هناك من يشاهد كرة القدم من أجل المتعة، وهناك من يضحي بهذه المتعة ليظفر بالثلاث نقاط. مع تطور التكتيكات وأساليب اللعب المختلفة، تطورت فكرة الكرة الدفاعية على مر العصور، والتي تُقدم سبل الدفاع على الهجوم، أملًا في الخروج بأفضل نتيجة ممكنة بهجماتٍ أقل. هذا المفهوم الدفاعي، بالنسبة للمدرب، هو ما يسميه المشاهدون بالكرة القبيحة، والتي لا تروق للكثير من متابعي الساحرة المستديرة.
مفهوم الكرة القبيحة يرتبط عادةً بالكرة الدفاعية
الكرة الدفاعية في عصرها الحديث هي ما يطلق عليه، عادةً، الكرة القبيحة. أسلوب لعب معتمد على التكدس الدفاعي والبُعد عن نصف ملعب الخصم، مما يترك السيطرة على الكرة للفريق المنافس، لتتحول إلى مباراة ينحاز فيها الاستحواذ إلى فريقٍ واحد.
الأسلوب الدفاعي له هدفٌ واحد، وهو ما يسعى له معظم المدربين: خنق اللعبة. غلطة واحدة من فريق الخصم، والذي يحاول فك العقدة، كفيلة بتحويل المباراة بأكملها، وهذا لأنه سيبدأ بتطبيق الضغط العالي بخطوطه الثلاث.
مفهوم الكرة القبيحة يرتبط عادةً بالكرة الدفاعية، ولكنه ينطبق أيضًا على بعض التكتيكات الجانبية، كاللعب العنيف وإضاعة الوقت، مثلما اشتهرت به مصر في كأس العالم 1990
هنا نقطة التحول بالنسبة للفريق المُدافع، والذي يكثف من جهوده لقطع الكرة، ويستهدف إرسالها إلى المهاجم الذي يبدأ عملية الهجوم المضاد ليسكنها في الشباك، وهذا بعد أن يمر عبر خطوط المنافس. هذا التكتيك يقلب موازين مباريات، ويحول عملية التشجيع إلى عملية انتظار من الفريقين، وكلاهما ينتظر فك عقدة الآخر.
أهم التكتيكات المتبعة من رواد الأسلوب الدفاعي
"كما نقول في البرتغال، جاءوا بالحافلة ووضعوها أمام المرمى." جوزيه مورينهو بعد التعادل أمام توتنهام في 2004.
أسلوب "ركن الحافلة" قد يكون من أقدم التكتيكات الدفاعية في عصر الكرة الحديثة. أسلوب يعتمد على إسكان الفريق بالكامل في النصف الدفاعي، ودون أي محاولة للضغط إلا في أوقاتٍ محددة من المدرب. يتسم الأسلوب بالخمول الدفاعي، ويلجأ معظم من يتبناه إلى "ركنه" في حالة التقدم بالنتيجة.
هذا الأسلوب كان سر فوز مورينهو الذي بغضه أمام توتنهام، وهذا مع تشيلسي في موسم 2004-2005 الذي خرج فيه البلوز بـ 15 شباكًا نظيفة. فاز هذا الموسم ببطولة الدوري الإنجليزي، ولم يخسر إلا مباراة واحدة فقط.
الكرة الطويلة من التكتيكات الدفاعية "المملة" بالنسبة للمشاهدين، ولكن هجماتها أكثر إبداعًا مقارنةً بما قد يخرج من أسلوب ركن الحافلة. تعتمد عليها عادةً الفرق الأضعف في خط الوسط والدفاع، وتعتمد بدايتها على قطع الكرة، ومعه يتحرك خط الهجوم للأمام ليستقبل لاعبوه الكرة. على عكس الأسلوب الأول، يعتمد هذا الأسلوب على رؤية اللاعبين للملعب والتحركات الذكية، ولهذا يُعتبر أكثر أناقة مقارنةً بغيره من الأساليب الدفاعية.
نادي برينتفورد من أحدث الأمثلة التي تطبق التكتيك بحذافيره. النادي المعروف بلاعبيه الأقوياء بدنيًا اعتمد على مبويمو وإيفان توني في الأمام، وهذا للتحرك خلف خطوط دفاع المنافس قبل استقبال الكرة من بعيد. الاعتماد على الثنائي الدفاعي بينوك وأجير لإرسال الكرة للأمام، وهذا لتصل إلى ثنائي الهجوم، جنى ثماره مع الفريق الذي قضى موسمه الثاني في الدوري الممتاز، موسم 2022-2023، ووصل للمركز التاسع ولم يخسر إلا أربع مباريات في أول 23 مباراة له.
أسلوب الدفاع العميق من الأساليب الأكثر ظهورًا حاليًا، على عكس ركن الحافلة الذي نادرًا ما تتبناه الفرق في الوقت الحالي. يعتمد الدفاع العميق على رجوع خط الدفاع بالكامل، بقلبيه وظهيريه، وأهميته تكمن في الحفاظ على طاقة الظهيرين لإطلاقهما لاحقًا في المباراة. لاعب وسط الخط الدفاعي يظل في الخلف معهم، بينما يظل لاعبي خط الوسط متأهبين للهجمات القادمة لقطعها في نصف الملعب، وتحويل الهجمة ضدهم إلى هجمة عكسية.
تبنى أتليتكو مدريد هذا الأسلوب، وعلى يد دييجو سيموني، بتشكيلة 4-4-2 و5-3-2 الشهيرة. ركز أسلوب الأسباني على التصاق الخطوط، والضغط القوي عند الاستحواذ على الكرة، والذي ساعده تنظيم خط الوسط في الحالة الدفاعية والهجومية. تمكن من الفوز بدوري 2013-2014 بهذا التكتيك، وهذا بعد أن استقبلت شباك فريقه 25 هدفًا فقط، وكان الأقل استقبالًا للأهداف في هذه المسابقة.
لا تقف الكرة القبيحة عند الدفاع
المفهوم يرتبط عادةً بالكرة الدفاعية، ولكنه ينطبق أيضًا على بعض التكتيكات الجانبية. من هذه التكتيكات هي اللعب العنيف، والذي تُعرف به أندية إيطاليا ومنتخبها، وأندية شمال أفريقيا. اللاعبون ينفذون عرقلات غير أمنة، وعندهم استعداد لتعطيل أي هجمة حتى لو مقابل بطاقة صفراء.
هناك أيضًا بعض اللحظات التي توصم بهذا المسمى، مثل عرضية أرنولد في مباراة العودة أمام برشلونة، وأسلوب توني بولس في تنفيذ الرميات من خارج الملعب. اعتمد مدرب ستوك سيتي وقتها على رميات روري ديلاي الطويلة، والتي يرميها قربًا من منطقة الجزاء لصناعة الهجمات بطريقة خارجة عن المألوف، وساهم في 5 أهداف مباشرةً وبدأ هجمات لـ 24 هدف، وُصم بالقباحة لأنه أسلوب مستفز للمنافسين، واللذين لم يستطع الكثير منهم ايقاف هذه الهجمات الغريبة.
ما فعله أحمد شوبير أمام المنتخب الأيرلندي في كأس العالم، وهذا في نهائيات كأس العالم 1990، كان محطًا للجدل والسخرية في آنٍ واحد. تمرير الكرة من المدافعين لشوبير، والذي يأخذها كل مرة ليمشي بها ويركلها لمنتصف الملعب، جعل هذه المباراة تحصل على لقب الأسوأ في تاريخ المسابقة. بعد نهاية البطولة، قرر اتحاد كرة القدم مناقشة منع المدافعين من تمرير الكرة للحراس، وفي 1992 صدر القرار بمنعها، وهذا لضمان عدم حدوث هذا المشهد مرة أخرى.
من رواد الأساليب "القبيحة"
الكرة الإنجليزية لها نصيبٌ كبير في هذه الأساليب، فمنهم توني بوليس، والذي لم يكتفي فقط بأسلوب الرميات المذكور في الأعلى، بل اعتمد على قتل الهجمات وتشتيت الكرة بشكل أساسي، مما جعل مباريات ستوك سيتي مملة لمشاهديها. مثله أيضًا سام ألارديس مع أندية كريستال بالاس، ويست هام يونايتد وليدز يونايتد، والذي اعتمد على الكرة الطويلة كتكتيك أساسي، والذي لم يجد معه نفعًا مثل برينتفورد، وهذا لأنه طبقه مع أندية لا يستطيع لاعبوها ممارسته.
أما جوزيه مورينهو، فأضاف تفاصيل أخرى على أسلوب "ركن الحافلة" مع بضعة أندية، فلعب الكرة الطولية كان مهمًا بالنسبة له أمام الفرق الضعيفة، والتي اعتمدت على نفس أسلوبه، لكي تصل إلى المهاجمين في الأمام. أسلوبه كان فعالًا في الحالتين، فحصوله على ثلاثة ألقاب دوري إنجليزي وبطولتي دوري أبطال أوروبا كان كافيًا لإثبات وجهة نظره.
ماسيميليانو أليغري: من يريد المتعة فليذهب إلى السيرك
ماسيمليانو أليجري كان له نصيبه من الانتقادات، وهذا بسبب استحواذه السلبي على الكرة في الكثير من المناسبات، وهذا ليتحكم في ريتم اللعبة ويكسر فرص الفريق الآخر في الهجوم. أسلوبه اعتمد على الضغط القوي عند خسارة الكرة، ولكن عند الحصول عليها، خروجها من أقدام لاعبي يوفنتوس يصبح حلمًا للفريق المنافس، ومع تنظيمه لخطوط الفريق، تصبح مبارياته مؤلمة لأعين المشاهدين. مثله مثل مورينهو، فاز بخمس بطولات في الدوري الإيطالي مع اليوفي، وهذا ليثبت قوة تكتيكه حتى لو لا يناسب المشاهدين.
إن كانت هذه الأساليب تختلف من مدرب لمدرب، فمعظمها يندرج تحت الأساليب الدفاعية المختلفة. هناك من له لحظاته في المباريات الكبيرة التي وصمت بلحظات "قبيحة"، ولكنها لحظات عادةً لا تُرى إلا في ظروف اضطرارية. حتى لو كانت طريقة اللعب تلك مملة، فالمهم بالنسبة للمدرب الخروج بالفوز تحت أي مسمى، وهذا ما برره أليجري في تصريحه الشهير: "من يريد المتعة فليذهب إلى السيرك".