في الوقت الذي انتقل فيه "صبي الساعة" الأمريكي من أصل سوداني، أحمد محمد، وأسرته للعيش في دولة قطر، تاركين الولايات المتحدة الأمريكية "أرض الفرص" خلفهم؛ حصل المواطن السوداني، علي يوسف كروم وأسرته، على تأشيرة التنوع لعام 2015. قال كروم لموظفي السفارة الأمريكية بالخرطوم: "لا أستطيع أن أصف مدى فرحتي بحصولنا على التأشيرة أخيرًا، هذه فرصة جيدة للبنات للحصول على تعليم جيد".
مع فتح باب التقديم في برنامج قرعة تأشيرات التنوع "اللوتري" لعام 2017 اجتاحت حمى التقديم آلاف السودانيين
ومنذ أن أعلن عن بدء فتح باب التقديم في برنامج قرعة تأشيرات التنوع "اللوتري" لعام 2017 في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، اجتاحت حمى التقديم آلاف السودانيين، خاصةً الشباب، وانتشرت عشرات الإعلانات بأنحاء مختلفة في العاصمة الخرطوم، معلنة أنه "يوجد لديها تقديم اللوتري الأمريكي".
وبات أمرًا اعتياديًا هذه الأيام إذا رغبت في الحصول على صورة فوتوغرافية صغيرة، بحجم جواز السفر، أن يسألك موظف الاستديو، إن كنت ترغب في أخذ صورة خاصة "بحجم ومقاس صورة اللوتري؟". ولا تكاد العين تخطئ مئات اللافتات المروجة للتقديم "بشكل مضمون واحترافي بما يضمن أن كافة معلوماتك سوف تصل إلى وزارة الخارجية الأمريكية"، وبعض المحال تعرض خبراتها التي تصل إلى "خمس عشرة سنة".
في ظهيرة قاسية والشمس تلفح الوجوه، التقيت في وسط الخرطوم، بأحد الصحفيين. وأثناء تبادلنا أطراف الحديث، قال لي إنه قادم لتوه من أحد المحال حيث ذهب "ليجرب حظه في الوصول إلى أمريكا"، وأضاف، بعد أن طلب مني ألا أذكر اسمه: "المستقبل هنا ينحدر إلى ظلام حالك، الحياة معقدة أكثر مما يجب"، وأن "اللوتري" محاولة لزيادة فرص المستقبل له ولأسرته الصغيرة، في بلد مستوى الدخل فيه منخفض جدًا، وتعاني عملته "الجنيه السوداني" من هبوط مريع مقابل العملات الأجنبية. لكن، حافظ المهدي، الموظف البالغ من العمر واحد وثلاثين سنة، لم تدفعه أسباب اقتصادية فقط للتقديم إلى الهجرة، فهو يقول إن سبب تقديمه طلبًا للحصول على تأشيرة التنوع، أتى لأسباب "ثقافية ومجتمعية"، إذ يرى أن بلدًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بوسع المرء فيه، أن يحقق شيئًا ما لذاته، وبوسعه أن يعيش ويجرب الفرص، وحياة الفرد. ولا يفكر حافظ في أن يعود إلى السودان يومًا ما، إلا كزائر عابر، هذا بالطبع إذا ابتسم له الحظ. وأكد لي أنه متفائل جدًا، بأن يحظى بفرصة الانتقال للعيش بالولايات المتحدة الأمريكية.
أحد المتقدمين للوتري يقول إن سبب تقديمه طلبًا للحصول على تأشيرة التنوع أتى لأسباب ثقافية ومجتمعية
على الواجهة الرئيسية لحديقة الموردة، بأم درمان، غربي العاصمة الخرطوم، حيث المدخل إلى قلب العاصمة الوطنية للسودان كما تُسمى، وضعت لافتة قماشية كبيرة، وهي كغيرها تعلن عن "التقديم للوتري الأمريكي". ولكن اللافت في الأمر، غير موقعها المهم ليراها الأشخاص العابرون بشارعي "الطابية" و"الموردة" على السواء؛ هو استخدام عبارات تنبئ بعلاقة "زبائنية جيدة"، حيث كتب على اللافتة: "كما عودناكم كل مرة".
ويقول مهند محمود، ذو الاثنين وثلاثين عامًا، وهو يدير مقهى إنترنت في أم درمان، إن الإقبال متزايد وهناك أعداد كبيرة من طالبي الهجرة يقصدونه منذ إعلان بدء التقديم للحصول على تأشيرة التنوع. ولم يفصح مهند عن الأرقام بالتحديد، لكنه عاد وأكد أن الإقبال "كبير جدًا". عندما تحدثت إلى مهند طالبًا بعض المعلومات، كان بعض طالبي التقديم للوتري يفدون إلى المحل، حيث يعمل مع مهند فريق مكون من أربعة أشخاص، والخطوة الأولى لبداية إجراءات التقديم، ملء "فورم" يحتوي على المعلومات الأساسية، وتسديد رسوم قدرها أربعين جنيها "تعادل أربعة دولارات تقريبًا"، فيما يتم التصوير "مجانًا".
على عكس مقهى آخر بالقرب من السوق الأفرنجي في الخرطوم، حيث تبلغ الرسوم ثمانين جنيهًا، أما الصور فهي منفصلة وبخمسة وعشرين جنيهًا. أما المسؤولة بالمحل، أفراح حسن، فرفضت تصويرها، وقالت إن أغلب الذين يأتون للتقديم، أو يسألون عن كيفية التقديم هم طلبة جامعيون، وإن أسرة واحدة بكاملها قدمت طلبات الهجرة بشكل جماعي، وإن شخصين قد تجاوزا الخمسين، في تقديرها، أيضًا قدما طلبين للهجرة. تعتقد أفراح، أن أسباب الاندفاع للتقديم اقتصادية.. "ألا ترى الوضع؟ الظروف قاسية جدًا". وأضافت بأن فئات أخرى كالأطباء والمهندسين، أيضًا ينشطون في التقديم، "لأسباب تتعلق بالطموح". أثناء حديثي إليها، جاء رجل في منتصف الأربعينيات، بدا قلقًا جدًا، وهو يسأل عن ملاءمة صور يبدو أنها لأطفاله، كان من الواضح من طريقة حديثه إلى الموظفة، أنهم غير مقيمين في الخرطوم، إلا أنها طمأنته بإمكانية معالجة الصور التي كانت مرسلة إليه عبر تطبيق "واتساب"، لتصبح على مقاس اللوتري "600×600" بحسبها.
يقول مهند محمود 32 سنة وهو يدير مقهى إنترنت في أم درمان إن الإقبال متزايد وهناك أعداد كبيرة من طالبي الهجرة يقصدونه
وبالعودة إلى صبي الساعة الأمريكي الجنسية، السوداني الأصل، أحمد محمد، لا بد من ذكر دعابة قد اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي السودانية في أعقاب تسليط الضوء عليه إعلاميًا، قبل فتح برنامج الهجرة لعام 2017. تقول الدعابة المصورة: "الواحد السنة دي يقدم للوتري ويقول ليهم نحن من بلد أحمد العمل الساعة"، وتلخص الدعابة؛ أن حلم الانتقال إلى الولايات المتحدة، حاضر في الأذهان، متى أتت الفرصة.
يقول الصحفي السوداني، محمد سعيد، إن العديد من زملائه الذين يعملون بالصحف السودانية، قدموا طلبات لنيل تأشيرة التنوع. سيدفع بطلبه أيضًا، رغم تخوفه من عبوس الحظ له.
الخرطوم، تحولت منذ فتح التقديم إلى الهجرة، إلى حلم أمريكي كبير. تملأ اللافتات الإعلانية حوائطها، ويدور الحديث، في كثير من مجالسها، "هل قدمت للوتري؟"، "سيغلق أبوابه يوم الثالث من نوفمبر"، "أسرع يا صاح وقدم"، "أنا في انتظار مايو - إعلان النتائج - لعل الحظ يبستم لي".
وتمنح حكومة الولايات المتحدة خمسين ألف تأشيرة دخول إليها سنويًا طبقًا لموقع الهجرة الأمريكي على الإنترنت. وكانت السفارة الأمريكية بالخرطوم، استقبلت في الحادي والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، عشرات السودانيين الحاصلين على تأشيرة التنوع لعام 2015، وأصدرت أكثر من مائتي تأشيرة تنوع خلال شهري أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر، وفقًا لما أعلنته السفارة على حسابها بموقع "فيسبوك".
اقرأ/ي أيضًا:
السودان.. هي هجرة أخرى
العنصرية في السودان.. قبائل بهويات تائهة