إذا كان الوشم في الماضي بالمغرب يعد شكلًا من أشكال الانتماء إلى روح القبيلة ودلالة على الهوية؛ فاليوم أصبحت له رموز أخرى، صار خاصة رمزًا للتحرر والانفراد والاختلاف عن الآخر وأحيانًا حتى الإعلان عن العصيان المجتمعي والتحرر من القيود التي قد يفرضها الدين والمجتمع.
كان الوشم في الماضي يعد شكلًا من أشكال الانتماء إلى الجماعة ودلالة على الهوية أما اليوم فهو يرمز للتحرر والاختلاف عن الآخر
تجد شبابًا من مختلف الأعمار يتحملون الألم المبرح أثناء عملية الوشم، وذلك من خلال إدخال حبر تحت الجلد باستعمال الإبر، من أجل الحصول على رموز أو رسومات ذات دلالات خاصة، ولا تزول أو تختفي مع مرور الزمن، إلا بعمليات أكثر دقة وصعوبة.
اقرأ/ي أيضًا: الوشم في ثقافة الأمازيغ.. ذاكرة الجسد
في المغرب، وحسب المتابعين ممن تحدث معهم "الترا صوت"، أكثر المهووسين بالوشم من النساء، والسبب، الذي يروج له الكثيرون، "اهتمامهم بالموضة أكثر من الذكور". إلا أن سمير ماهر، وهو مختص في الوشم في إحدى الصالونات المخصصة لذلك بالدار البيضاء، يؤكد لـ"ألترا صوت"، أن "الإقبال على عملية الوشم لا ينحصر فقط على النساء بل يشمل الرجال ومن مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية"، مستطردًا "إلا أن القاصرين في الصالون الذي أعمل به ممنوعون من الحصول على الوشم، إلا بإذن الوالدين، بعد التزام يوقعونه، مرفوق ببطاقة الهوية".
أما بخصوص الألم المرافق لعملية الوشم، يقول سمير إنه "في السابق كان على الراغب بالوشم أن يتحمل آلامًا حادة، والتي تمتد إلى ساعات، لكن الآن تطورت الأمور، إذ شاع التخدير الذي أصبح ملازمًا للعمليات الموجعة". أما الطريقة التي يتم بها إنجاز الوشم بحسب سمير، فهي تبتدئ "من رسم الهيكل، الذي يملأ باللون الأسود، ثم رسم الشكل الثاني وتعبئته باللون الثاني، وهكذا حتى يكتمل رسم الوشم".
أغلب النساء يفضلن نقش رسومات ذات ميولات رومانسية سواء على اليد أو الكتف أو في أماكن أخرى، أما الشباب فغالباً ما يختارون الصدر والكتف واليد أو الظهر. تقول ناهد، في الثلاثينات من عمرها والتي رفضت ذكر كنيتها كاملة لـ"الترا صوت"، إنها "حصلت على الوشم الأول في سن العشرين، فقد أرادته حينها بشدة، إلا أن والدتها رفضت ذلك، لهذا قررت أن تنقشه أسفل ظهرها بشكل غير واضح كثيرًا، وكلفها ذلك حينها 100 دولار".
شاب آخر، قابله "الترا صوت" رفض ذكر اسمه، شدد على أن جسده ملك له، "ولا يحق لأحد أن يفرض عليه رأيه الخاص"، كما يضيف: "لي كامل الحرية في أن أزين جسدي برسومات تعبر عني". وقد اختار رسومات غامضة وغير مفهومة على كتفه ويده، وعندما سألناه عن دلالات تلك الرسومات، اكتفى بالرد أنها "ترمز إلى حياته المعقدة ومشاكله التي لا تنتهي".
إلا أن إبراهيم الحنافي يرفض الوشم، وهو أب خمسيني له ثلاثة شباب، يبرر موقفه بالقول: "في الماضي كان الوشم مغربيًا يعبر عن أن الشخص الذي يحمله غير محترم، خرج لتوه من السجن مثلًأ، زد على ذلك أن الأمر محرم دينيًا، لهذا أرفض بشكل قاطع أن يحصل أحد أبنائي على وشم". يذكر الحنافي أيضًا أن بعض الراغبين في الوشم قد يقودهم حلمهم إلى أمراض صحية قد تكون عواقبها خطيرة، إذ يعرضون أنفسهم أحيانًا إلى التهاب وتقيّح قد يكون خطيرًا. إضافة إلى خطر تعريض الوشم لأشعة الشمس خلال الفترة الأولى التي تلي تثبيته، وضرورة الاهتمام به عبر مراهم خاصة.
اقرأ/ي أيضًا: الرحّل في المغرب.. صراع البقاء
لا يزال بعض المغاربة يربط الوشم بالجهل أو بخريجي السجون ويستنكرونه شرعيًا
الوشم في الماضي..
لقرون عديدة، كانت ثقافة الوشم بالمجتمع المغربي حاضرة بقوة، خصوصًا عند الأمازيغ. إذ كانت تعكس ثقافة انتماء للقرية أو القبيلة. ويعد الوشم ظاهرة قديمة في المجتمعات البشرية فقد عُرف منذ قديم الزمان في مصر مثلًا، إذ كان يستخدمه المصريون القدماء لاعتبارات عدة، منها درء الحسد. وكان الوشم أيضًا تعويذة ضد الأرواح الشريرة، ووقاية من السحر عند بعض الشعوب ما قبل التاريخ. كما استخدم لتحديد الانتماء القبلي، خصوصًا عند ساكنة الأمازيغ. إلا أن الوشم تقلص بعد الفتوحات الإسلامية، لكنه لم ينقطع أبدًا وتحول تدريجيًا إلى أن يحمل خلفيات ثقافية جديدة.
"في الماضي كان الوشم علامة سيميائية أمازيغية بامتياز في المغرب، إلا أنه مع الجيل المعاصر قد أصبح يرمز إلى الحرية والاستقلالية والثورة"، بهذه العبارات يشرح مصطفى فايد، باحث في علم الإجتماع ضمن حديثه لـ"ألترا صوت" عن حضور الوشم في المجتمع المغربي. ووفق مصطفى فايد، "أسباب اعتماد الوشم تتغير، فإن كانت في الماضي ترمز إلى القبيلة والهوية، فالآن ترتبط بخلفيات ثقافية أخرى".
ويتابع حديثه: "أصبح للوشم بعد تجميلي عند النساء خاصة، أو ثمة أشخاص كثر يرغبون في الوشم فقط لتقليد شخصيات أخرى مشهورة، يتخذونها بمثابة نموذج يحتذى به دون وعي غالبًا، وهو في حالات كثيرة أخرى شكل من أشكال التمرد مجتمعيًا". وهكذا يمكن القول إن الوشم انتقل من روح الجماعة التي كانت سائدة عند القبائل الأمازيغية في الماضي إلى الفردانية خلال هذا العصر، في محاولة لتحرير الجسد من كل ما هو معتقد ديني أو قبلي.
اقرأ/ي أيضًا: