منذ مؤلَّفه الأول، أرادَ عبد الله العروي الجمعَ بين التأريخ والتفلسف. وهو سيتميَّز بذلك حتَّى أحدث إصدار له "الفلسفة والتاريخ" (بالفرنسية، منشورات لاكروازي دي شومان، 2016)، الذي يأتي كتتويج لعمل عقود من البحث، وكعمل تأصيلي، "بأثر رجعي"، يقرأ فيه العروي محاولاته السابقة، ويعيد إنتاجها، عبر نص بيداغوجي، يُذكِّر بـ"ما هي الفلسفة؟" لجيل دولوز وفليكس غاتاري (منشورات منوي، 1991)، حيث تُطَرح الأسئلة "الكلاسيكية" (من قبيل: ما هي الفلسفة؟ وما هو المفهوم؟) بعد عقود من الانخراط في ورش عمل معمَّقة وتفصيلية. أصلًا، كما يُشير دولوز وغاتاري في السطور الأولى لكتابهما: "لعلنا لن نتمكن من طرح السؤال: ما هي الفلسفة، إلا آجلًا، حينما تقبل الشيخوخة وساعة الحديث بطريق ملموسة... ذلك هو سؤال نطرحه ونحن في اضطراب خفي، خلال منتصف الليل، عندما لم يعد لدينا ثمة موضوع، يستدعي السؤال" (الترجمة العربية الشهيرة بإشراف مطاع صفدي، 1997).
إن الجمعَ الذي أراده العروي بين الفلسفة والتاريخ نجم عن مفهوم خاص ومغاير "للتاريخانية"
اقرأ/ي أيضًا: طبعة جديدة من "السياسة" لأرسطو
أيضًا، في "الفلسفة والتاريخ"، يطرح العروي سؤالي: ما هي الفلسفة، وما هو التاريخ، بعد شيخوخة وجفاف للمواضيع. ويُمكن القول إن كتابه هذا يأتي مكملًا لـ"العرب والفكر التاريخي"، عمله الكلاسيكي الذي صدر عام 1973، و"ثقافتنا في ضوء التاريخ" (1983)، و"مفهوم التاريخ" (1992)، الذي لا يُجادل أحدٌ أنَّه أهم كتب "سلسلة المفاهيم" التي ثابر العروي على إصدارها منذ مطلع الثمانينيات.
إن الجمعَ الذي أراده العروي بين الفلسفة والتاريخ نجم عن مفهوم خاص ومغاير "للتاريخانية". يقول: "أذكر هنا بأنني أطلقت اسم التاريخانية على وضع ثقافي معين، وأنّ هذا المفهوم لا علاقة له بما يعرف تحت هذا الاسم في الموسوعات الفلسفية". وهو لا علاقة مباشرة له أيضًا بالمفهوم الذي اشتهر، عربيًا، في قراءات الموروث الديني عند بعض المفكرين، من قبيل محمد أركون ونصر حامد أبو زيد.
"لماذا اقتنعتُ بأن التاريخانية تكون قدرًا أكثر منها خيارًا؟"، يحاول العروي في كتابه الجديد، متأملًا "مشروعه" الفكري، الإجابة عن هذا السؤال. أما القارئ العربي، الذي لا يعرف الفرنسية، فسيكون عليه انتظار ترجمة هذا الكتاب، ونادرًا ما كان العروي راضيًا عن ترجمات نصوصه إلى العربية.
اقرأ/ي أيضًا: