لمهنة النشر ارتباط صميمي بالمشاريع الحضاريّة، بل إنّها تشكّل ركيزةً أساسيّةً لتلك المشاريع، انطلاقًا من كونها تمثّل حلقة وصل بين عقلي المؤلّف والقارئ.
في الوقت ذاته، لم تكن المهنة بمنأى عن الأحداث والمتغيّرات الاجتماعيّة والسياسيّة، الأمر الذي جعلها دائمًا عرضةً لما ينتُج عنها من أزمات، ولا سيما تلك التي تنتج عن الأحداث السياسيّة "حروب وأزمات اقتصاديّة"، فضلًا عن التطوّرات التكنولوجيّة التي طرحت الكتاب الإلكترونيّ بديلًا للكتاب الورقيّ، وحدّت من انتشاره نسبيًا.
مروان عدوان: يبدو فضاء النشر عالمًا عدائيًّا مبنيًا على انعدام الثقة بين الأطراف الثلاثة القائم عليها: المؤلّف والناشر والقارئ
نتعرّف هنا معًا على أبرز المعوّقات التي تواجه هذه المهنة عربيًا، وذلك من خلال شهادات للعاملين في حقولها والقائمين عليها، وتحديدًا أولئك المالكين لدور نشرٍ حديثة النشأة ومحدودة الإمكانيّات.
اقرأ/ي أيضًا: تريد أن تقتل كتابك؟ انشره في الجزائر
يقول الناشر السوريّ مروان عدوان، مدير "دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع"، إنّ فضاء النشر في وقتنا الراهن يبدو عالمًا عدائيًّا مبنيًا على انعدام الثقة بين الأطراف الثلاثة القائم عليها: المؤلّف والناشر والقارئ. إذ إنّ القارئ يواجه مشكلتين في الحصول على الكتب الورقيّة؛ الأولى تتمثّل في أسعارها المرتفعة جدًا، بينما الثانية تكمن في عدم قدرة الناشر على توزيع كتبه في كلّ الدول العربيّة، ما يدفع القارئ هنا إلى اللجوء للكتب المقرصنة، الأمر الذي يؤثّر سلبًا في عمليّة التوزيع، ويدفع المؤلّف أيضًا لنشر كتابه إلكترونيًا، وذلك انطلاقًا من شعوره بأن الناشر ليس مهتمًا بتسويق كتابه.
ويعتقد مروان عدوان أنّ الكتب الإلكترونيّة اليوم وسيلة من شأنها محاربة الكتب المقرصنة والمصوّرة، وذلك لما وفّرته من حلول في مسألة التوزيع شملت مختلف دول العالم. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال التجربة العربيّة ضعيفةً ومحدودة، وهذا عائد بحسبه إلى الكتب المقرصنة/المصوّرة، فضلًا عن إهمال الناشرين لحقوق المؤلّفين، والمؤلّفين لحقوق الناشرين، والقرّاء لحقوق المؤلّفين والناشرين معًا، لا سيما مصوّري الكتب الذين يتجاهلون أنّ أرباح مهنة النشر القليلة تهدف إلى دفع الكتّاب/المترجمين للعمل على كتب جديدة، وتوفّر لدور النشر القدرة على نشر كتب جديدة.
ومن جهته، يرى الناشر المصريّ محمّد البعلي، مدير "دار صفصافة للنشر"، أنّ أبرز التحدّيات التي تواجه الناشر في مصر هي عدم الاتّفاق على آليّة وطنيّة للتوزيع، الأمر الذي يُجبر الناشر أن يأخذ على عاتقه عبء التواصل مع المكتبات وتوزيع الكتب داخليًا وخارجيًا. فضلًا عن التمويل الذي يكون غالبًا تمويلًا ذاتيًا من الناشر في نفسه، ومخاطرةً كبيرة أيضًا، لا سيما بعد تعويم العملة المصريّة وانخفاضها، الأمر الذي يجعل السفر للمشاركة في المعارض العربيّة مغامرةً ماليّة كبيرة، واستثمارًا ضخمًا قد لا يستطيع كلّ الناشرين خوض غماره، ولا سيما أصحاب دور النشر الصغيرة.
وفي سياق حديثه عن المعارض، يقول محمد البعلي إنّ المعارض العربيّة تميّز بين دور النشر الكبيرة والمعروفة وبين دور النشر الصغيرة، وذلك من حيث المواقع التي تحصل عليها، إذ إنّ دور النشر الكبيرة دائمًا ما تحصل على مواقع أفضل من الدور الصغيرة في المعارض، كما أنّها تحظى بدعم المؤسّسات الحكوميّة في البلد المضيف. وبالتالي تكون مواقع الدور الصغيرة سيئة ومحدودة الاستفادة، وهذا فضلًا عن مخاطرة المشاركة بسبب إمكانياتها الماليّة الصغيرة.
أمّا فيما يخصّ النشر الإلكترونيّ، فيرى محدّثنا أنّه أمر إيجابي بالنسبة للناشرين العرب في ظلّ ضعف شبكات التوزيع. إذ أنّه يتيح للناشر شبكة توزيع قويّة وفيها قدر من العدالة بين الناشرين، وهذا حاليًا غير متوفّر في البلاد العربيّة. كما أنّه يتيح للناشر التسويق الإيجابي للكتب الورقيّة، إذ إنّ هنالك مواقع إلكترونيّة تتيح أجزاءً صغيرة من الكتُب من أجل الاطلاع عليها من قبل القارئ قبل شرائها ورقيًا.
ويختم حديثه معنا قائلًا إنّ مسألة القرصنة مسألةً صعبة المحاصرة دون تدخل السلطات وتطبيقها للقانون الذي من شأنه أن يحدّ من انتشار هذه الظاهرة. فضلًا عن ارتفاع أسعار الكتب نتيجة ضعف شبكات التوزيع. ويرى البعلي أنّ الحل يكمن في تحسين شبكات التوزيع وتطبيق القانون بشكل سليم، وبالتالي انخفاض سعر الكتاب مما يجعله متساويًا مع سعر الكتب المقرصنة، وهذا ما يدفع أصحاب المطابع لعدم المغامرة في إعادة طباعة الكتُب بسعر أقل.
قادة زاوي: يشكّل الإنترنت فرصةً ذهبيةً للناشرين العرب للتسويق والترويج لأعمالهم
الناشر الجزائريّ قادة زاوي، مدير دار "الجزائر تقرأ" يرى الإنترنت يشكّل اليوم فرصةً ذهبيةً للناشرين العرب من حيث التسويق والترويج لأعمالهم، وبيع بعضها إلكترونيًا. داعيًا الناشرين إلى العمل على الاستفادة من كونه يخلق مساحاتٍ واسعةٍ للتواصل مع القرّاء.
اقرأ/ي أيضًا: علي عبد الأمير: زمن النشر الإلكتروني
وفي حديثه عن دار "الجزائر تقرأ" حديثة النشأة، يقول زاوي إنّ انطلاقة الدار جاءت من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ، قبل أن تتحوّل إلى دار نشر ورقيّة تحت طلب القرّاء في تلك المواقع، وبعد رصدها أيضًا للطلبات المتزايدة على الكتب الورقيّة، ما دفع الدار لخوض غمار النشر الورقيّ.
اقرأ/ي أيضًا: