يتميّز المسرح في المشهدين التونسي والجزائري، بكونه ثمرةً للسياقات التاريخية والثقافية نفسها، رغم تميّز كل مشهد منهما، بطريقة معيّنة في استعمال التقنيات المعاصرة، وطريقة الإنتاج والتوزيع، والاستثمار في تراكم التجارب وخبرات الأجيال.
شهدت العقود الأخيرة انكفاءً على الذات في المسرح ما بين تونس والجزائر
ولئن شهدت العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني عن فرنسا، في البلدين، نهاية النّصف الأوّل من خمسينيات القرن العشرين، تبادلاتٍ وشراكاتٍ مسرحية كثيرة، حيث كان معظم ما ينتج من أعمال مسرحية، في أحد البلدين، يُعرض في البلد الثاني، فقد شهدت العقود الثلاثة الأخيرة انكفاء كل مشهد على نفسه، ما عدا حالاتٍ نادرة، لا تتماشى مع الفرص القائمة.
اقرأ/ي أيضًا: الفلسفة والتاريخ: العروي يتأمَّل نفسه
في ظلّ هذا الواقع الموصوف من نخبة البلدين الجارين بـ"غير المبرّر"، تمّ، في "فضاء صدى الأقلام" بالجزائر العاصمة، إبرام عقد شراكة وتوأمة بين مهرجان "مدرستي فنانة" بمدرسة النّخبة التونسية في مدينة منزل تميم بتونس، و"جمعية النوارس للمسرح والفنون الدرامية" بالجزائر، تضمّن نقلَ تجربة المهرجان التونسي إلى المشهد الجزائري، "نشرًا للثقافة المسرحية في الوسط التربوي، وتوريطًا للمجتمع المدني في ذلك"، وعملَ كلّ طرف، على تهيئة الظروف، لاستقبال إنتاجات الطرف الثاني، والسعي إلى إنجاز أعمال وبحوث مسرحية مشتركة، والمبادرة إلى القيام بدورات تكوينية ومهرجانات تجمع الخبرات في البلدين.
يقول المسرحي التونسي فارس العفيف مدير مهرجان "مدرستي فنّانة" لـ"ألترا صوت": "إنه من المثير للاندهاش، أن يعرف التونسي جديد المسرح في فرنسا وإيطاليا وكثير من الدول العربية، ويجهل التجارب المسرحية الجزائرية الجديدة، والعكس موجود. هناك ساعة بالطائرة بين عاصمتي البلدين، والحدود البرية مفتوحة، والتأشيرة غير مفروضة، فلماذا نحن خاضعون لهذه القطيعة المسرحية؟".
اقرأ/ي أيضًا: فراس فياض.. أفضل وثائقي في "صندانس"
ويضيف صاحب جائزة أفضل ممثل في "مهرجان تطوان السينمائي": "يتوفر كل بلد على إمكانيات مسرحية هائلة، ويشتركان في الميولات الفنية واللهجة المستعملة في الشارعين، بالموازاة مع عمق تاريخي وحضاري وسياسي واحد، غير أن هذه الخلفية لم ترقَ إلى خلق نبض مسرحي مشترك".
تسقبل تونس مليوني سائح جزائري، فلماذا لا تستقبل العروض المسرحية؟
في السّياق نفسه، قال عبد العزيز دهيمي رئيس "جمعية النوارس للمسرح والفنون الدرامية" إن الفضاء التونسي يستقبل سنويًا مليوني سائح جزائري، "فلماذا لا يستقبل عشرين عرضًا مسرحيًا جزائريًا على الأقل، من باب التكامل بين ما هو اقتصادي وثقافي؟". وأشار الناشط المسرحي الجزائري إلى تعطش الجزائريين إلى كل ما هو فن تونسي، "وسنعمل من خلال هذه الشراكة، على استغلال هذا المعطى، في خلق الفرص التي ستسمح لهم بمشاهدة مسرحيات تونسية، واستقبال التجارب الجديرة بأن تعبر الحدود".
اقرأ/ي أيضًا: