في بلد يطفو على النفط، وتكثر خيرات موارده الطبيعية، يعاني سكانه في أبسط حقوقهم الأساسية، كالكهرباء. وبات سكان العراق يعتمدون بصورة أساسية في تحصيل الكهرباء على المولدات الأهلية، والتي إن كانت من جهة تستنزف جيوبهم وتمثل حلًا غير ناجع لمشكلة الكهرباء، إلا أنها من جهة أخرى طريقة استثمار واسعة الانتشار، تدر على أصحابها الكثير وتوفر بعض فرص العمل في بلد يقترب معدل البطالة فيه من 15%!
في بلد يطفو على النفط، يعتمد أغلب سكانه بصورة أساسية في توفير الكهرباء على المولدات الكهربائية الأهلية التي تستنزف جيوبهم
لكن، كما أشرنا، فإن كانت المولدات تمثل مصدر دخل للعديد من المستثمرين والعاملين عليها، إلا أنها في المقابل وجه من وجوه معاناة عموم الشعب العراقي الرازح تحت فوضى عارمة، ليس آخرها غياب الخدمات الرئيسية.
وعلى مدار نحو 15 عامًا من انعدام الاستقرار والحروب المتتالية، التي تدمرت بها البنى التحتية عدة مرات، انعكس الأثر على الكهرباء وغيرها من الخدمات. وفي بداية الأمر كانت مولدات الكهرباء الأهلية حلًا بديلًا ومؤقتًا لانقطاع الكهرباء الوطنية/الحكومية.
ومع تكرار انقطاع الكهرباء، وانعدام وصولها أصلًا لبعض المناطق، بات الاعتماد أساسيًا على المولدات الأهلية، ورغم الميزانيات الضخمة التي تقرها الحكومات للكهرباء، حتى أن وزير الكهرباء السابق، الشهرستاني، قال في 2012: "سنصدر الكهرباء لدول الجوار".. رغم ذلك عجزت الحكومات عن حل مشكلة الكهرباء التي تمثل أزمة حقيقية، خصوصًا في فصل الصيف حيث تعرف البلاد درجات حرارة شديدة الارتفاع، تصل إلى 50 درجة مئوية.
غير أن الحاجة الطبيعية الملحة للكهرباء، في ظل انعدامها حكوميًا، خلقت سوقًا موازية غير منضطبة، يتحكم فيها بشكل شبه كامل أصحاب المولدات الكهربائية، الذين يفرضون أسعارًا مرتفعة دون ضوابط رقابية.
ووصل سعر الأمبير الواحد من المولدات الأهلية في بعض المناطق إلى 12 ألف دينار، وزادت في مناطق كرخ بغداد إلى 25 ألف دينار أي نحو 20 دولارًا، علمًا بأن العوائل المتوسطة عادة ما تحتاج إلى خمسة أمبيرات، أي أنها قد تضطر لدفع 80 دولار شهريًا لكهرباء المولدات.
كما أن الكثيرين من أصحاب المولدات لا يُعوضون المواطنين في حال وُجدت الكهرباء الوطنية، وتحسب ساعاتها لحساب أصحاب المولدات. بالإضافة إلى أن كهرباء المولدات غير مستقرة تمامًا، كما أن أصواتها مزعجة. ومع ذلك فالمواطن مجبر على الانصياع، إذ لا بديل.
ولا يُعرف على وجه الدقة أعداد المولدات الأهلية في العراق، إلا أنها لا تقل عن مئات الآلاف على الأقل، فبمرور سريع في أي حي عراقي، ستجد المولدات متكدسة في كل مكان، بما لا يقل عن ثلاث أو أربع مولدات في الحي، وستشاهد منظر تشابك أسلاك السحب بشكل عشوائي يمثل تهديدًا حقيقيًا على الساكنة خصوصًا في ظل أمطار الشتاء، أو حتى مع حرارة الصيف.
واضطرت الحكومة مع واقع المولدات الناجم عن عجز الدولة على توفير خدمة الكهرباء، إلى محاولة تقنين سوق المولدات للتقليل من الضغوطات على المواطنين، خاصة وأن أزمات الكهرباء دفعت لخروج عشرات الآلاف في تظاهرات احتجاجية في بعض المدن والمحافظات.
لا يخضع سوق مولدات الكهرباء الأهلية إلى أي ضوابط رقابية من قبل الدولة، ما زاد من جشع أصحاب المولدات الذين رفعوا الأسعار لأرقام فلكية
لكن مساعي الحكومة عوقتها أذرع الفساد في الدوائر التنفيذية، ووجدها بعض الموظفين المعنيين فرصة للتكسب غير المشروع. عن هذا يقول أحد أصحاب المولدات في غرب بغداد لـ"ألترا صوت"، إنه يضطر لدفع ما قيمته 30 ألف دينار عراقي شهريًا لإدارة محطة الكهرباء في المنطقة، لزيادة ساعات الكهرباء الوطنية في نفس وقت ساعات تشغيله للمولد!