أثارت انتخابات 12 أيار/ مايو 2018 في العراق ضجة كبيرة، حيث ادعت قوى سياسية أنها مزوّرة، ورفضت النتائج وفق العد والفرز الإلكتروني، التي أظهرت أن ما يقارب من 230 من النواب القدامى خسروا مقاعدهم، من ضمنهم رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري.
وفقًا لنتائج مفوضية الانتخابات العراقية، فإن عملية الفرز والعد اليدوي أبقت القوائم والكيانات السياسية في أماكنها
طعن "الخاسرون" بالنتيجة، وطالبوا بإعادة استخدام عملية العد والفرز اليدوي بدلًا من الإلكتروني. فيما جاءت مساندة المحكمة الاتحادية للطعن سريعة، موافقة على إعادة إجراء العد، ثم قامت بإلزام مفوضية الانتخابات بانتداب تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية العليا للانتخابات، بدلًا من الأعضاء الذين أشرفوا على العد والفرز الإلكتروني في المرة الأولى.
استمرت عملية العد والفرز اليدوي لمدّة دامت نحو شهرٍ تقريبًا، ثم ظهرت النتائج من دون تغييرات كبيرة، تستحق الضجة التي أثيرت. وأصدرت المفوضية العليا للانتخابات في العراق، بيانًا في 10 آب/ أغسطس، قالت فيه، إنه "بعد أن صوّت مجلس النواب العراقي على قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات رقم 45 لسنة 2013، والذي أصبح نافذًا بتاريخ 6/ 6/ 2018 شكل مجلس القضاء الأعلى لجنة انتقلت إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لإجراء معاينة أولية لعمل المفوضية"، مشيرة إلى أنه "تمّت المباشرة بإجراء عمليات الفرز والعد اليدوي باشتراك عدد كبير من موظفي المفوضية وموظفين من مجلس القضاء الأعلى وبحضور المراقبين الأمميين وفي مقدمتهم الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش، ومساعدته اليس وولبول، وعدد من السفراء وممثلي السلك الدبلوماسي في العراق ومراقبي الكيانات السياسية".
اقرأ/ي أيضًا: الطائفية في دعاية الانتخابات العراقية.. رأسمال بديل عن البرامج والإنجازات
ووفقًا لنتائج المفوضية، فإن عملية الفرز والعد اليدوي أبقت القوائم والكيانات السياسية في أماكنها، فلا يزال تحالف سائرون، بزعامة مقتدى الصدر، هو الأول بـ 54 مقعدًا، وائتلاف الفتح، الذي يضم فصائل الحشد الشعبي بـ47 مقعدًا، فيما حدثت بعض التعديلات داخل القوائم والتحالفات نتيجة "الطعون" بحسب قول المفوضية، وهي التي أدت إلى نزول مرشحين، وصعود آخرين من نفس القوائم.
انتهى كل الجدل السياسي الذي حدث، بمجرد إعلان النتائج وإكمال عملية العد والفرز اليدوي، والآن ينتظر العراقيون انعقاد مجلس نواب جديد لتشكيل الحكومة المقبلة. وهي القضية التي ليست محسومة بعد في الأوساط السياسية العراقية، خاصة بعد احتجاجات غاضبة شهدتها محافظات الوسط والجنوب، بالإضافة إلى بعض التطورات الأخرى مثل العقوبات الأمريكية على إيران.
وقد طرح الصدر في 31 تموز/ يوليو الماضي، 40 شرطًا لتشكيل الحكومة، وصفها البعض بـ"التعجيزية"، منها تأكيده على ضرورة "ترسيخ مبدأ فصل السلطات الثلاث، القضائية والتشريعية والتنفيذية، من خلال سن القوانين"، وأن "لا تشرك الكتل السياسية أيًا من الوجوه القديمة في أي من المناصب مطلقًا"، وأن "المناصب التنفيذية لا تكون وفقًا للمحاصصة الطائفية أو الحزبية أو العرقية، بل وفقَا لنظام صارم ليس فيه إلا المتخصّص، والتكنوقراط، والمستقل"، موضحًا أنه يجب "التقليل من الامتيازات، والرواتب، وتفعيل قانون من أين لك هذا".
