في إطار ما يتعرّض له منتقدو "إسرائيل" في الدول الغربية من مضايقات ومحاولات لإسكات أصواتهم عبر طرق مختلفة، أهمها اتهامهم بـ"معاداة السامية"؛ أعلنت "مؤسسة هاينريش بل" الألمانية انسحابها من منح "جائزة حنة أرندت للفكر السياسي"، للكاتبة والصحفية الأمريكية – الروسية ماشا جيسن بسبب موقفها من الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة.
وأفادت وسائل إعلام ألمانية بأن انسحاب "هاينريش بل" تم بالاتفاق مع مجلس شيوخ مدينة بريمن الألمانية الذي قام بدوره بإلغاء حفل منح الجائزة الذي كان من المقرر إقامته اليوم الجمعة. بينما ذكرت صحف ألمانية بأن جيسن ستُمنح الجائزة ولكن في مكان آخر، ودون مشاركة "هاينريش بل" ومجلس الشيوخ، غدًا السبت.
ينتقد مقال جيسن موقف وسياسات ألمانيا تجاه "إسرائيل" ودعمها غير المشروط لحربها على قطاع غزة
ويعود سبب انسحاب المؤسسة الألمانية، وإلغاء حفل منح الجائزة، إلى المقال الذي نشرته ماشا جيسن بمجلة "نيويوركر" الأمريكية يوم التاسع من كانون الأول/ديسمبر الجاري بعنوان "في ظل الهولوكوست"، قدّمت فيه نقدًا لاذعًا لموقف ألمانيا وسياساتها تجاه "إسرائيل"، بما في ذلك اتهام مجلس النواب الألماني (البوندستاغ) "حركة مقاطعة إسرائيل" بمعاداة السامية.
وقارنت جيسن في مقالتها ما يتعرّض له أهالي قطاع غزة بما تعرّض له اليهود في أوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الثانية، وقالت إن القطاع تحوّل خلال السنوات الـ17 الماضية إلى "غيتو" يشبه الأحياء اليهودية في إحدى دول أوروبا الشرقية التي احتلها النازيون، مؤكدةً أن "إسرائيل" تمارس عقابًا جماعيًا بحق سكانه.
وانتقدت جيسون في حوار صحفي مع صحيفة "واشنطن بوست"، يوم أمس الخميس، اتهام منتقدي "إسرائيل"، بما في ذلك اليهود أنفسهم، بمعاداة السامية بهدف إسكات أصواتهم، واعتبرت أن ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية بحق من ينتقد "إسرائيل" لا يختلف عما يجري في ألمانيا، مشيرةً إلى قرار مجلس النواب الأمريكي المساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية.
واعتبرت الجمعية الألمانية الإسرائيلية، التي تُعد من أقدم اللوبيات الصهيونية في ألمانيا، أن منح ماشا جيسن الجائزة يتناقض مع الإجراءات التي تتخذها ألمانيا، منذ السابع من أكتوبر، لمواجهة معاداة السامية.
ويأتي انسحاب "مؤسسة هاينريش بل" من منح ماشا جيسن "جائزة حنة أرندت"، وإلغاء حفل منح الجائزة، بعد عدة أيام من سحب دار النشر الفرنسية "فايارد" كتاب "التطهير العرقي في فلسطين" للمؤرخ والأكاديمي إيلان بابيه من قائمة مبيعاتها، بعد ارتفاع نسبة مبيعات الكتاب بشكل كبير على خلفية حرب الإبادة الشاملة التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 70 يومًا.
فالكتاب يُعد من أهم المؤلفات التي تدحض السردية الصهيونية حول النكبة، وتؤرخ لجرائم العصابات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني خلال حرب 1948، التي قامت خلالها بتهجير نحو مليون فلسطيني من بيوتهم بقوة السلاح، وارتكبت العديد من المجازر بحق المدنيين، ودمّرت أكثر من 400 قرية بشكل كامل.
ومع بداية الحرب، قرّرت إدارة معرض فرانكفورت للكتاب عدم تكريم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي بجائزة ليبيراتوربريس (LiBeraturpreis) عن روايتها "تفصيل ثانوي"، بعد اتهامها بمعاداة السامية.
وكان مدير المعرض يورغن بوس قد أعلن وقوف "معرض فرانكفورت" إلى جانب "إسرائيل" بشكل كامل، حيث قال في بيان تعليقًا على ما يجري في قطاع غزة: "إننا ندين الإرهاب الهمجي الذي تمارسه حماس ضد إسرائيل بأشد العبارات الممكنة". وأضاف قائلًا: "الإرهاب ضد إسرائيل يتناقض مع كل قيم معرض فرانكفورت للكتاب".
وتشهد ألمانيا، وأوروبا عمومًا، حملة قمع عدوانية متصاعدة ضد المتضامنين مع فلسطين ومنتقدي الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة، وذلك تزامنًا مع دعمها غير المشروط لـ"إسرائيل" في حربها على القطاع.