يقال :إذا غلا عليك شيء اتركه"، حتى نصل إلى الدواء، فمهما ارتفع سعره لا أحد يستسلم لاثنين، المرض والموت. حين أعلن وزير الصحة المصريّ، أحمد عماد الدين، رفع سعر الأدوية التي يصل سعرها إلى 30 جنيهًا مصريًا بنسبة 20%، قال أيضًا: "سيلغى ترخيص أي شركة لا توفِّر هذه الأدوية". وكان الغلاء أساسًا من نصيب مستحضرات علاج القلب والضغط والسكر والكبد والحساسية والأمراض النفسية والعصبية والالتهابات والعيون ونزلات البرد والمغص والعظام.
يبلغ عدد مصانع الأدوية العاملة في مصر 154 مصنعًا، بالإضافة إلى 50 مصنعًا تحت الإنشاء، ويقارب حجم الاستثمار في القطاع 45 مليار جنيه
استسلم ذوو الدخل المحدود لقرارات وزير الصحة، لكن الأدوية الأكثر طلبًا، ولحالات حرجة، أصبحت غير موجودة "بسبب نقص الدولار". وتعاني المستشفيات الحكومية والخاصة، من شحّ في هذه الأدوية، رغم ما بها من مرضى وأصحاب أمراض مزمنة.
اقرأ/ي أيضًا: 5 دول تمنع استيراد سلع مصرية لـ"عدم صلاحيتها"
وبحسب بيانات غرفة الأدوية، يبلغ عدد مصانع الأدوية العاملة في مصر 154 مصنعًا، بالإضافة إلى 50 مصنعًا تحت الإنشاء. ويقارب حجم الاستثمار في القطاع 45 مليار جنيه، إلا أنه طبقًا لتصريحات الوزير، فإن بعض شركات الأدوية الأجنبية اضطرت للإغلاق أمام ارتفاع تكلفة الإنتاج التي لم تقابلها زيادة مماثلة في الأسعار.
في الأثناء، اتجه بعض سماسرة الدواء إلى استيراد كميات من الدواء "الناقص" بعد "تعطيش السوق" منه، حيث أن المطلوب من هذه الأدوية هو أضعاف المعروض، وهو ما أدى إلى نمو "السوق السوداء للدواء"، الذي تباع فيه أشرطة الدواء، وليس علبة كاملة، بأضعاف أسعارها.
لدى تجّار الدواء "الموازي" حجة وهي: "ثبت البنك المركزي قيمة الجنيه عند 8.78 جنيه للدولار، لكنه، فعليًا، صعد إلى مستويات تدور حول 14 جنيها للدولار في السوق السوداء". ويهرّب، يستورد في رواية أخرى، تجار الدواء أشرطة العلاج بـ"دولار السوق السوداء"، نظرًا لعدم قدرتهم على الحصول على عملات أجنبية بسعر البنك.
أما في الصيدليات، فالدواء يباع بسعره الطبيعي، لكنه غير موجود بشكل رسمي، يمكن شراؤه فقط من سماسرة السوق السوداء بأضعاف السعر. ووفقًا لصيدلي يمتلك سلسلة صيدليات محليّة، فإن سعر عبوة المحاليل الرسميّ أربعة جنيهات، لكنه أضاف: "لن تجده الآن بشكل شرعيّ، ستجده في السوق السوداء بثلاثين جنيهًا (3 دولارات)". العدوى انتقلت إلى أكثر من دواء آخر، وأبرزها عقار "اندوكسان" لعلاج الأورام، الذي ارتفع سعره من 65 إلى 450 جنيهًا.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تتخلى عن مسكنات الألم؟
كانت الحكومة المصرية قد أعلنت، منذ فترة، عن توفير 70 ألف عبوة "اندوكسان" في كانون الثاني/يناير من العام الجاري، حين اختفى من سوق الدواء لفترة طويلة، نتيجة توقف الشركة المنتجة عن توريده إلى مصر اعتراضًا على سعره، ويبدو أن الكمية نفدت. واختفت أيضًا حقن "Anti RH" للحوامل، اللازمة لحماية الأجنة من الأنيميا الناتجة عن تكسير كرات الدم الحمراء أثناء الولادة، ونقصها يعرض الملايين للإجهاض.
يعتقد المحللون أن صد هجمة السوق السوداء، التي وصلت للعلاج في مصر، لن يكون إلا بتوفير الدولار لاستيراد كميات مناسبة من الدواء
خارج حدود التعامل الرسميّ، ظهرت حقن مهرَّبة ومجهولة المصدر في السوق الموازية بألف جنيه مصري (100 دولار)، رغم أن سعرها المسجَّل بوزارة الصحة هو 245 جنيهًا مصريًا. وليكتمل إغلاق الدائرة على السيدات، ارتفعت أسعار حبوب "جينيرا" لمنع الحمل إلى 110 جنيهًا، والسعر الرسمي للعبوة التي تحتوي 21 قرصًا لا يزيد (بعد رفعه مؤخرًا) عن 25 جنيهًا.
وحفلت السوق السوداء بـ"آرتامين 250"، علاج داء ويلسون الوراثي، (اضطراب وراثى ينجم عنه تراكم كم كبير من النحاس في الكبد والمخ) بسعر 800 جنيه، رغم "انسحابه التام" من الصيدليات، التي تلتزم بسعر 245 جنيهًا للعبوة. ويواجه مصل "الألبيومين" ذات المشكلة، التي وصلت بسعره، الذي يستسلم له مرضى نقص بروتين الدم، خوفًا من المضاعفات، ويحصلون على اللازم منه مقابل 700 جنيه مصريّ، ثلاثة أضعاف سعره.
وأشار أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات، في تصريحات صحفية، إلى "وصول النقص في الأدوية إلى 1500 صنف تجاري غير متداول بالسوق، من بينها أدوية مهمة لأمراض الضغط، والسكر والقلب، والعمليات الجراحية".
ويعتقد المحلِّلون أن صدّ هجمة السوق السوداء، التي وصلت للعلاج، لن يكون إلا بتوفير الدولار الكافي لاستيراد كميات مناسبة للطلب المتزايد على العقاقير الطبية في مصر. لذلك، يستعجل البنك المركزيّ المصري وصول قرض الـ12 مليار دولار من بنك النقد الدولي، لتوفير مجموعة من السلع الأساسية بشكل رسمي، وبسعر تقرّه الحكومة بعد إجراء "تعويم الجنيه" الذي بشَّرت به شركة "بلتون" للأوراق المالية.
اقرأ/ي أيضًا: