تظهر تغطية وسائل الإعلام الغربية السائدة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بشكلٍ منحاز لإسرائيل، وبينما يتخلخل ذلك في بعض وسائل الإعلام وعلى نطاق محدود، إلّا أن بعضها يستمر في سياسته المنحازة طويلة الأمد، التي تعكس سياسات عميقة، ترتبط في الانحياز لإسرائيل، بشكلٍ منهجي ومدروس.
ووفقًا لتقرير صادر عن موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي، الذي يتعاطى مع شبكة "سي إن إن"، كواحدة من هذه النماذج، فإن أي تغطية ترتبط في فلسطين وإسرائيل، من أي مكان في العالم، ترسل إلى مكتب "سي إن إن" في إسرائيل من أجل المراجعة قبل نشرها.
يكشف تقرير "ذا إنترسبت"، عن انحياز عميق ومنهجي من قبل شبكة "سي إن إن" لصالح إسرائيل
وتقول "سي إن إن"، إن هذه سياسة طويلة لها، تهدف إلى "ضمان الدقة في إعداد التقارير حول موضوع استقطابي"، ويشير موقع "ذا إنترسبت" إلى أن ذلك يعني أن "تغطية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تم تشكيلها، في ظلال الحرب على غزة، وتحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية".
ويشير الموقع الأمريكي، إلى أن "سي إن إن" مثل الكثير كافة وسائل الإعلام الأجنبية في إسرائيل، يخضع للرقابة العسكرية من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يحدد المسموح والممنوع في التغطية، وفي الشهر الماضي لوحده، صدرت لائحة من 8 موضوعات، يمنع النشر عنها إلّا بعد الموافقة.
ويقول "ذا إنترسبت": "إن ممارسة سي إن إن المتمثلة في توجيه التغطية عبر مكتب القدس لا تعني أن الرقيب العسكري يراجع كل قصة بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن هذه السياسة تقف على النقيض من وسائل الإعلام الكبرى الأخرى، التي كانت في الماضي تنشر قصصًا حساسة من خلال مكاتب خارج إسرائيل لتجنب ضغوط الرقابة".
إلى جانب "القواعد الرسمية وغير المعلنة لتغطية الأحداث من إسرائيل"، أصدرت "سي إن إن" مؤخرًا توجيهات لموظفيها بشأن لغة محددة يجب استخدامها وتجنبها عند "الإبلاغ عن العنف في قطاع غزة". كما استأجرت الشبكة جنديًا سابقًا من وحدة المتحدث العسكري للجيش الإسرائيلي للعمل كمراسل في بداية الحرب.
بعد ترويجها رواية الاحتلال عن قطع رؤوس الأطفال.. مذيعة "سي إن إن" سارة سنايدر، تتراجع وتقول "كنت بحاجة إلى أن أكون أكثر حذرًا في كلماتي وأنا آسف".
⬇️ تابعنا عبر قنواتنا لتصلك الأخبار أولاً بأوّل، انضم الآن:
🚨تيليغرام: https://t.co/kNLyhu2OKp
🚨واتساب: https://t.co/wkeS6THO5m pic.twitter.com/HjUWExn20H— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) October 13, 2023
وقال متحدث باسم شبكة "سي إن إن" لموقع "ذا إنترسبت" في رسالة بالبريد الإلكتروني: "إن سياسة نشر القصص حول إسرائيل أو الفلسطينيين خارج مكتب القدس كانت مطبقة منذ سنوات. يرجع الأمر ببساطة إلى حقيقة أن هناك العديد من الفروق الدقيقة المحلية الفريدة والمعقدة التي تتطلب المزيد من التدقيق للتأكد من أن تقاريرنا دقيقة ودقيقة قدر الإمكان".
وأضاف المتحدث أن البروتوكول "ليس له أي تأثير على تفاعلاتنا (الحد الأدنى) مع الرقيب العسكري الإسرائيلي – ونحن لا نشارك نسخة معهم (أو أي هيئة حكومية) مقدمًا. سنطلب التعليق من المسؤولين الإسرائيليين وغيرهم من المسؤولين المعنيين قبل نشر القصص، لكن هذه مجرد ممارسة صحفية جيدة".
وقال أحد أعضاء طاقم "سي إن إن"، الذي تحدث إلى "ذا إنترسبت" بشرط عدم الكشف عن هويته، إن سياسة المراجعة الداخلية كان لها تأثير واضح على تغطية حرب غزة. وأضاف: "يجب على كل سطر متعلق بإسرائيل وفلسطين لإعداد التقارير أن يحصل على موافقة من المكتب [القدس] – أو عندما لا يكون المكتب عاملًا، فمن مجموعة مختارة يختارها المكتب والإدارة العليا – والتي غالبًا ما يتم تحرير السطور منها باستخدام فارق بسيط للغاية، يفضل الروايات الإسرائيلية".
وأضاف موقع "ذا إنترسبت": "هناك ترتيب هش منذ فترة طويلة بين رقابة الجيش الإسرائيلي والصحافة المحلية والأجنبية، مما أجبر الصحفيين على فرض رقابة ذاتية في كثير من الأحيان على تقاريرهم خوفًا من التعرض لمواضيع محظورة، وفقدان أوراق اعتمادهم الصحفية، واحتمال إجبارهم على تقديم اعتذار علني".
ووافقت شبكة "سي إن إن"، مثل غيرها من محطات البث الأمريكية، على تقديم اللقطات المسجلة في غزة إلى الرقابة العسكرية الإسرائيلية قبل بثها، مقابل وصول محدود إلى القطاع.
و قال جيم نوريكاس، محرر مجموعة "العدالة والدقة في إعداد التقارير"، لموقع "ذا إنترسبت": "فريق سي إن إن في القدس، هو من الأشخاص الأقرب إلى الحكومة الإسرائيلية. في موقف تُتهم فيه حكومة ما، بمصداقية باستهداف الصحفيين بهجمات عنيفة من أجل قمع المعلومات، فإن منح تلك الحكومة دورًا متزايدًا في قرار ما هو خبر وما ليس خبرًا هو أمر مثير للقلق حقًا".
توجيه الانحياز إلى إسرائيل
في وقت مبكر من الحرب، في 26 تشرين الأول/أكتوبر، أرسل قسم المعايير والممارسات الإخبارية في "سي إن إن" بريدًا إلكترونيًا إلى الموظفين يوضح كيفية الكتابة عن الحرب.
وفي تفاصيل هذه التعليمات، تأتي كيفية التعامل مع وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، إذ كُتب: "تسيطر حماس على الحكومة في غزة، وعلينا أن نصف وزارة الصحة بأنها تسيطر عليها حماس، عندما نشير إلى إحصاءات الضحايا أو غيرها من المطالبات المتعلقة بالنزاع الحالي. إذا كانت الإحصائيات الأساسية مستمدة من وزارة الصحة في غزة، فيجب أن نلاحظ هذه الحقيقة وأن هذا الجزء من الوزارة تسيطر عليه حماس، حتى لو كانت الإحصائيات صادرة عن الضفة الغربية أو أي مكان آخر".
تستمر رسالة البريد الإلكتروني في القول، إن "سي إن إن" تحتاج إلى "تغطية السياق الجيوسياسي والتاريخي الأوسع الحالي للقصة" مع الاستمرار في "تذكير جمهورنا بالسبب المباشر لهذه الحرب، الصراع الحالي، وتحديدًا هجوم حماس والقتل الجماعي واختطاف المدنيين الإسرائيليين"، وفق ما ورد.
فيديو | "غير مرحب بكم هنا".. متظاهر فلسطيني يواجه مذيعة قناة "سي إن إن" سارة سايدنر التي ساهمت في ترويج المزاعم الإسرائيلية عن قطع رؤوس الأطفال
⬇️ تابعنا عبر قنواتنا لتصلك الأخبار أولاً بأوّل، انضم الآن:
🚨تيليغرام: https://t.co/kNLyhu2OKp
📷واتساب: https://t.co/wkeS6THO5m pic.twitter.com/ONBsKHU5kn— Ultra Palestine - الترا فلسطين (@palestineultra) October 20, 2023
وفي توجيه منفصل بتاريخ 2 تشرين الثاني/نوفمبر، حذر المدير الأول للمعايير والممارسات الإخبارية في "سي إن إن" ديفيد ليندسي المراسلين من نقل تصريحات حماس، قائلًا: "مع استمرار الحرب بين إسرائيل وغزة، ينخرط ممثلو حماس في الخطابات والدعاية التحريضية. لقد قيل معظمها مرات عديدة من قبل ولا يستحق النشر. يجب أن نكون حريصين على عدم منحها منصة". وأضاف: "إذا قدم مسؤول كبير في حماس ادعاءً أو تهديدًا ذا صلة تحريريًا، فيمكننا استخدامه إذا كان مصحوبًا بسياق أكبر".
ويقول "ذا إنترسبت": "تعكس لغة التوجيهات هذه، أوامر مماثلة من إدارة سي إن إن، في بداية الحرب على أفغانستان عام 2001، عندما أمر والتر إيزاكسون المراسلون في الشبكة بالتقليل من شأن الوفيات بين المدنيين ويذكرون القراء بأن العنف الذي كانوا يشهدونه كان نتيجة مباشرة لهجمات 11 أيلول/سبتمبر".
رقابة جاهزة
وفي تشرين الأول/أكتوبر أيضًا، تعاقدت شبكة "سي إن إن"، مع جندية سابقة في الجيش الإسرائيلي للمساهمة في الكتابة وإعداد التقارير لتغطية الحرب. إذ ظهرت تامار ميخائيليس في 17 تشرين الأول/أكتوبر. ومنذ ذلك الحين، ظهر اسمها في عشرات المقالات نقلًا عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ونقل معلومات حول عمليات الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وفقًا لملفها الشخصي على فيسبوك، خدمت تامار ميخائيليس في وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي.
ويعود "ذا إنترسبت"، إلى تغطية "سي إن إن"، للتعديلات القضائية في إسرائيل. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موظفي شبكة سي إن إن في تموز/يوليو، كتب رئيس مكتب القدس ريتشارد غرين "كل ما نكتبه أو نبثه عن إسرائيل أو الفلسطينيين يخضع للتدقيق من قبل الحزبيين [الديمقراطي والجمهوري]. ويهدف مكتب القدس إلى أن يكون شبكة أمان حتى لا نستخدم لغة أو كلمات غير دقيقة قد تبدو محايدة ولكن يمكن أن يكون لها معاني مشفرة هنا".
قال موظف في "سي إن إن": "جريمة الحرب والإبادة الجماعية. كلمتان محظورتان"
وخلال ذلك، تم إنشاء بروتوكول أطلق عليه "القدس SecondEyes"، من أجل مراجعة التقاير والمواد التي تخص تغطية فلسطين/إسرائيل بشكلٍ سريع، ولم يرد المتحدث الرسمي على سؤال حول ما إذا كانت "سي إن إن" لديها عملية مراجعة مماثلة مطبقة في مجالات التغطية الأخرى.
ووصف موظف "سي إن إن" كيفية عمل السياسة عمليًا، وقال: "جريمة الحرب والإبادة الجماعية. كلمتان محظورتان. لن يتم الإبلاغ عن القصف الإسرائيلي في غزة، بل تعرض على أنها "تفجيرات" لا تُنسب إلى أحد، حتى يقرر الجيش الإسرائيلي قبول المسؤولية أو إنكارها. تميل الاقتباسات والمعلومات المقدمة من الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الحكوميين إلى الموافقة بسرعة، في حين أن تلك الواردة من الفلسطينيين تخضع للتدقيق الشديد والمعالجة ببطء".