أفاق اللبنانيون على موجة جديدة من إنذارات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي يطالب فيها سكان ضاحية بيروت الجنوبية بالإخلاء الفوري، صباح اليوم الأربعاء، لليوم الثاني على التوالي، بعدما توزعت إنذارات الإخلاء على ساعات الليل؛ وذلك بالتزامن مع توسيع جيش الاحتلال دائرة عدوانه باستهدافه للمرة الأولى بلدات في جبل لبنان، كان قد نزح إليها سكان القرى الجنوبية، وتأتي هذه التطورات بعد ساعات من إعلان الاحتلال الإسرائيلي دخول العدوان على لبنان مرحلة جديدة.
وبعد أقل من ساعة على توجيه إنذارات الإخلاء، شن جيش الاحتلال سلسلة غارات جوية استهدفت ستة مبان في منطقتي حارة الحريك والغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهذه المرة الثالثة التي يستهدف فيها جيش الاحتلال الضاحية الجنوبية خلال الساعة الـ24 الماضية، حيثُ وصل عدد الغارات إلى أكثر من 20 غارة جوية، الأمر الذي يمثل تصعيدًا في استهداف المنطقة التي تُعد من المعاقل الرئيسية لحزب الله في العاصمة اللبنانية.
كما شن جيش الاحتلال غارة جوية استهدفت شقة في مبنى سكني في بلدة دوحة عرمون في جبل لبنان، وهذه المرة الأولى التي يتم فيها استهداف البلدة التي تؤوي نازحين، مما أسفر عن سقوط ثمانية شهداء، وإصابة آخرين بجروح، فيما لا يزال البحث جاريًا عن مفقودين تحت الأنقاض، وسط حالة من الهلع بين السكان خوفًا من تجدد الغارات.
وسّع جيش الاحتلال من دائرة عدوانه باستهدافه للمرة الأولى بلدات في جبل لبنان، كان قد نزح إليها سكان القرى الجنوبية
وكان جيش الاحتلال قد ارتكب، أمس الثلاثاء، مجزرة جديدة بعدما استهدف مبنى في بلدة جون في قضاء الشوف، مما أسفر عن سقوط 15 شهيدًا، بينهم ثماني نساء وأربعة أطفال، فضلًا عن إصابة 12 شخصًا بجروح. ولاحقًا قالت الوكالة الوطنية إن عناصر الدفاع المدني انتشلوا جثمان طفلة (8 اعوام) من تحت الأنقاض، بالإضافة إلى انتشال جثتين مشوهتين ما حال دون التعرف عليهما، وأيضًا هي من البلدات التي يستهدفها الاحتلال للمرة الأولى.
من جانبه، قال حزب الله في بيان عبر قناته على "تليغرام" إنه استهدف "تجمّعًا لقوات جيش العدو الإسرائيلي شرقي بلدة مارون الراس بصليةٍ صاروخية"، بالإضافة إلى قصفه مستوطنتي سعسع وفراديم، وأضاف في بيانين منفصلين أن دفاعاته الجوية تصدت بصاروخ أرض – جو لمسيّرتين إسرائيليتين من طراز "هرمز 450" و"هرمز 900"، وأجبرتهما على مغادرة الأجواء اللبنانية.
وقال جيش الاحتلال إنه رصد إطلاق نحو 20 صاروخًا باتجاه الجليل من لبنان، وبحسب مراسل "التلفزيون العربي"، فإنه سمع دوي أكثر من خمس انفجارات في الجليل الأعلى. كما أعلن جيش الاحتلال اعتراض مسيّرة أطلقت اتجاه الجليل الأعلى من لبنان، في الوقت الذي دوت صفارات الإنذار في المنطقة.
