08-أغسطس-2024
خالد المشري ومحمد تكالة

انقسام المجلس الأعلى للدولة في ليبيا (مواقع التواصل)

أضافت انتخابات رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا تعقيدات جديدةً على الأزمة السياسية في البلد المنقسم على نفسه سياسيًا ومؤسساتيًا وعسكريًا. ومن شأن الأزمة الجديدة، إذا تفاقمت، أن تؤدي إلى انهيار المجلس الذي يعدّ غرفة "موازية" لمجلس النواب، فضلًا عن كونه طرفًا محوريًا في العملية السياسية التي أفضت حتى الآن إلى اتفاق الصخيرات، وتواجه عثرات أمام التوصل إلى دستور جديد وإجراء الانتخابات التي يراهن عليها الليبيون لإنهاء أزمتهم السياسية.

وكان الثلاثاء الماضي قد شهد تصويتًا على اختيار رئيس مجلس الدولة الليبي، بمشاركة 139 عضوًا، وبعد جولتين حقق الرئيس السابق للمجلس خالد المشري 69 صوتًا، مقابل 68 صوتًا حصل عليها الرئيس الحالي محمد تكالة، مع امتناع عضوٍ عن التصويت وإلغاء ورقة تصويت عضو آخر بسبب مخالفته لشروط التصويت.

وتسببت الورقة الملغاة بأزمة داخل المجلس: "ففي حين طالب أنصار تكالة باحتساب الورقة كون المصوت كتب اسم الرئيس الحالي محمد تكالة على ظهر الورقة دون أن تحمل أي رموز أخرى تشير إلى قصدٍ معين، ويصير بذلك تكالة نظير المشري في عدد الأصوات لتجري جولة تصويت ثالثة للحسم، تشدّد أنصار المشري في اعتبار أن كتابة اسم المرشح على ظهر الورقة في حد ذاته سببٌ كافٍ لإسقاطها من العد وفقًا للائحة المجلس التي تُبطل أي ورقة تحمل أي "علامة تعريف أو تمييز"، وعلى ضوء ذلك يصبح المشري متقدمًا على تكالة بصوت وتؤول إليه الرئاسة".

وأمام هذه الوضعية، قرر تكالة الذي كان يترأس الجلسة تعليقها للتشاور في جلسة مغلقة، قبل أن يستأنف الجلسة ويعلن عن إحالة أوراق التصويت إلى القضاء للبت فيها، إلّا أن منافسه خالد المشري أعلن رفض قرار تكالة، وأعلن أنه سيبدأ في ممارسة مهامه بصفته الرئيس الشرعي للمجلس.

الخلاف داخل مجلس الدولة الليبي ليس قانونيًا، بل خلاف سياسي يتجاوز تكالة والمشري، ويرتبط براهنية مصالح سياسية يمثلها الرجلان

لكن تكالة أصدر بيانًا آخر عقب ذلك أعلن فيه عن إعادة التصويت في جولة ثالثة في العشرين من شهر آب/أغسطس الجاري إذا لم يحسم القضاء القضية قبل هذا التاريخ، ليعترض المشري مرة أخرى مشيرًا إلى أن إعلان تكالة: "إعلان باطل صدر عن غير ذي صفة".

وأضاف المشري في بيان له ردًا على إعلان تكالة بأن: "النظام الداخلي للمجلس ينص على أن مدة ولاية مكتب رئاسة المجلس هي فقط سنة واحدة من تاريخ انتخاب مكتب الرئاسة، وبالتالي فقد انتهت مدة ولاية تكالة بالانتخاب وبالمدة القانونية". واعتبر أن تكالة: "ليس رئيسًا للمجلس حتى يدعو إلى عقد جلسة أو غير ذلك"، مجددًا تمسكه بنتيجة الانتخابات لصالحه، قائلً:ا "أعتبر نفسي الرئيس الشرعي لمجلس الدولة"، مضيفًا أنه سيبدأ في ممارسة مهامه بناءً على نتائج الانتخابات.

وأمام هذه الوضعية، يكون مجلس الدولة الذي يمثل جسمًا استشاريًا لمجلس النواب وفقًا لاتفاق الصخيرات 2015، قد دخل هو الآخر أزمةً سياسية من غير المعروف كيف ستكون نهايتها في ظل تمسك كل طرفٍ بموقفه.

ويشار إلى أنّ مجلس الدولة الليبي يجري انتخابًا لاختيار رئيسه سنويًا منذ تشكله عام 2015، وتولى رئاسته في البداية عبد الرحمن السويحلي، قبل أن يتقلد خالد المشري المنصب عام 2018 حتى عام 2023 تاريخ انتخاب محمد تكالة خلفًا له.

ويرى المحللون أن الخلاف الحالي سياسيٌ أكثر من كونه قانونيًا، فلدى المجلس لجنة قانونية للبت في مثل هذه الحالات، ويعد تجاوزها إلى المستوى القضائي تعميقًا للخلاف، كونه غير مختص. وفوق ذلك، يعدّ الذهاب لجولة ثالثة محاولةً لفرض الأمر الواقع في ظلّ حالة الانقسام التي يشهدها المجلس، كما أنّ أي تعادلٍ في الأصوات سيحسم الأمر لصالح تكالة، حيث ينص قانون المجلس على أنه في حالة التساوي في الأصوات تؤول الرئاسة إلى الأكبر سنًّا.

وفي هذا الصدد، يرى الناشط الليبي بلقاسم القمودي أنّ الخلاف داخل مجلس الدولة الليبي ليس قانونيًا، بل خلاف سياسي يتجاوز تكالة والمشري، ويرتبط براهنية مصالح سياسية يمثلها الرجلان.

تداعيات

أصبح تماسك مجلس الدولة مهددًا في ظل الانقسام الراهن، ومن شأن ذلك أن يؤثر في قدرته على الاستمرار في العملية السياسية. وفي هذا الصدد، يحذر محللون من أنّ ذلك سيترك فراغًا: "يمكن أن يتحرك فيه مجلس النواب بحريةٍ ويصدر القرارات العابثة بالعملية السياسية منفردًا دون وجود من يردعه"، على حد تعبير المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير.

يشار إلى وجود خلافات حادة بين الجسمين التشريعيين في ليبيا (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة)، ولا سبيل إلى إنهاء تلك الخلافات، حسب المتابعين للشأن الليبي، إلا بتوحيد السلطة التشريعية عبر انتخابات وطنية تتطلب هي الأخرى توافقًا سياسيًا يطوي صحفة الأزمة من أصلها.