهم، خلال السنوات التي لم يتلقوا فيها راتبهم الشهري بشكل منتظم.
أما المؤيدون للفكرة، فيرون أن لا سبيل للحصول على مستحقاتهم سوى عبر هذه الطريقة، فهم يفكرون جديًا في بيع الأراضي التي قد يتملكونها.
وبين هذا وذاك فإن ثمة تساؤلات تطرحها مها أبو الكاس الصحفية، فما الذي يضمن للموظفين الحكوميين قانونية تملك الأراضي، والأهم وفق تعبيرها فيما لو دارت الأيام، وحكم غزة من لا يتوافق فكريًا مع حماس، هل سيقوم بطرد هؤلاء من الأراضي؟
السؤال يبدو منطقيًا في ظاهره وباطنه، فهبة محمد موظفة حكومية تعمل في سلطة المياه تقول لألترا صوت: "أنا أريد مستحقاتي المالية، ولا أريد أرضًا لا أعرف هل من حقي قانونيًا تملكها أم لا، ثم لماذا سيتم إجبارنا على الاشتراك مع موظفين آخرين للاستفادة من هذا المشروع".
الموظفون الذين لا تؤهلهم مستحقاتهم بعد الخصم من الاستفادة من المشروع فسيحسب لهم ما نسبته 25% من المستحقات التي قد تتراكم خلال عام 2016
تتوافق معها نداء الدريميلي وهي الأخرى تعمل في وزارة الإعلام، معتبرة القرار لا يعبر إلا عن فلس حكومي، يحاول فيه من يحكم غزة أن يتملص من حقوق الموظفين، فهذا قرار ظالم، كما تقول.
أما هيثم غراب فهو مؤيد للقرار بشكل كامل، مشيرًا إلى أن تنصل حكومة التوافق من مسئولياتها تجاه الموظفين، دفع الحاكم الفعلي لغزة لاتخاذ خطوة كهذه وهو أقل ما يمكن أن يُكافأ به من تحمل أعباء كل تلك السنوات. الخبير الاقتصادي نهاد نشوان استعرض (لألترا صوت) إيجابيات وسلبيات القرار، موضحًا أن الحكومة بهذا تكون في حل من أي التزامات أو مدفوعات مالية، حتى لو تم على شكل أصول غير متداولة.
اقرأ/ي أيضًا: فلسطين.. وليذهب الحاسوب إلى الجحيم!
لكنه وفق نشوان لا يلبى إطلاقًا حاجة شريحة الموظفين من ذوي الدخول الدنيا والوسطى، ففي حال تم خصم المستحقات البنكية وتلك المتعلقة بالماء والكهرباء فسيكون الموظفون مديونين للحكومة. الحالة الوحيدة التي يمكن أن يكون للقرار تداعيات إيجابية على الواقع الاقتصادي الفلسطيني، كما يؤكد هو أن يتم تمويل التعاونيات الإسكانية التي ستبنى على تلك الأراضي من قبل بعض الممولين الخارجيين، لأن ذلك سيحدث سيولة مالية تفتقر إليها غزة.
وتجري خلال الأيام القادمة مشاورات حثيثة داخل أروقة المجلس التشريعي الفلسطيني للبت في آليات تنفيذ القرار بشكل تفصيلي. ولأن المجهول هو ما ينتظر مصير هذه العائلات، فإن التقرير لن يحتوي على خاتمة!
اقرأ/ي أيضًا: لفة على حاجز زعترة!