توسيع الهجوم إلى بلدات الخط الثاني
وصعّد جيش الاحتلال من غاراته الجوية، أمس الثلاثاء، باستهدافه مناطق مختلفة في لبنان، من بينها بلدات تدخل دائرة القصف الإسرائيلي للمرة الأولى. وكانت وسائل إعلام عبرية قد أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي وسّع من هجومه البري إلى بلدات الخط الثاني في جنوب لبنان، زاعمًا أن جميع عمليات إطلاق الصواريخ والمسيّرات التي استهدفت خلال الأيام الماضية المستوطنات في شمال الأراضي المحتلة تم إطلاقها من مناطق لم تدخلها قواته.
وبحسب تلفزيون "الجديد" المحلي، تظهر خريطة تفاعلية للاشتباكات التي يخوضها حزب الله ضد جيش الاحتلال في بلدات جنوب لبنان، أن خط البلدات الثاني يقع مباشرة خلف القرى التي قام بتفجيرها جيش الاحتلال خلال الأسابيع الماضية، وسط توقعات بأن يتم التركيز على بلدة بنت جبيل، نظرًا لما تعنيه من رمزية سياسية وشعبية للحزب.
وردًا على إعلان جيش الاحتلال توسيع عمليات عسكرية إلى بلدات الخط الثاني، قال حزب الله في بيان عبر قناته على "تليغرام"، أمس الثلاثاء، إن "القرار الذي اتخذته قيادة جيش العدو الإسرائيلي بالانتقال إلى المرحلة الثانية من "المناورة البريّة" في جنوب لبنان لن يكون مصيره سوى الخيبة، وسيكون حصاده الحتمي المزيد من الخسائر والإخفاقات".
مضيفًا أن "المقاومة اتخذت ضمن خططها الدفاعية كل الإجراءات التي تمكنها من خوض معركة طويلة لمنع العدو من تحقيق أهدافه دفاعًا عن حرية وسيادة بلدها، ورفعة وكرامة شعبها الأبي"، ومؤكدًا أن "الجبهة في كل المحاور والقطاعات تمتلك العديد والعتاد اللازمين ومن مختلف الاختصاصات العسكرية لخوض هكذا معركة".
الاحتلال يريد "تحويل لبنان إلى ضفة ثانية"
كانت وسائل إعلام عبرية قد سربت خلال الأيام الماضية تقارير تتحدث عن "تقدم ملموس" في مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان، وهو ما أضفى أجواء من التفاؤل الحذر، لكن المعطيات المتوفرة تشير إلى عكس ذلك، والتي يؤكدها استهداف جيش الاحتلال للعمق اللبناني، فضلًا عن تكثيف ضرباته على الضاحية الجنوبية، وأخيرًا إعلان بدء مرحلة جديدة من العمليات العسكرية داخل الأراضي اللبنانية، وهو ما يمثل تناقضًا في التصريحات الإسرائيلية.
وتعليقًا على هذه التطورات، يرى مسؤول القسم السياسي في صحيفة "المدن"، منير الربيع، في حديثه لـ"التلفزيون العربي"، أن لبنان ينتظره "المزيد من التصعيد" العسكري الإسرائيلي، معيدًا ذلك إلى أن تسريب "الأجواء الإيجابية كان منطلق إسرائيلي بهدف رفع سقف الشروط، وتخريب أي اتفاق يمكن الوصول إليه"، مشيرًا إلى أن الهدف من تسريب "هذه الشروط بطريقة مفخخة" التي لم يتم إبلاغ لبنان عنها، فضلًا عن رفض المسؤولين اللبنانيين لها، سيؤدي إلى "تحميل لبنان مسؤولية أنه هو الذي أجهض هذه المفاوضات".
ويعتبر الربيع أن هذه التسريبات "جزء من خديعة إسرائيلية لإيهام اللبنانيين أن هناك اقتراب للوصول إلى وقف لإطلاق نار"، والذي يعتبره كـ"نوع من الانسجام مع المطالب الأميركية في الأيام الأخيرة" لإدارة الرئيس، جو بايدن، مستبعدًا أن تمارس الإدارة الأميركية الحالية ضغوطًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار، ويدلل على ذلك بالإشارة إلى أن بايدن كرر في أكثر من مرة "مسألة أنه صهيوني أو مؤيد للصهيونية"، لافتًا إلى أن "هذه المواقف تعطي المزيد من الدعم للإسرائيليين في سياق تصعيد عملياتهم العسكرية".
من جانبه، يشير الباحث والكاتب السياسي، رضوان عقيل، إلى أن "ما يريده الإسرائيلي هو أكثر من القرار 1701"، مضيفًا أنه "يريد بطريقة غير مباشرة إجراء احتلال مقنّع للأراضي اللبنانية"، في إشارة إلى أحد الشروط الإسرائيلية الذي يطلب الموافقة على "حرية" شن غارات جوية في لبنان، حتى بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
واعتبر عقيل أن "ما يقوم به الإسرائيلي هو مناورات، كما ناور منذ 13 شهرًا في غزة، يفعل نفس المناورة في لبنان"، والتي يهدف من وراءها إلى "التضييق أكثر على الدولة اللبنانية"، لافتًا إلى أن الإسرائيليين كثفوا من استهدافهم خلال الأيام الماضية لأماكن تقطنها "عائلات لا علاقة لها بالشأن العسكري في مناطق بعيدة عن نطاق الاشتباك"، والتي يرى أن هدفها "خلق أزمة داخل البيئة اللبنانية"، وكذلك "بيئة حزب الله"، والتي تدخل في سياق "الحرب النفسية".
من جهته، ينظر الباحث في مركز "مدى الكرمل"، إمطانس شحادة، إلى التصريحات الإسرائيلية المتناقضة بشأن تسريبات وقف إطلاق النار في لبنان، باعتبارها تلخيص لمحاولة إسرائيل تحويل "لبنان إلى منطقة هيمنة عسكرية مثلما تفعل في الضفة الغربية"، مضيفًا أن إسرائيل "تريد أن تحول لبنان إلى دولة بلا سيادة عسكرية"، ويرى "أن شهية إسرائيل ازدادت مع اتساع رقعة الهجوم على جنوب لبنان وبيروت والضاحية".
ويرجح شحادة أن عدم "دفع إسرائيل لأي ثمن عسكري أو اقتصادي أو سياسي حتى الآن سيجعلها تستمر في هذه الحرب"، مضيفًا أنه "يجب أن نصدق ما تقوم به إسرائيل على أرض الواقع من هجوم"، أما بالنسبة للتصريحات الإسرائيلية، فهو يرى أن إسرائيل ستستمر في الحرب في حال لم يتم الموافقة على شروطها، خاصة أن الحرب على لبنان تحظى بتأييد الشارع الإسرائيلي، بما في ذلك المعارضة.
وبيّن شحادة أن رؤساء المستوطنات في شمال الأراضي المحتلة يضغطون على الحكومة الإسرائيلية للاستمرار في الحرب على لبنان، مضيفًا أنهم يطالبون بإنشاء "حزام أمني داخلي على الحدود اللبنانية"، معتقدًا أن "إسرائيل لن تلتزم بتطبيق القرار 1701 حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وستستمر في خرقه مستقبلًا".
وكان موقع "العربي الجديد" قد نقل عن مصدر نيابي في حزب الله قوله إن "التصعيد الإسرائيلي بالغارات الجوية متوقع في ظل الخسائر التي يتكبدها في البر"، مضيفًا أن "التصعيد يأتي في إطار محاولة الاحتلال فرض وتعزيز شروطه وهذا الأمر لن يحصل فلا مفاوضات تحت النار والمقاومة لن ترضخ"، وشدد المصدر في تصريحاته على أنه لم يصل للحزب "أي اقتراح رسمي أو مسودة بشأن وقف العدوان حتى الساعة"، معيدًا التأكيد أن الحزب يثق برئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري.