09-سبتمبر-2024
الشباب في إسرائيل

شباب إسرائيليون خلال مظاهرة ضد نتنياهو في تل أبيب (رويترز)

ليس من الوارد مطلقًا مقارنة آثار الحرب على الفلسطينيين بآثارها على الإسرائيليين، فالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة, والانتهاكات المتزايدة في الضفة الغربية, هي جرائم حرب لا تسقط بالتقادم ولا يمكن تبريرها أيضًا.

ومع ذلك, لا يتساهل الإعلام الإسرائيلي في تسليط الضوء على أثر الحرب على غزة والتصعيد متعدد الجبهات على المجتمع الإسرائيلي، لا سيما فئة الشباب. وفي هذا الصدد, سلطت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية الضوء على جانبٍ من تبعات الحرب على الإسرائيليين، حيث أكدت في تقريرٍ نشرته أن الحرب الحالية على غزة أثّرت بشدة على الشباب في إسرائيل، وبشكلٍ خاص الفئة التي تتراوح أعمارها بين 18 و34 عامًا، إذ فقد كثير منهم وظائفهم وبيوتهم ويعانون الجوع والاكتئاب، في وقت ترتفع فيه نسبة الجريمة بينهم.

ويكشف التقرير الذي أعدته دانا ناور، وهي رئيسة برنامج للتوظيف، والذي استندت فيه إلى بيانات "معهد بروكديل للأبحاث"، أن نسبة 53% من القتلى والمصابين تتراوح أعمارهم بين 18و29 عامًا، كما أفاد التقرير بأن ربع الشباب الذين تحدث معهم المعهد قالوا إن الحرب أثرت عليهم شخصيًا، وتضمن ذلك إصابات وأضرارًا في الممتلكات، والأهم من ذلك استدعاؤهم إلى الخدمة العسكرية.

يتوقع "بنك إسرائيل" أن تصل تكلفة الحرب إلى 67 مليار دولار، بما في ذلك 32 مليار دولار للإنفاق العسكري وحده

كما اضطر 28% من الشباب - الذين يتجاوز عددهم مليوني شخص في المجتمع الإسرائيلي- إلى ترك وظائفهم إثر الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع، وتخلى 23% عن دراستهم، ويواجه أكثر من نصفهم، نسبة 53%، صعوبات في تلبية التزاماتهم المالية، في حين قال 50% منهم إن حالتهم النفسية في تدهور. 

ووجدت دراسة أخرى 

أعدها معهد الأبحاث (ERI) في تل أبيب، الذي يقدم خدماته لمختلف الوزارات الحكومية، أن 54% من الشباب الإسرائيلي يفكر في الهجرة. كما وجدت الدراسة نفسها أن 52% من الشباب الإسرائيلي يشعرون بأن الدولة تمارس سياسة تمييز، و62% يشعرون بأنهم وحيدون في مواجهة المصاعب التي تعرقل تقدم حياتهم المستقبلية. وقال 42% إنهم يرون أن جيلهم معدوم الحظ.

وركز التقرير على فئة من الشباب تفتقر إلى الدعم العائلي أو المالي، ويقول إنهم أكثر عرضةً لآثار الحرب، ومشاكلهم النفسية والاقتصادية في تفاقم نظرًا لعدم توفر أنظمة دعم كافية.

ويؤكد التقرير الذي نشرته الصحيفة الإسرائيلية أنّ الوضع يتطلب تدخلًا عاجلا من الحكومة، بما في ذلك زيادة الاستثمار في فئة الشباب المعرضة للخطر خاصة، ومجتمع الشباب عامة. كما يحذر من أن عدم فعل ذلك قد يؤدي إلى "جيل ضائع" من الشباب.

اقتصاد دولة الاحتلال في حالة مرض متفاقم

وفي سياق متصل، ذكرت صحيفة "لزيكو" الفرنسية مجموعةً من علامات الضعف التي انتابت الاقتصاد الإسرائيلي بعد 10 أشهر من العدوان على قطاع غزة. ويتم تسجيل علامات الضعف التي تناولتها الصحيفة بعد سنوات من النمو القوي في اقتصاد دولة الاحتلال. فالحرب المستمرة منذ 339 يومًا في قطاع غزة تلقي بثقلها على الاقتصاد الإسرائيلي، الذي بدأ يُظهر علامات استنفاد قوته بسبب إطالة أمد الحرب

أولى علامات الضعف التي رصدتها "لزيكو" هي: "تراجع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 0.4 بالمئة في الربع الثاني، بحسب أرقام المكتب المركزي للإحصاء"، بالإضافة إلى: "انكماش الصادرات بنسبة 8.3 بالمئة".

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن: "انكماش النشاط الاقتصادي ساهم في انخفاض عائدات الضرائب، ما أدى إلى ارتفاع عجز الموازنة. وتتجاوز هذه الأخيرة الآن الـ8 بالمئة، بينما تريد وزارة المالية الإسرائيلية إبقاءها في حدود حوالي 6 بالمئة"، وهو: "هدفٌ يكاد يكون من المستحيل تحقيقه نظرًا للنفقات الهائلة المرتبطة بالحرب".

كلفة الحرب

يتوقع "بنك إسرائيل" أن "تصل تكلفة الحرب إلى 67 مليار دولار، بما في ذلك 32 مليار دولار للإنفاق العسكري وحده. ويجب أن يضاف إلى ذلك، حسب "لزيكو"، 10 مليارات لتمويل إعادة توطين أكثر من 100 ألف إسرائيلي نزحوا من مناطق بالقرب من قطاع غزة أو الحدود مع لبنان.

ووفقًا للصحيفة الفرنسية، فإنّ قيمة إصلاحات الأضرار الناجمة في مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي نتيجة صواريخ المقاومة تقدّر بستة مليارات دولار.

مع العلم بأن هذه التوقعات لا تأخذ بالاعتبار تداعيات حربٍ إقليمية محتملة بين إيران وحزب الله وإسرائيل. ومن المعروف أنه: "تسود حالةٌ من التأهب في الأوساط الإسرائيلية، على وقْع توقعاتٍ بردٍّ محتملٍ من إيران وحزب الله، عقب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، في طهران، والقيادي العسكري البارز في الحزب اللبناني فؤاد شكر في ضاحية بيروت الجنوبية".

تخفيض التصنيف الائتماني

كما قامت وكالات التصنيف الدولية الرئيسية الثلاث: "ستاندرد آند بورز" و"مودي" و"فيتش"، مؤخرًا بتخفيض التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال الإسرائيلي.

وتشير الصحيفة إلى أنه وعلى الرغم من تطمينات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بارتفاع التصنيف مجددًا بعد انتهاء الحرب، فإن المعلقين الاقتصاديين بشكلٍ عام لديهم لهجة متشائمة، ويتوقعون انخفاض مستوى معيشة سكان إسرائيل في الأشهر المقبلة، خاصةً أن التضخم، الذي تم احتواؤه حتى الآن، يرتفع إلى ما هو أبعد من السقف البالغ 3 بالمئة الذي حددته وزارة المالية الإسرائيلية لهذا العام، وفقًا لقراءة تقرير "ليزيكو".

ويشار إلى أنّ الجنرال الإسرائيلي المتقاعد، إسحاق بريك، حذّر الأسبوع الماضي من "انهيار دولة إسرائيل" نتيجةً لما وصفه بـ"حرب الاستنزاف" التي تخوضها على جبهاتٍ متعددة منها قطاع غزة، مشيرًا إلى مجالاتٍ مختلفة تتأثر بحدة باستمرار العدوان، بما في ذلك الاقتصاد الإسرائيلي.

وأشار بريك في مقالٍ نشره في صحيفة "معاريف" إلى أنّ العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة "يتسبب في تدمير اقتصاد إسرائيل"، منوّهًا إلى أنّ دولة الاحتلال الإسرائيلي: "تعاني من عجز يتجاوز الـ8 بالمئة، ويخشى مسؤولون في وزارة المالية أن يصل العجز في عام 2024 إلى 9 بالمئة".

وقال بريك: "كلَّ يومٍ نسمع عن شركةٍ أخرى قررت تخفيض تصنيف ائتمان إسرائيل، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة القروض التي تقترضها إسرائيل لتمويل التكلفة الهائلة للحرب".

وأضاف بريك: "يغادر العديد من العاملين في قطاع التكنولوجيا العالية إسرائيل، وهم محركو عجلة النمو في اقتصاد إسرائيل"، مشيرًا، في ذات السياق، إلى وجود عوامل كثيرةً تضغط على إسرائيل، وتنذر بانهيار اقتصادها في حال "استمرت حرب الاستنزاف" ضد قطاع غزة، التي قدّرت الرئيسة التنفيذية السابقة لبنك "لئومي"، راكيفيت روسك أميناح، تكلفتها على الاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 67 مليار دولار.