أجرت الصحفية الأمريكية المقيمة في باريس، كريستين باكلي، حوارًا مطولًا مع الروائي الفيتنامي الأمريكي فييت ثانه نغوين، ليس فقط باعتباره واحدًا من أكثر الأدباء حصدًا للجوائز، وإنما كونه نموذج لأبناء المهاجرين من الشرق إلى الغرب، في ظل فترة يعتبر اللجوء والهجرة على رأس القضايا الأكثر إثارة للجدل في العالم الغربي. فيما يلي ترجمة بتصرف للحوار المنشور في "Los Angeles Review Of Books".
لم يكن اهتمامي بأعمال الروائي فييت ثانه نغوين، اهتمامًا أدبيًا أو صحافيًا محضًا. فلدى بلوغي سن الثامنة، أصبحتُ الشقيقة الصغرى للاجِئَين مراهقَيْن من فيتنام. لقد أحدث قرار والداي المفاجئ ليصبحا آباءً بالتبني تغيرًا جذريًا في مسار حياتي، تمامًا مثلما غيّرت السياسة العالمية مصائر شقيقيَّ الجديدين.
في عهد ترامب، خفضت الولايات المتحدة من الحد الأقصى لأعداد اللاجئين الذين كانت تستقبلهم، حتى أنه وصل لأقل عدد لاجئين تستقبلهم منذ 1980
أتيحت لي الفرصة لاحقًا لمقابلة أحد أشقائي في مدينة سايغون الفيتنامية في نيسان/أبريل من عام 2000، عندما عاد إلى بيته للمرة الأولى واحتفل النظام الشيوعي بالذكرى السنوية الـ25 لانتهاء الحرب الأمريكية على فيتنام. تحوّلت زيارتي التي كان من المخطط لها أن تدوم أسبوعين إلى خمس سنوات، قضيتها بين أقارب أخي، وتعلمتُ خلالها قليلًا كيف يكون شعور من يُنظَر إليه بصفته "شخصٌ في بلدٍ أجنبي".
ومن ثم، أصبحتُ منذ زمنٍ بعيدٍ، أكثر اهتمامًا وانشغالًا، من الناحية الشخصية والمهنية، بحياة النازحين عن بلدانهم. كان أجدادي وأبي لاجئين من أيرلندا لأسباب اقتصادية وسياسية؛ وكإنسانةٍ بالغة، وجدتُ نفسي دون قصد واحدة من بين النازحين في العالم بمحض إرادتهم، ليس كالمنفيين أو اللاجئين، ولكن شيئًا مثل ما يُطلِق عليه الكاريبيون "nowherians" أي حرفيًا "سكان اللامكان". وقد عرّفهم الأخصائي النفسي غريغوري ماديسون كـ"مهاجرين وجوديين".
أثناء مشاهدتي للفوضى في مخيم "الغابة" للاجئين في مدينة كاليه الفرنسية، وبصفتي متطوعة تقوم بتخزين الطعام أو فرز الملابس، ولاحقًا بمساعدة اللاجئين المحظوظين بما يكفي لينتهي بهم المطاف في شوارع باريس أو مرسيليا؛ لم أدرك يومًا قبل ذلك قدر الامتياز الذي أحظى به في اختياري للمكان الذي أسميه بيتي.
لقد شملت "أزمة اللاجئين" الحالية أكثر من 68.5 مليون نازح فروا من العنف والاضطهاد نتيجة عددٍ لا يحصى من الصراعات في العالم، وهو رقمٌ يتضاءل أمامه عدد اليهود الأوروبيين وغيرهم من الجماعات المضطهدة الذين فروا من أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، تحوّلت مشاعر التعاطف الشعبية منذ تلك الأيام التي تم فيها استقبال اللاجئين الفيتناميين على الشواطئ الأمريكية والفرنسية والأسترالية والكندية، وهي شواطئ تلك الدول التي يمكننا القول أنها تتحمل جزءًا من المسؤولية وكان لها دور نشط في نزوحهم.
منذ السبعينيات، كانت الولايات المتحدة رائدة في عمليات إعادة توطين اللاجئين على مستوى العالم. عندما ترك باراك أوباما منصبه في عام 2016، تم تحديد حصة اللاجئين بـ110 ألف سنويًا، قبل أن يقوم الرئيس ترامب بخفض هذا الحد إلى أكثر من النصف ليصل إلى 45 ألف لاجئ، وهو أقل عدد يطالِب به رئيس أمريكي منذ أكثر من 30 عامًا.
ومن خلال سَنّ ترامب لقرار "حظر سفر المسلمين إلى الولايات المتحدة"، سيُترجَم سقف ترامب عمليًا إلى عدد أقل بكثير من اللاجئين الذين يُعاد توطينهم في البلاد. في عام 2017، أفاد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أن العدد بلغ 24 ألفًا و559، وفي عام 2018 أصبحت الولايات المتحدة على وشك استقبال أقل عدد لاجئين منذ عام 1980.
وفي هذا السياق، نُشر مؤخرًا كتاب "النازحون: كُتاب لاجئون عن حياة اللاجئين" من تحرير نغوين. يجمع الكتاب أعمال مؤلفين لاجئين من أفغانستان والبوسنة وشيلي وإثيوبيا والمجر وإيران ولاوس والمكسيك وباكستان والاتحاد السوفييتي السابق وفيتنام وزيمبابوي، وكلهم يروون قصصًا عن بدء حياتهم في كندا وألمانيا وجنوب إفريقيا وبريطانيا، والولايات المتحدة. وسيتم التبرع بنسبة 10% من عائدات مبيعات الكتاب أو مبلغ 25 ألف دولار سنويًا كحد أدني إلى لجنة الإنقاذ الدولية.
- كيف جاءتك فكرة كتاب "النازحون"؟ لقد قرأتُ نسخًا متضاربة حول تلك القصة؟
تواصلت معي شركة أبرامز للنشر. وكان المحرر هناك هو جايمسون ستولتز، الذي قال لي فجأة ودون سابق إنذار: "أريد تأليف كتاب عن اللاجئين"، وقد كان ذلك في الوقت الذي أُعلن فيه عن حظر ترامب لدخول المسلمين، وأضاف: "اتضح أن زوجتي لاجئة، ولم أكن أعرف ذلك حتى الآن".
كانت زوجته من الاتحاد السوفيتي السابق، وكان لديه طفلان، وأعتقد أن الأمر قد صدَمه. لقد كان معارضًا بالفعل لحظر المسلمين، لكن إدراكه بأنه متزوجٌ من لاجئة جعل الأمر شخصيًا أكثر، وبالطبع دفعه للتساؤل: "لماذا لم أعلم بهذا مسبقًا؟"
جاء هو بنصف مجموعة الكتاب، وجئت أنا بالنصف الآخر. وكان المعيار الذي استخدمناه هو أنه يتعين عليهم جميعًا أن يكونوا لاجئين وكتاب في نفس الوقت. بالطبع، لو أردنا للكتاب أن يكون تجميعًا لشهادات شفوية، لكان بإمكاننا جمع عشرات الآلاف من المصادر، لكني أعتقد أنه كان من المهم، بالنسبة لكلينا، أن تكون قصصًا يحكيها أفراد، بكتاباتهم الشخصية.
من الواضح أن ما يحدث مع أزمة اللاجئين هو نوعٌ من نزع الطابع الإنساني عن جماعة من الناس، وهذا لأنهم لا يستطيعون رواية قصصهم الخاصة في أشكال متوفرة للمطالعة على نطاق واسع. بالطبع، إنهم يروون قصصهم للأمم المتحدة، أو للسفارة الأمريكية أو ما شابه ذلك، لكنهم لا يكتبون قصصهم الخاصة، ولذا اعتقدنا أن الكُتاب الذين مروا بتجربة اللجوء يمكن أن يُكسبوا القصص التي يروونها المزيد من العاطفة والإتقان الفني والتاريخي.
- وجدتُ أن الكتاب لبس فقط معارضًا لقرار ترامب ضد دخول المسلمين الولايات المتحدة، وإنما أيضًا نوع من الانتقاد للسياسات الغربية الجماعية الانغلاقية، فهل هذا صحيح؟
هناك نوعان من اللاجئين أو المهاجرين، الذين يدور الحديث عنهم عادة هم اللاجئون السياسيون والاقتصاديون. اللاجئون السياسيون لديهم استحقاقات أخلاقية واضحة طبقًا لمواثيق الأمم المتحدة، ولجميع الدول المشتركة في ميثاق الأمم المتحدة الخاص باللاجئين.
وبالتالي هناك حافزٌ كبيرٌ لمحاولة عدم تصنيف الناس كلاجئين سياسيين وإطلاق عليهم بدل ذلك اسم "المهاجرين الاقتصاديين" أو "اللاجئين الاقتصاديين" أو أي مصطلح تريد استخدامه، وهذا ما يبرر الحدود المغلقة أو سياسة الانغلاق ، وكأن هذه الدول تريد القول بأن هؤلاء "اللاجئين الاقتصاديين" لا يفرون لأسباب تستحق أن تُؤخذ بعين الاعتبار.
نغوين: "أصبح اللاجئون كذلك لأن الغرب قد تدخل في بلدانهم متسببًا في كوارث بشكل مباشر في الماضي أو في الحاضر"
من وجهة نظري، كلا هذين الموقفين خاطئان. بالنسبة للاجئين السياسيين، فنحن ندين لهم بالكثير، وينبغي أن تكون لدينا فئة أكبر بكثير يندرج تحتها اللاجئون السياسيون، لكن حتى لو قلنا أن هؤلاء الناس هم مهاجرون اقتصاديون، فإن السؤال المطروح هو: لماذا هم مهاجرون أو لاجئون اقتصاديون؟
أعتقد أن مبرر إغلاق الحدود والأبواب، يستند إلى فكرة مفادها أننا لا ندين بشيء للأشخاص الذين يطلق عليهم اسم "لاجئين اقتصاديين". فبلدان هؤلاء اللاجئين هي التي تتحمل الخطأ! ولكن إذا اعتمدنا نظرة أكثر عالمية وتاريخية للأمور، يتضح لنا أن هؤلاء الناس في كثير من الحالات أصبحوا لاجئين اقتصاديًا أو سياسيًا، لأن الغرب –وغالبًا الولايات المتحدة- قد تدخل في بلدانهم، متسببًا في كوارث بشكل مباشر في الماضي أو في الحاضر، بطرق لا يعلم عنها مواطنو دول أوروبا الغربية أو الأمريكيون شيئًا، أو أنهم يفسدونها الآن من خلال التغير المناخي، وهو نتيجة مباشرة لنمط الحياة الغربية.
لذلك نحن بحاجة إلى فهم كيفية ارتباطنا جميعًا كبشر عبر الحدود، وبالطبع فإن من يعيشون في بلدان أكثر امتيازًا، لا يرغبون لا هم ولا حكوماتهم في رؤية ذلك، وهذا مجرد نذير لما سيحدث في العقود المقبلة أو القرن المقبل.
- هل يمكنك التحدث عن الطريقة التي سُيّست بها المصطلحات التي تطلق على اللاجئين (لاجئ سياسي أو لاجئ اقتصادي أو لاجئين غير شرعيين... إلخ)؟ ثم ما هو دور الراوي في ذلك؟ هل يكفي سرد قصص اللاجئين فقط؟
سأجيب عن ذلك أولًا من وجهة نظر كتاب الأدب الخيالي والواقعي: ما الذي يجب علينا القيام به؟ الجواب هو أن نبذل جهدنا لنربط الأشياء التي لا تبدو مقترنة ببعضها البعض. لأنه عندما يتعلق الأمر بقضية اللاجئين، إذا لم نر ارتباط الحرب، والمخدرات، والمناخ بالهجرة، حينها لن نتمكن أبدًا من حل المشكلة من الأساس.
لذلك، فإنه من الضروري أن ترى كتب مثل "النازحون" النور، ومن الضروري أن يتحدث الكتاب والصحفيين عن الكوارث المناخية وارتباطها بأسلوب حياتنا الاستهلاكي، لأن هذا كله جزء من العمل اللازم لتوسيع فهم الناس.
غالبًا ما يتفاعل الأشخاص مع سياسات الهجرة واللاجئين بقولهم: "حسنًا، لا يمكنك ربط ما يحدث الآن بما يحدث في مكانٍ آخر، لأنهما غير مرتبطين". كتبت ميشيكو كاكوتاني، مؤخرًا، مقالًا تصف فيه شكل الحياة التي عاشتها عائلتها في مخيم الاعتقال الياباني، وربطت ذلك بما يحدث الآن للمهاجرين "غير الشرعيين" على الحدود الأمريكية، وأجاب الناس في قسم التعليقات: "هذان الأمران لا يستويان"، رغم أنهما كذلك بالتأكيد، إذ ترتبط ظاهرتا اللاجئين والكوارث المناخية ببعضهما البعض. إذن، الخطوة الأولى في سبيل حل المشكلة، هي توسيع دائرة الوعي.
