الزمان: شباط/فبراير 2016، المكان: مستشفى المطرية في أحد الأحياء الشعبية شرق القاهرة، والحكاية أنّ أحدهم حضر إلى المستشفى بجرح في وجهه، وطلب من أحد الأطباء بقسم الجراحة إثبات إصابات اُخرى غير موجودة في جسده، وعندما رفض الطبيب ما اعتبره تزويرًا، قام المصاب بتعريف نفسه بأنه "أمين شرطة" في تهديد للطبيب لإجباره على إثبات الإصابات الوهمية في تقرير طبي. وقد هدده بالفعل أنه في حال لم ينفذ ما يطلبه فسيلفق له قضية.
على مدار السنوات الماضية، عرف الأطباء في مصر، تكرارًا لحوادث الاعتداء عليهم أثناء أداء عملهم
مع إصرار الطبيب على الرفض، اعتدى أمين الشرطة عليه بمعاونة أحد زملائه، كما اعتدى على الأطباء الآخرين، في مشهد سينمائي يُذكرنا بفيلم "هي فوضى" ليوسف شاهين، والذي يحكي فيه قصة سطوة أمناء الشرطة في مصر.
اقرأ/ي أيضًا: مصر.. هل يرفع الأطباء "الكرت الأحمر" بوجه النظام؟
وبعد الواقعة، نشرت صحيفة الأهرام المصرية تقريرًا عن عددٍ من الاعتداءات ضد الأطباء، أثناء تأديتهم عملهم في المستشفيات العامة، مثل اقتحام مجموعات من البلطجية والمسجلين خطر مستشفى بلبيس العام، وهم يرددون "من النهاردة مفيش حكومة.. إحنا الحكومة"، وتجولوا بكامل حريتهم لسرقة جثة مسجل خطر صديقٍ لهم. وغيرها من الحوادث التي كان أبطالها أفراد خارجين عن القانون يحتمون بالقوة والبطش، من أجل تحقيق ما يريدون، أو أمناء شرطة!
مواجهات متجددة بين الدولة ونقابة الأطباء
حافظت نقابة الأطباء على الطابع المشاغب، فقبل عام واحد من حادثة الاعتداء على مستشفى المطرية العام، حدد مجموعة من الأطباء يوم 15 أيلول/سبتمبر 2015، يومًا لثورة المهن الطبية، طالبوا فيها بإدخال عدة تعديلات على الجهاز الطبي وديناميكيات التوظيف وامتحانات القبول وطريقة اختيار وزير الصحة نفسه، حيث طالبوا بإقالته وتعيين وزير من وزارة الصحة نفسها وليس أستاذًا جامعيًا.
كما طالبوا أن يكون راتب الطبيب حديث التخرج أربعة آلاف جنيه مصريًا، أي ما يساوي 225 دولار أمريكي، أسوة برواتب الجيش والشرطة، وإن كانت أقل في الحقيقة. كما طالبوا ببدل عدوى للأطباء لا يقل عن ثلاثة آلاف جنيه. لكن لعل أكثر ما أثار حفيظة الدولة، مطالبتهم بأن يكون انضمام الأطباء لتأدية الخدمة العسكرية اختياريًا وليس إجباريًا.
حافظت نقابة الأطباء على الطابع المشاغب لها في مواجهة النظام، تحقيقًا لمطالبها النقابية وعلى رأسها الاستقلال عن سطوة النظام
بعدها بحوالي ستة أشهر استطاع القطاع الطبي انتزاع حكم من محكمة القضاء الإداري بوقف تنفيذ القرار السلبي بـ"الامتناع عن زيادة بدل العدوى الذي يحصل عليه الأطباء على مستوى الجمهورية، ليصبح ألف جنيه بدلًا من 19 جنيهًا، اعتبارًا من تاريخ إقامة الدعوى مع ما يترتب على ذلك من أثار وفروق مالية"، أي الإقرار ببدل العدوى للأطباء، والذي لم يتم تنفيذه حتى الآن، بسبب سلسة من الطعون و التأجيلات، وتعنت من الدولة.
اقرأ/ي أيضًا: أطباء مصر في مواجهة أمناء شرطتها
ثورة الأطباء
بعد حادثة المطرية ثارت ثائرة الأطباء المصريين، وطالبت نقابتهم باجتماع غير عادي للجميعة العمومية يوم 20 شباط/فبارير من العام 2016، بعد الاعتداء على المستشفى. ويبدو أن التجمع الضخم الذي جعل الأطباء يتجمهرون بأعداد ضخمة أمام النقابة وفوق سطح مبنى النقابة قد أثار حفيظة الجهات الأمنية التي حاولت تضييق الخناق على النقابة بقطع الكهرباء على المجتمعين.
كان ذلك الاجتماع من المشاهد التي لا تفضلها كثيرًا السلطات المصرية. وفي هذا الاجتماع اتخذت الجمعية العمومية للأطباء، عددًا من القرارات الهامة، أوّلها وأكثرها أهمية محاسبة الأمناء التسعة المتورطين في الاعتداء على الأطباء. ولاحقًا في 2017، وتحديدًا شهر أذار/مارس كان قد صدر بحق اثنين منهم تأييد لحكم الحبس ثلاث سنوات، بعد استئنافهم للحكم.
مع ذلك لا يمكن القول إن معارضة الأطباء واحتجاجهم الجريء في ظل قانون الطوارئ والقبضة الأمنية العنيفة؛ قد مرت بسلام. على الأقل في الإعلام الذي دشن حملة لتشويه صورة الأطباء ونقابتهم، ورميها باتهامات جزافية، بالطبع تصدرتها كالعادة تهمة "الميول الإخوانية".
ثم جاءت انتخابات التجديد النصفي للنقابة في تشرين الأول/أكتوبر 2017، وحصد تيار الاستقلال غالبية الأصوات، وهو تيار يعتبر معارضًا للنظام. لكن الانتخابات لم تشمل أسماءً أزعجت النظام، وأبرزهم الناشطة النقابية المعارضة منى مينا، التي كانت وكيل النقابة، والأمين العام لمجلس النقابة إيهاب طاهر، فضلًا عن النقيب حسين خيري.
في 2016، شهدت نقابة الأطباء بالقاهرة اجتماعًا غير عادي، مثل مشهدًا من مشاهد الاحتجاج بالأعداد الضخمة للأطباء الذين شاركوا فيه
ومنذ 2013، بالأحرى من 2012 حيث ما عرف بثورة الأطباء في تشرين الأول/أكتوبر 2012، وتخوض النقابة معركتها لتحسين أوضاع الأطباء المزرية، قبل أن تتطور المعركة لأخرى خاصة بالاستقلال بعد الثالث من تموز/يوليو 2013.
اقرأ/ي أيضًا: