استضافت إيطاليا النسخة الثالثة من كأس أمم أوروبا "يورو 1968"، في بطولة استثنائيّة شهدت مشاركة 31 منتخبًا في الأدوار التمهيدية، وتوّج بها أصحاب الأرض أخيرًا، فبعد أن رفعوا كأس العالم لمرّتين في عامي 1934 و1938، بات في رصيد الطليان بطولة أوروبيّة، لقد زادوا بعد ذلك بطولاتهم الموندياليّة إلى أربع، لكنّ اللقب الأوروبي الوحيد بقي يتيمًا حتّى الآن.
ساهمت الأقدار بشكل كبير في منح إيطاليا بطولة يورو 1968، فبلغ أصحاب الضيافة النهائي معتمدين على القرعة، قبل أن يظفروا باللقب في نهائيّ آخر مُعاد.
تغيّر نظام التصفيات في هذه الدورة عن النسخ السابقة، حيث تمّ توزيع الفرق المشاركة على ثمان مجموعات، تلعب فيها الفرق فيما بينها مباريات ذهاب وإياب، ويتأهّل المتصدّر إلى دور الثمانية، وهناك تقام قرعة ربع النهائي، فتُلعب مباراتي ذهاب وإياب، الفائز يحجز مكانه في مربّع الكبار، حيث سيقام التجمّع النهائي في إيطاليا.
اقرأ/ي أيضًا: قصة كأس العالم 1938.. النجاة من مقصلة موسوليني
تمّ اعتبار بطولة الجزر البريطانيّة بمثابة مجموعة مؤهّلة لليورو، فتصدّرت إنجلترا المجموعة البريطانيّة متفوّقة على أسكوتلندا وإيرلندا الشمالية إضافة إلى ويلز، وشهدت مواجهة أسكتلندا مع إنجلترا في غلاسكو رقمًا قياسيًا تمثّل بحضور أكثر من 130 ألف متفرّج، وهو رقم أوروبي قياسي لم يُكسر إلى الآن، ومع ذلك اقتنص أبطال العالم 1966 صدارتهم للمجموعة البريطانيّة وحجزوا مكانهم في ربع النهائي.
وفي بقيّة مجموعات الأدوار التمهيدية، تصدّرت إسبانيا مجموعتها التي حوت تركيا وجمهورية إيرلندا وتشكوسلوفاكيا، وفجّرت بلغاريا مفاجأة كبرى حينما تفوّقت على البرتغال، في مجموعة ضمّت أيضًا السويد والنرويج، بينما تجاوز الاتحاد السوفييتي بسهولة اليونان والنمسا وفنلندا، كذلك فعلت المجر أمام هولندا وألمانيا الشرقيّة والدانمارك، في حين أطاحت يوغوسلافيا بطموحات وصيف المونديال السابق "1966" منتخب ألمانيا الغربيّة، حينما تفوقت عليه بمشاركته الأوروبية الأولى، وأبعدته وألبانيا عن المنافسة، وتجنّبت إيطاليا وفرنسا مصيرًا مماثلًا للألمان، الأولى تصدّرت المجموعة التي ضمّت رومانيا وسويسرا وقبرص، والثانية تجاوزت بلجيكا وبولندا ولوكسمبورغ.
حضر مواجهة غلاسكو بين أسكتلندا وإنجلترا أكثر من 130 ألف متفرّج، وهو رقم قياسي أوروبي لم يتحطّم بعد
اصطدم الكبار في ربع النهائي ببعضهم البعض، على من تبقّى الفوز على خصمه بحصيلة مواجهتي ذهاب وإياب، كي يضمن تواجده في إيطاليا بالنهائيات التي ستضم أربعة فرق فقط، فعلت إنجلترا بطلة العالم ذلك بسهولة، فانتصرت على إسبانيا حاملة اللقب ذهابًا وإيابًا، فيما تعادلت فرنسا مع يوغوسلافيا ذهابًا، وهُزمت بخماسيّة في الإياب، كذلك تعرّضت إيطاليا للهزيمة أمام بلغاريا 3-2 ذهابًا، لكنّها ردّت إيابًا بثنائيّة نظيفة، ذروة الإثارة كانت بمواجهة الاتحاد السوفييتي والمجر، انتصرت المجر ذهابًا بهدفين دون رد، السوفييت ردّوا إيابًا بثلاثيّة وضعتهم في النهائيّات.
أطاح منتخب يوغوسلافيا في الأدوار السابقة بألمانيا الغربية وصيفة كأس العالم، وبمنتخب فرنسا، عليه الآن أن يواجه إنجلترا في النهائيات، المهمّة صعبة للغاية، أمامه أبطال العالم المتعطّشين لنيل لقبهم الأوروبي الأوّل، لكنّ أحلام اليوغوسلافيين لا تقلّ أتّساعًا، هم نالوا المركز الثاني في النسخة الأولى، وبإمكانهم تحقيق الأحلام، لم يتبقَّ أمامهم سوى خطوتين من أجل نيل اللقب، الخطوة الأولى تتمثّل ببلوغ النهائي.
فعلها منتخب يوغوسلافيا وقلب الطاولة على أبطال العالم، حيث سجّل دراجان دزاييتش هدف الانتصار قبل نهاية المباراة بخمس دقائق، مستفيدًا من تفوّق منتخب بلاده العددي بعد طرد المدافع آلان مولري، هذا اللاعب دخل التاريخ كأوّل من يُطرد في تاريخ البطولة، ليضرب المنتخب اليوغوسلافي موعدًا تاريخيًا مع أصحاب الأرض في النهائي الأوروبي.
اقرأ/ي أيضًا: النسخة الأولى من كأس أمم أوروبا.. العنكبوت السوفييتي ياشين يمنح بلاده الكأس
أصحاب الأرض ضمنوا تأهّلهم بطريقة لم تحدث من قبل، ولن تحدث بعد ذلك، فبعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي من مباراة إيطاليا والاتحاد السوفييتي بالتعادل السلبي، لجأ حكم المباراة للقرعة من أجل حسم هويّة الفريق المتأهّل للنهائي، قطعة نقدية معدنيّة حدّدت مصير أحد طرفي النهائي، واختارت أصحاب الأرض ليكون صاحب هذا الشرف.
نالت إنجلترا المركز الثالث بعد فوزها على الاتحاد السوفييتي في اللقاء الترتيبي بهدفين دون رد، واتّجهت الأنظار إلى الملعب الأولمبي في روما الذي احتضن النهائي، منتخب يوغوسلافيا كان قريبًا من قهر أصحاب الأرض كما فعل بأبطال العالم، فتقدّم دراجان دزاييتش أوّلًا قبل نهاية الشوط الأوّل بدقائق، المهاجم اليوغوسلافي توّج لاحقًا هدّافًا للبطولة برصيد هدفين فقط..
كافحت إيطاليا من أجل تسجيل التعادل، وفعلت ذلك في الدقيقة الـ80 عبر أنجيلو دومينغيني، ولم يمنح الشوطان الإضافيان المتابعين أي جديد، فانتهى النهائي بالتعادل 1-1، وتمّ إعادة اللقاء بعد يومين فقط، حيث حضره قرابة 55 ألف متفرّج فقط، بعدد يقلّ عن النهائي الأوّل الذي حضره 85 ألف متفرّج.
لم تشأ إيطاليا أن تضع نفسها في موقف مشابه للنهائي الذي تمّ إعادته، بادرت بتسجيل الأهداف في وقت مبكّر، مضت نصف ساعة على بداية المباراة فقط، ومع ذلك نجحت إيطاليا في تسجيل هدفين عن طريق لويجي ريفا وأنستازي، الحارس الإيطالي العملاق دينو زوف لم يُتح لخصومه فرصة استدراك الموقف، ليعلن الحكم الإسباني أورتيز صافرة ختام النهائي المعاد، بتتويج إيطالي غير مسبوق أوروبيًا، إيطاليا أصبحت بطلة يورو 1968، لتضيف ذلك إلى لقبين عالميّين نالتهما في مونديالي 1934-1938.
اقرأ/ي أيضًا:
النسخة الثانية من اليورو.. إسبانيا تظفر باللقب تحت أنظار فرانكو