الخطوة الثانية، ماذا نفعل؟ سحقًا، كيف لي أن أعلم، فأنا أعمل ككاتب. ويستهلك هذا وقتي كله. يجب على السياسيين أن يفعلوا شيئًا حيال هذا، كما يجب على كل مواطن كذلك أن يقوم بشيء ما. يجب أن تتم تعبئتنا سياسيًا، مهما كلف الأمر.
وكلما نظرنا إلى جميع هذه الأمور على أنها مرتبطة فيما بينها، رأينا أن ما نقوم به محليًا يمكن أن يكون له تأثير أوسع إذا ما كان جزءًا من جدول أعمال أكبر. من الواضح أن المواطن العادي الذي يقول: "يا إلهي، هناك أزمة لاجئين وأزمة مناخ عالمية"، يشعر أنه لا يستطيع القيام بأي شيء إزاء ذلك باعتباره فردًا. هذه القضايا كبيرة للغاية، لكن، إذا شعرت بنوع من التحفيز السياسي، ستبدأ بما هو محلي ثم ستربطه بالباقي.
إذن يمكن أن أقول: أوجد القضية التي تهمك ثم تأكد من فهم صدى المسألة عالميًا. هكذا تبدأ جميع الأنشطة. إذا بدأت بقول: "لا يمكنني أن أضع حدًا للمشكلة العالمية"، فبالتأكيد لن تتمكن من ذلك. يجب عليك أن تبدأ بالمشكلة المحلية، وتتأكد من أنك تفهم أن هذه الأشياء جميعها مقترنة ببعضهم.
- لقد أشار كتاب إلى قضية التفريق بين اللاجئين باعتبار بعضهم "جيدين" وآخرون "سيئين". كيف يمكن مواجهة ذلك؟ وكيف نجعل ترامب أو ماكرون أو غيرهما من قادة الغرب يقرؤون هذه القصص؟
لا أعتقد أننا سننجح في تحقيق ذلك. لا تتعلق السياسة دائمًا بتغيير آراء الأشخاص الذين تعارضهم أو أعدائك، لأنهم لن يغيرونها. لديهم قناعاتهم الخاصة، حتى وإن كانت خاطئة، وسوف يفعلون ما يؤمنون به. إذن، الطريقة الوحيدة لضمان التغيير السياسي هو عزلهم عن مناصبهم، هذا هو واقع الأمر.
لهذا أرى أن الإجراءات المحلية مهمة. إذا لم تكن من داعمي ماكرون أو ترامب، عندها يجب أن تبدأ العمل من الأسفل إلى الأعلى، تمامًا مثلما فعل الجمهوريون -بشكل جيد- على مدار الـ30 أو الـ40 أو الـ60 عامًا الماضية، أو مثلما جرى خلال فترة التخطيط لأجندة عمل المحافظين. كانت خطة المحافظين في حاجة إلى المليارديرات لكنها لم تكت لتتحقق من دون الفئة العاملة في المنظمات الشعبية.
إذن، أولئك الذين لا يملكون مليارات يجب أن يساهموا على المستوى الجماهيري. هناك يمكنك أن تغير الآراء. إنك تغير الآراء على المستوى الشعبي وتؤكد معتقدات الأشخاص الذين يشاركونك نفس قناعاتك.
لهذا أعتقد أن التحدث علنًا عن مثل هذه القضايا ليس مجهودًا مهدرًا، حتى وإن كنت تتحدث إلى أشخاص يشاركونك نفس قناعاتك. لأننا في حاجة إلى الحصول على ذلك التأكيد على ما نؤمن به، لكي نتمكن من مواصلة الاستماع إلى تلك الرسالة وبلورتها بفعالية أكبر لأنفسنا وللآخرين.
- هناك العديد من الحجج الأخلاقية والاقتصادية المقنعة حول فتح الحدود، لكن من الصعب تخيل أخذها على محمل الجد في مناخنا السياسي الحالي. هل تعتقد أنه يمكننا رؤية مستقبل بلا حدود، حيث تختفي الهويات القومية أو على الأقل يتم تجاهلها؟
أؤمن بأننا سنحقق ذلك. لا أعلم كم سيستغرق الأمر حتى نصل إلى ذلك، لكننا سنفعل، لأن التجارب السابقة قد أخبرتنا بذلك. إذا ألقينا نظرة على القرون الماضية، فإننا قد دأبنا دائمًا على قتل المختلفين عنا على الجانب الآخر من الحدود، لكن تلك الحدود بدأت في التوسع تدريجيًا، وهو ما وسع تعريفنا لمن هو قريب وعزيز. حتى هنا في فرنسا، الهوية القومية الفرنسية هي ظاهرة حديثة نسبيًا، ظهرت في القرنين الماضيين، وينطبق نفس الأمر على للولايات المتحدة.
إذن من المنظور المتفائل سنحقق ذلك. لكن المشكلة هي أن القدرة البشرية على خلق حب وتعاطف أعظم تعمل بشكلٍ متوازٍ مع القدرة البشرية على التدمير. إذن، من الممكن أن نتسبب في إبادة أنفسنا أولًا قبل أن نصل إلى المرحلة التي نحصل فيها على مجتمع إنساني أفضل. لأن هناك أسلحة نووية وكارثة مناخية، لذا فإن أي شكل من أشكال التفاؤل يجب أن يتخلله نوع من التشاؤم. لا أعرف ماهية النتيجة التي ستترتب على ذلك. أعلم أننا نملك القدرة على القيام بذلك، كما أعلم أننا نملك القدرة على تدمير الآخرين وأنفسنا، ولا أعلم أيهما ستتغلب على الأخرى.
- لقد أشرت في إحدى أحاديثك إلى أن النظام الجمهوري الفرنسي العالمي يقابل الديموقراطية متعددة الثقافات للولايات المتحدة، وأشرت إلى أن كلا النظامين لا يمكنه حل مشاكل بلاده. وقلت: "يجب علينا التحدث والتعامل مع واقع أن العبودية والإبادة الجماعية، والاستعمار والاحتلال جميعها جزء من تاريخنا". كيف تعتقد أنه يمكننا كمجتمع القيام بذلك بفعاليةٍ أكبر؟ ماذا يمكن للأمريكيين القيام به حيال ميلنا إلى تضخيم بطولتنا وتجاهل الدماء التي تغرق فيها أيدينا؟
أعتقد أن الولايات المتحدة قد قامت بعملٍ لا بأس فيه في الاعتراف على الأقل ببعض النواحي الفظيعة في التاريخ الأمريكي. ليس الأمر وكأننا لسنا على علم بهذه الأشياء. السؤال هو ما إذا كنا ننشر ونعمم تلك المعرفة بشكلٍ كافٍ في المجتمع، وما إذا كان جميع الأمريكيين على استعداد لسماعها. يبدو أن العديد من الأمريكيين ليسوا كذلك. لكن، إنتاج تلك المعرفة يحدث بطريقة ما.
أعتقد أن جوهر القضية لا يتعلق بالمزيد من المعرفة، بل بتحوّل ثقافي واقتصادي أكبر. وفي إطار تغيير الثقافة الأمريكية بمثل هذه الطريقة سيصبح المزيد والمزيد من الأمريكيين على استعداد لتقبل أن التاريخ الأمريكي متناقض بشكلٍ أساسي، وأنه يمكن لشيئين أن يوجدا في نفس الوقت أي المثالية والاستثنائية، وأن المثالية والاستثنائية الأمريكية وجميع تلك الأشياء، جنبًا إلى جنب مع واقع أن تلك المثل قد ولدت من رحم الإبادة الجماعية والعبودية. فلا حرج في قول ذلك. إنها الحقيقة فحسب.
فالآباء المؤسسون كانوا يمتلكون العبيد، وغير ذلك من الحقائق الفظيعة الأخرى. ولم نكن لنؤسس الولايات المتحدة من دون القضاء على السكان الأصليين في البداية. إذن، يجب عليك تقبل تلك الحقائق. وإذا لم تستطع، حينها لن يتغير شيء.
الآن، إلى جانب ذلك، إذا اعترفنا بتلك الحقائق، فإننا نعترف بأن اللامساواة داخل المجتمع الأمريكي، كما اللامساواة في المجتمع الفرنسي؛ قد خُلقت، على حد علمي، من هذا التاريخ الطويل والمتناقض، حيث تقترن المُثل وإراقة الدماء ببعضهما البعض بشكلٍ تام. لا يمكنك الفصل بين هذين الأمرين.
الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، هي أولًا الاعتراف بتلك الحقائق، وثانيًا معالجة تلك المشاكل هيكليًا، مما يعني القيام بإعادة توزيع اقتصادي. والعديد من الأمريكيين لا يرغبون في سماع ذلك. يبدو ذلك كالشيوعية أو الاشتراكية، على الأقل الناس اليوم على استعداد للتحدث حول تلك القضايا، لكن ليست هناك طريقة أخرى.
- أمر آخر قد أثرته خلال إحدى أحاديثك، هو أن أكثر من نصف لاجئي المحيطات من فيتنام لم يتمكنوا من الوصول إلى وجهاتهم وهم على قيد الحياة. وقلت: "إن تلك احتمالات أسوأ من احتمالات نجاح رواد الفضاء، إننا ندعو رواد الفضاء أبطالًا، بينما اللاجئين مثيرين للشفقة؟ هل لديك ما تضيفه على ذلك؟
هذا بالضبط السبب وراء رغبتي في إشراك الكتاب اللاجئين في الكتاب، لأنه على الأقل أحد الأسباب التي تجعل اللاجئين مثيرين للشفقة ورواد الفضاء أبطالًا، هو أن رواد الفضاء لديهم قصص تحكى عنهم من قبل أشخاص يمكنهم رؤية الأشياء من وجهات نظرهم، أما اللاجئين فهم لا يحصلون على ذلك الاستحقاق. وذلك لأن الذين يكتبون عن اللاجئين يرونهم من الخارج، كأشياء وليس من الداخل. إنهم يرونهم كأجانب وغرباء وليسوا جزءًا من ثقافتهم.
ثقي بي، إذا اضطر الأمريكيون فجأة إلى عبور البحر ومواجهة احتمال نجاة يعادل 50%، فسيتم صنع أفلام هوليوودية عنهم لكونهم أبطالًا مذهلين. ما يعنيه ذلك ليس فقط حقيقة أنه لا يوجد رواة بما يكفي، لكن أن اللاجئين مستضعفون بالكامل، وهم لا يملكون إمكانية الوصول إلى هوليوود، على عكس رواد الفضاء. وذلك ما هو إلا نتيجة للاختلاف الجذري في الفرص السياسية والاقتصادية.
- ما هي المتع والصعوبات التي مررت بها أثناء تحرير هذه كتاب "النازحون"؟
تمثلت معظم الصعوبات في محاولة إقناع الكتاب بقبول الدعوة للكتابة. ومع الأسف، لم نتمكن من إقناع الجميع. بيد أننا حصلنا على الأغلبية التي كنا نسعى إليها، وكان من المشجع أن نرى أن هناك العديد من الكتاب الذين أرادوا المشاركة. وصار الأمر برمته بعد ذلك ممتعًا للغاية.
أعني أنه كان عملًا تحريريًا سهلًا للغاية. لقد كان أسهل كتاب عملت عليه على الإطلاق، فقد امتاز أسلوب الكُتاب بالجودة، ولذا لم أضطر لإجراء الكثير من التعديلات، وفي بعض الحالات لم يرغبوا في أن أعدل شيئًا، ولا بأس في ذلك على كل حال، ولذلك كان كتابًا ممتعًا منذ البداية إلى النهاية لأن الموضوع حدث بسرعة، والقصص كانت قوية للغاية ولم يكن الكُتاب في حاجة إلى التوجيه.
- هل هناك أي خطط مستقبلًا لترجمته؟
نعم، نأمل في أن يكون هناك نسخة باللغة الفرنسية، على سبيل المثال، ونحن بصدد مناقشة ذلك. وإذا أراد الناشر الفرنسي أن يتم إشراك بعض الكُتاب الفرنسيين فلا بأس في ذلك. ولكن من الجدير بالذكر، أن الإصدار الورقي والإصدارات الأجنبية ستبدو مختلفة بعض الشيء عن هذا الإصدار الأصلي.
نغوين: "من الممكن أن نتسبب في إبادة أنفسنا أولًا قبل أن نصل إلى المرحلة التي نحصل فيها على مجتمع إنساني أفضل"
- وماذا بشأن ترجمته إلى اللغة الفيتنامية؟
حسنًا، لقد بعنا حقوق الترجمة لناشر فيتنامي كبير، وقد تمت الترجمة بالفعل. وقد خضعت لنوع من مراجعة الحكومة، حسبما سمعت آخر مرة منذ نيسان/أبريل. لذا فإنها مسألة حساسة للغاية، وقد أوكلت مهمة التعامل مع ذلك إلى المحررة الخاصة بي، لأنها تعلم مدى حساسية الأمر. لكن هذا الكتاب (النازحون)، لا أظن أنه سيشكل الكثير من المشاكل بالنسبة لهم.