كانت النقطة الخلافية الأكبر، التي طرحها الصدر في شروطه الـ40، عندما حدّد بأن يكون رئيس الوزراء المقبل مستقلًا ومن خارج مجلس النواب، وأن لا يرشح للانتخابات المقبلة. وهذا ما اعتبره مراقبون الشرط التعجيزي الذي لا يمكن أن يرضي الكتل الفائزة، خاصّة التي تقاتل على حيازة منصب رئاسة الوزراء، ومنها حزب الدعوة، الذي يحافظ عليه منذ أكثر من ثلاث دورات، ويقول في أكثر من تصريح إنه لا يمكن أن يتنازل عن رئاسة الوزاء، إضافة إلى أن الخارطة التوافقية تقتضي ثلاثة مناصب تتقاسمها المكونات، منصب رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، والكيانات السياسة عمليًا غير مستعدة للتنازل عن المحاصصة.
وكما يبدو، فإن الصدر أدرك أن شروطه "تعجيزية" بالنسبة للكتل السياسية المتنفذة، فتبعها في بيان أصدره في 9 آب/ أغسطس الجاري، شدّد على البيان السابق، إذ قال إنه إذا "لم تتحقق أغلب الشروط الـ40 التي وضعتها، فإنني وعزة الجبار لن أدخل بمحاصصتهم وتقسيماتهم للمغانم مرة أخرى، وسأتخذ مسار المعارضة السياسية والشعبية البناءة على الرغم من صعوبتها ووعورة دربها"، داعيًا العراقيين إلى أنه يحتاج إلى وقفتهم الشعبية آنذاك "لنكون يدًا واحدة من أجل إنقاذ العراق" على حد تعبيره.
اقرأ/ي أيضًا: آخر مسرحيات خاسري الانتخابات العراقية.. "الشعب الأحمق لم يخترنا"!
وأضاف الصدر، أنني "أطالب الكتل السياسية التي ما زالت تحب الوطن للالتحاق بكتلة المعارضة تحت مسمى كتلة إنقاذ الوطن، لإنقاذه من فكاك المخاطر وأنياب الظلم والفساد المستشري في كل مناحي الحياة بداخل الأروقة الحكومية والأمنية بل وحتى القضائية، في بعض الموارد وخارجها"، فيما حدّد سقفًا زمنيًا لتحقيق الـ40 شرطًا مدته 15 يومًا، "وإلا فالمعارضة قرارنا".
يقول مراقبون إن بيان الصدر الأخير، يعني أنه سيلجأ فعليًا للمعارضة، لأن شروطه لا يمكن أن تتحقق
وأوضح زعيم التيار الصدري في بيانه، أنه "وليكن السقف الزمني هو المصادقة على النتائج النهائية للعد والفرز اليدوي، إن وجد، وإلا فالخمسة عشر يومًا هو الوقت الذي بيني وبينهم، وخلالها لن أسمح بالتعدي على المتظاهرين أو التغاضي عن مطالبهم الحقة".
ويقول مراقبون إن بيان الصدر الأخير، يعني أنه سيلجأ فعليًا للمعارضة، لأن شروطه لا يمكن أن تتحقق، وأن الكتل ماضية في تشكل الكتلة الأكبر، والتي ستشكل بدورها حكومة محاصصة. فيما من المحتمل أن يعيد لجوء الصدر إلى المعارضة وركونه للخيارات الشعبية في الاحتجاج، سيناريو الدخول إلى الخضراء، منطقة السلطة ومؤسساتها الفاعلة، من قبل المتظاهرين، لكن هذه المرة بثقة أكبر، ربما لن تسمح للحكومة أن تكمل دورتها لأربع سنوات، مع الاحتجاجات والسخط الشعبي العام في العراق.
وتستبعد بعض الآراء أن تتشكل حكومة من دون الصدر، باعتباره الفائز الأول، ما يفتح الخيار أمام تسوية ضمنية، لتحقيق بعض الشروط الممكنة بالنسبة للكتل، من دون أن يتنازل زعيم "سائرون" عن ثوابته التي وضعها أمام المتظاهرين.
اقرأ/ي أيضًا:
الديوانية تخرج عن صمتها.. فقراء العراق في قلب الحركة الاحتجاجية
حلف المليشيات وسلطة المحاصصة.. جدار الحرس القديم ضد الشارع العراقي