ألترا صوت - فريق التحرير
تحملت القارة الأفريقية أكثر من 24% من الإصابات بفيروس كورونا على صعيد عالمي، في مقابل توفر 3% فقط من العاملين الصحيين لرعاية المرضى. وعلى الرغم من كون النقص في الرعاية الصحية والعاملين في هذا القطاع غير جديد ومشكلة دائمة في العديد من الدول والمناطق الأفريقية، إلا أن جائحة كوفيد-19 كشفت مدى عمق الأزمة. فقد أدى عدم الوصول إلى اختبارات الكشف عن الفيروس ونقص أجهزة التنفس وغيرها من المعدات الطبية إلى إعاقة الجهود المبذولة لإنقاذ الأرواح في ذروة تفشي الفيروس. يضاف إلى ذلك أن منظمة الصحة العالمية أبلغت العام الماضي عن أن الرقم المحتمل لإصابة العاملين في القطاع الصحي بفيروس كورونا في أفريقيا تجاوز 10 آلاف إصابة مما ضاعف من تحديات النقص في الطاقم الطبي ومقدمي الخدمات في الخطوط الأمامية.
تعاني القارة الأفريقية من ظاهرة هجرة العقول/استنزاف الأدمغة، خاصة بين العاملين في القطاع الطبي، الذين تخسر دولهم عند هجرتهم جهود إعدادهم والدور الذي يفترض أن يقوموا به محليًا
ضمن ذات السياق أشار تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى المعاناة التي كابدها العاملون في هذا القطاع إبان موجات انتشار الأوبئة في السنوات الماضية وإلى الخطورة التي واجهت هؤلاء العاملين وهددت حياتهم بفعل انخفاض الاستثمار في القطاع الصحي من قبل الحكومات. وعلى سبيل المثال، أظهر تقرير لوكالة رويترز أن هناك سرير للعناية المركزة لكل 100 ألف شخص في أفريقيا. فيما تشكل النسبة المثالية للأطباء مقابل السكان، طبيب واحد لكل ألف شخص، بينما تشكل في أفريقيا طبيب واحد لكل 5 آلاف شخص، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2035 أن يصل العجز إلى 4.3 مليون طبيب في القارة الأفريقية. وعلى الرغم من أن القارة الأفريقية تشكل 16% من عدد السكان العالمي، إلا أن نسبة الإنفاق الصحي فيها لا تتعدى الواحد في المئة، وفقًا لمركز بروكينغز للدراسات.
اقرأ/ي أيضًا: "نواب العار والنيترات" في مرمى سهام الناشطين وذوي ضحايا انفجار مرفأ بيروت
لكن الدافع الأساسي لهذا النقص في المتخصصين في الرعاية الصحية يكمن في زيادة هجرة العقول الطبية إلى الخارج، حيث يهاجر المتخصصون الصحيون من أفريقيا بأعداد كبيرة إلى البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا منذ أعوام عديدة.
وبأخذ لغة الأرقام في عين المقاربة، يبلغ عدد سكان المملكة المتحدة 68 مليون نسمة، ولديها أكثر من 370 ألف طبيب. في حين أن نيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها 211 مليون نسمة، لديها أقل من 75 ألف طبيب، وفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية. مع الإشارة إلى أن العديد من الأطباء العاملين في المملكة المتحدة هم من نيجيريا، وعدد الأطباء النيجيريين هناك يستمر في الازدياد. ويذكر أنه في عام 2006 كان هناك 2692 طبيبًا نيجيريًا في القوى العاملة الطبية في المملكة المتحدة، وبحلول عام 2018، ارتفع الرقم إلى 5250 عاملًا نيجيريًا في القطاع الطبي في بريطانيا، حيث كانت المملكة المتحدة توظف ما لا يقل عن 12 طبيبًا نيجيريًا جديدًا كل أسبوع، وفقًا لتقرير نشره المركز الدولي للصحافة الاستقصائية، قبل انتشار فيروس كورونا، غير أن هذه الأرقام تصاعدت بشكل كبير بعد عام 2019 بفعل التحديات التي خلفتها الجائحة.
أما الولايات المتحدة فاستقطبت نحو 8 آلاف طبيب نيجيري، حيث كشفت دراسة أن 86% من خريجي الطب الدوليين المتعلمين في أفريقيا هاجروا للعمل في أمريكا، وغالبيتهم من مصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا وغانا، بحسب مركز الموارد البشرية للصحة. كذلك تشير الأرقام إلى مجموعات مهنية أخرى تعمل في القطاع الصحي في أمريكا بنسب عالية من الأفارقة: 24% من الممرضات المسجلات في أمريكا من الأفارقة، 20% من مساعدي التمريض، 16% من مساعدي الرعاية الشخصية، جميعهم من القارة الأفريقية، بحسب تقرير أفريكا رينيوال.
وفي كندا، بلغ العدد الإجمالي للأطباء المدربين من الجنسيات غير الكندية 22% بمن فيهم الأطباء من أفريقيا، بحسب منظمة الطب الكندية. وأشار تقرير نشره موقع غلوبال فويس إلى أن كل من أستراليا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، عملت على استقطاب نسبة من الأطباء الأفارقة وذلك من أجل الحفاظ على معدل متوازن بين سكانها مقابل عمال الصحة.
كل هذا يفسر سبب الهجرة الجماعية الكثيفة للمزيد من العاملين الصحيين الأفارقة إلى خارج القارة. وذلك كونهم مهاجرين ذوي قيمة عالية وخبرة ومهارة، مما يمكنهم من الوصول إلى مسارات الهجرة المختلفة التي تؤدي إلى الإقامة الدائمة، وتضمن لهم الحصول على الإقامة لأجل غير محدد في العديد من الدول المتقدمة، والتي يمكن أن تؤدي لاحقًا إلى التجنس. وأشار تقرير نشر في موقع غلوبال فويس إلى أن الدول المتقدمة قد وفرت ملايين الدولارات على حساب الدول الأفريقية التي ساهمت ودعمت تعليم الأطباء الجدد، مما يجعل من فقدان الآلاف من الأطباء إلى دول أخرى بعد التخرج بمثابة خسارة مالية ضخمة واستنزاف للأدمغة دون توقف.
اقرأ/ي أيضًا:
اعتراضات في ليفربول على قرار اليونسكو بشطب المدينة من لائحة التراث العالمي