تعتبر المثلية الجنسية إحدى الظواهر المسكوت عنها، داخل المجتمعات العربية الإسلامية ذات الطبيعة المحافظة، وتوضع في خانة المحاذير الاجتماعية والدينية معاً، وقد تعاملت أغلب المذاهب الإسلامية بصرامة مع هذه الظاهرة، مستندةً إلى مجموعة من السور والقصص القرآني الذي تناول قصة قوم لوط. وإن كان النص القرآني لا يحدّد عقوبة واضحة لهذا الأمر، فإنّ أغلب الفقهاء اتفقوا على استعمال القياس وقتل الفاعلين في تطابق تام مع رؤية بقية الديانات السماوية. إلا أنّ بعض المذاهب الصوفية أجازت المثلية بل اعتبرتها نوعًا من العبادة، وهذا ما دفع طائفة المثليين في تونس إلى استخدام اسم شمس الدين التبريزي عنوانًا لجمعيتهم المستحدثة، والتي مثلت أول ظهور إعلامي لهم.
بعض المذاهب الصوفية أجازت المثلية بل اعتبرتها نوعًا من العبادة
حقوق وأساطير
لا تختلف تونس عن غيرها من بقاع العالم في وجود ظاهرة المثلية الجنسية، حيث تكنى بـ"مرض الأغنياء"، وتعود هذه التسمية إلى انتشار المثلية الجنسية في تونس في قصور البايات وحاشياتهم وأثرياء تلك الحقبة، ووصل الأمر إلى استحداث "ماخور للواط" في العاصمة تونس، وذلك قبل الحماية الفرنسية سنة 1881، وكان يحمل اسم مديره الأول علي واكي. كما انتشرت المثلية الجنسية في تونس داخل بعض الحرف اليدوية، لا سيما لدى النساجين، في مناطق العاصمة والساحل ووسط البلاد، حيث يعمد المؤجّر إلى مراودة الطفل الأجير الذي جلب من فئة فقيرة لتعلم الحرفة، تمهيدًا لاغتصابه. تتناقل الروايات الشعبية، التي تلامس الأسطورة، في إحدى قرى الساحل، أنّ الحرفي الصغير يقوم بدقّ مسمار في خشبة على كلّ شخص قام بنكاحه، على أن يقوم عند بلوغه بنكاح ذكور على عدد المسامير الموجودة في الخشبة، ليعلن توبته بعدها عن ممارسة اللواط.
لكن الأساطير شيء والواقع شيء. إذ يعرف المثليون في تونس بالعيش داخل مجتمعات مغلقة. يرتادون مقاهيَ وحمّامات خاصة بهم مثل "نجمة الشمال" و"بابا كلوب" و"حمّام الشفاء". ويتخذ بعض هؤلاء من مثليتهم مهنة، بسبب إغلاق سوق العمل في وجوههم، حيث يمكن أن تجدهم على رصيف شارع إحدى أكبر شوارع العاصمة، شارع محمد الخامس، وهو طريق أحد أوكار الدعارة المثلية للسيّاح. كما تنشط هذه التجارة مع السيّاح الأوروبيين في مناطق الساحل والحمّامات. ويعرف المجتمع التونسي بتساهله نوعًا ما مع ظاهرة المثلية الجنسية بشرط أن تبقى أمرًا شخصيًا مكتومًا غير معلن.
في تونس تنشط الدعارة المثلية مع السيّاح في مناطق الساحل والحمّامات
المثلية في تونس تهمة سياسية!
حاول السياسيون تشويه بعضهم البعض باستخدام ورقة المثلية الجنسية، إذ عمد نظام بورقيبة، ومن بعده بن علي، إلى تأجير بعض الصحفيين للكتابة واتهام خصومهم السياسيين بالمثلية، ذلك لأن المجتمع يرفضها، رغم أنها خيار جنسيّ وليست تهمة. ولم تشذ الطبقة السياسية بعد 14 كانون الثاني/ يناير عن هذه الممارسات، ولكن بصورة معكوسة هذه المرة حيث روّجت المعارضة اليسارية والليبرالية فيديو مفبرك لعلي العريض، أمين عام حركة النهضة ووزير الداخلية آنذاك، يظهر فيه يمارس الجنس مع أحد زملائه في الزنزانة. ذلك رغم أنها يسارية وليبرالية والمفترض أن تكون أكثر تقبلًا للمثلية.
لكنّ الوضع اختلف بعد الانتخابات الأخيرة، حيث مثّل الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة الرهاب من المثلية الجنسية، الذي يوافق 17 آيار/مايو، أكبر تجمع سياسي مساند للمثليين في تونس، إذ حضره وزراء مثل السيّد ياسين إبراهيم، وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي عن حزب آفاق، والنواب بشرى بلحاج حميدة عن نداء تونس، وعلي بنور عن حزب آفاق تونس، الذي أمضى عضويته لجمعية "شمس"، كما حضر هذا الاحتفال بعض الكتاب المعروفين والمحسوبين على التيار الليبرالي. وسبقت تصريحات راشد الغنوشي، زعيم "حركة النهضة"، إلى إحدى الصحف الفرنسية حول المثلية الجنسية والإجهاض، إذ قال إن الإسلام يحترم خصوصيات الأشخاص ولا يتجسس عليهم، معتبرًا أنّ كل شخص حرُ في ميوله الجنسية، ومسؤول أمام الله كما لم يخف مقابل ذلك رفضه لهذه الميول، لكنه رفض، في الحوار نفسه، تجريم المثلية الجنسية لأنّ القانون لا يقوم بتتبع الحياة الشخصية للأفراد داخل منازلهم، وهو ما أثار حفيظة التيار اليميني داخل الحركة.
وفي سياق متصل، لم يكن سقف نشطاء "جمعية شمس" أعلى من تصريحات الغنوشي، حيث أعلنوا أنهم لم يطالبوا بحق الزواج بين المثليين، وأنّ مطالبهم تنحصر في إلغاء القانون المجرّم لمثل هذه الممارسة، والذي يقضي بعقوبة قد تصل إلى ثلاث سنوات من السجن.
سنة 2015 سنة المثليين؟
حاولت قنوات ليبرالية عديدة التسويق لأطروحات "جمعية شمس"، على اعتبار أنّ المثلية الجنسية هي خيار وليست مرضًا، فيما اعتبرت أوساط إعلامية وسياسية أخرى أنّ هذه الحملة تهدف إلى إلهاء الناس وتوجيه بوصلتهم نحو مواضيع جدلية فارغة، من أجل التغطية على فشل الحكومة الحالية، وملفات الفساد التي باتت تطرح داخل الأوساط الشعبية كملف البترول والثروات المنهوبة. خاصة أنّ مروجي "جمعية شمس" إعلاميًا، ينتمون إلى مدرسة النظام السابق، من دون أن يلغي ذلك أن للمثليين حقوقا، كان من كان الذي روّجها. كما أثارت مقابلة يمينة ثابت وبوحديد بالهادي الذي اعتبر فيه أن 40% من الشعب التونسي مثليون، سخطًا كبيرًا في الشارع التونسي، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، ما دفع الحكومة إلى التراجع عن الترخيص للجمعية خاصة بعد موقف المفتي المحرم لها. ورغم الضربة الأخيرة، تعتبر سنة 2015 سنة المثليين، حيث استطاعوا تدويل قضيتهم والتمتع بدعم سياسي وإعلامي من بعض الأطراف الحاكمة في تونس. أما عن حقوقهم وآلية الحصول عليها، فتلك أسئلة بجيب عليها المستقبل.
اقرأ/ي أيضًا:
في إيرلندا.. رجلان يتزوجان من أجل تجنب الضرائب!
أكثر من مجرد جنس.. كيف تعبّر السينما عن مشاكل المثليين غير البيض؟