لم تتوقف آلة القتل الإسرائيلية عن ارتكاب المجازر المروّعة في قطاع غزة على امتداد 26 يومًا، من خلال استهداف المباني والأبراج السكنية المأهولة، وتجمعات النازحين، وأفران الخبز ومحيطات المشافي.
ولم تسلم منها قوافل النازحين الذين فرّوا من شمال غزة، إذ تعرضوا للقصف والمجازر أثناء نزوحهم، وحتى بعد وصولهم إلى جنوب وادي غزة، المنطقة التي ادّعى الاحتلال أنها ستكون آمنة، ومع ذلك فقد نُفذت فيها عشرات المجازر، من بينها تلك التي أدت إلى استشهاد أفراد من عائلة مراسل قناة الجزيرة وائل الدحدوح، فيما كانت أكبر المجازر حتى الآن، تلك التي استهدفت مستشفى المعمداني وسط القطاع، وأدت إلى استشهاد أكثر من 500 شخص، من نزلاء المستشفى ومواطنين تجمعوا في باحته بأعداد كبيرة باعتبار أنه مكان آمن أكثر من غيره.
وقد ارتفعت وتيرة المجازر بشكل واضح في الأيام الأخيرة، بعد إعلان الاحتلال الدخول في المرحلة الثانية من المعركة، وبدء المناورات البرية، وخاصة مع تكثيف الغارات من البر والبحر والجو، وفي ظل قطع الاتصالات والإنترنت لساعات طويلة، مع استمرار انقطاع الكهرباء، ما أعاق عمل رجال الإسعاف الذين يعانون أصلًا النقص في الوقود والمستلزمات الطبية، ليرتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 8000 شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، فيما تشير المصادر الصحية إلى وجود أكثر من ألفي شخص تحت الأنقاض بحسب التقديرات، لا قدرة لرجال الإسعاف بالوصول إليهم.
تنضم مئات الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي اليوم في غزة، إلى لائحة طويلة من المجازر التي تعرض لها القطاع منذ النكبة وحتى اليوم. وهنا استعادة لبعض منها من أجل التأكيد على أن سياسة الإبادة الإسرائيلية لم تتوقف في يوم من الأيام.
1- مذبحة خانيونس 1956
في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1956، وعلى خلفية إعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس وما تبعه من هجوم ثلاثي على مصر شنته كلّ من فرنسا وبريطانيا إلى جانب الاحتلال الاسرائيلي، وبعد أيام من إعلان الأمم المتحدة وقف إطلاق النار، قرر جيش الاحتلال معاقبة سكان قطاع غزة بسبب دعمهم للمقاومة المصرية خلال العدوان، فتوغّل برًا في غزة، وأمر بجمع الشباب بين سن 16 و50 في ساحة خانيونس، وأطلق النار مباشرة عليهم ما أدى إلى استشهاد أكثر من 250 منهم، وقد استمرت المذبحة لمدة 12 يومًا، وتمّ توثيق أسماء أكثر من 500 شهيد قضوا بإعدامات ميدانية أو بسبب القصف على المخيم.
وبالرغم من فداحة هذه المذبحة، فإن المجتمع الدولي لم يحرّك ساكنًا يومها، وسمح للاحتلال بالتمادي في عدوانه.
2- مذابح عملية "الرصاص المصبوب" 2008
في 2008، خرق الاحتلال هدنة دامت لمدة أشهر مع حماس، وقام بشكل مفاجئ بإمطار قطاع غزة بالقنابل عبر أكثر من 80 طائرة، صبيحة الـ27 من كانون الأول/ديسمبر، في عملية أطلقت عليها تسمية "الرصاص المصبوب"، وهدف منها الاحتلال بشكل رئيسي إلى القضاء على تواجد حركة حماس في القطاع. وقد استمرت هذه الحرب لمدة 23 يومًا، واستشهد خلالها أكثر من 1500 فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء، كما أدّت إلى تدمير حوالي خمسين ألف وحدة سكنية، ومع ذلك فشل الاحتلال في تحقيق أي إنجاز حقيقي من هذه العلمية.
أثناء عملية "الرصاص المصبوب" ارتكب الاحتلال عدًدا من المجازر البشعة والمروّعة، أبرزها كان مجزرة آل السموني، التي حصلت شرقي غزة، وذهب ضحيتها 29 فردًا من عائلة واحدة، بالإضافة إلى مجازر أخرى استهدفت منازل مأهولة، ومسجدًا في جباليا كان يئمه عدد كبير من المصلين، ما أدى إلى استشهاد 11 منهم وجرح العشرات، دون أن تنجح العملية في تحقيق أي تقدم، فيما واصلت المقاومة دكّ المستوطنات بمئات الصواريخ، ليعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت وقف إطلاق النار وانسحاب قواته التي توغّلت إلى غزة، ما عدّ يومها إخفاقًا عسكريًا كبيراً لجيش الاحتلال.
3- مجزرة حي الشجاعية 2014
حاول الاحتلال الإسرائيلي مرّة أخرى تدمير قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة صيف العام 2014، من خلال حملة عسكرية واسعة حملت اسم "الجرف الصامد" استمرت لشهر ونصف تقريبًا، استخدم فيها الاحتلال أسلحة محرّمة دوليًا وارتكب عشرات المجازر منذ اليوم الأول للحملة، حيث استشهد 11 مواطنًا بعد غارة على خانيونس، بينما كانت أقسى المجازر تلك التي حصلت في حي الشجاعية، بتاريخ 20 تموز/يوليو 2014، ذهب ضحيتها 75 شهيدًا وعشرات الجرحى، وقد أدانت منظمات دولية هذه المجزرة ودعت إلى وقف إطلاق النار، لكن الاحتلال لم يتجاوب كما هي العادة، واستمر في الحرب حتى أواخر شهر آب/أغسطس من العام نفسه، عندما اضطر لوقف إطلاق النار بعد فشله في تحقيق أي تقدم عسكري.
4- مجازر عملية "السيوف الحديدية" المستمرة 2023
أعلنت وزارة الصحة في غزة، يوم الإثنين الفائت، أن قوات الاحتلال ارتكبت 908 مجزرة في القطاع منذ الإعلان عملية طوفان الأقصى، في ظل استهداف الأبنية والأبراج السكنية ومخيمات النزوح، ما أدى إلى استشهاد عائلات بأكملها وشطبها من السجل المدني، وأقسى هذه المجازر تمثّلت باستهداف المشفى المعمداني في غزة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 مواطن بطريقة مريعة، وقد أضاف الاحتلال إليها جريمة إضافية حين زعم أن صواريخ المقاومة هي التي استهدفت المشفى، مستخدمًا مقاطع فيديو مفبركة للتسويق لروايته، رواية تبنتها حكومات ووسائل غربية، لتساعدهم في تخفيف الضغط المفروض عليهم من شعوبهم والرأي العام العالمي، بسبب هول وفداحة الصور التي ظهرت من محيط المشفى بعد القصف.
ولم تطوَ صفحة تشرين الأول/شهر أكتوبر قبل ارتكاب مجزرة جديدة في مخيم جباليا، حيث ألقى الاحتلال أطنانًا من المتفجرات ذهب ضحيتها 400 بين شهيد وجريح، وقد رفع القصف الجوي والبري في اليوم الخامس والعشرين من الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني المحاصر عدد الشهداء إلى أكثر من 8525 شهداء، بينهم 3542 طفلًا، وفقًا لآخر إحصائية لوزارة الصحة في غزة.