هل السعادة وراثية؟ وهل يمكن أن يكون هناك جين للسعادة؟ وهل يمكن لأشياء مثل الرضا عن الحياة والرفاهية أن تتشكل عن طريق الوراثة؟ وهل هناك بعض الناس ولدوا أسعد من الآخرين؟ ولماذا قد يجد بعض الناس أنه من السهل عليهم زيادة شعورهم بالسعادة بينما يحتاج آخرون إلى بذل مزيد من الجهد في ذلك؟ هل هناك جين واحد مسؤول عن السعادة؟ وهل يتشارك السعداء في التركيب الجيني نفسه؟
تلعب جيناتنا دورًا مهمًا في سعادتنا، لكن لا يوجد مسار وراثي واحد فقط يحدد السعادة وليست هناك خاصية واحدة تحدد السعادة
على سبيل المثال، يعزى مؤشر كتلة الجسم إلى 65% للوراثة، والتدين بنسبة 30% إلى 45% إلى الجانب الوراثي، بينما يعزى الطول على سبيل المثال بنسبة 90% إلى الجينات، فإلى أي جانب تنتمي السعادة؟
اقرأ/ي أيضًا: دراسة حديثة: لا تصدقوا أن المال يشتري السعادة
سعى باحثون من جامعة أدنبرة في إسكتلندا لإيجاد إجابات عن هذه الأسئلة، فوجدوا أن مكونات السعادة تتحكم فيها تأثيرات وراثية مختلفة. درس الباحثون أكثر من 830 زوجًا من التوائم المتطابقة والأخوية، ما مكنهم من استكشاف كيفية تأثير التركيب الوراثي للشخص وبيئته على رفاهيته.
أكمل المشاركون في الدراسة دورةً لقياس مستوى السعادة بناء على عدة عوامل، هي:
- قبولهم الذاتي.
- النمو الشخصي.
- العلاقات الإيجابية.
- السعي لتحقيق الأهداف.
- الشعور بالسيطرة على حياتهم.
وطلب من المشاركين إبداء مدى موافقتهم أو رفضهم لعبارات مختلفة مثل: "لدي ثقة في آرائي حتى عندما تتعارض مع الإجماع العام"، و"أحب معظم جوانب شخصيتي".
لتخلص الدراسة بنتيجة تفيد بأن علم الوراثة يلعب دورًا كبيراً في جميع مكونات السعادة، لكن لا يبدو أن هذه المكونات تتأثر بالعوامل الوراثية ذاتها.
بمعنى أن جيناتنا تلعب دورًا مهمًا في سعادتنا، لكن لا يوجد مسار وراثي واحد فقط يحدد السعادة، وليست هناك خاصية واحدة فقط تحدد السعادة، وإنما يمكن فهم السعادة على أنها مجموع المساهمات الجينية المختلفة.
لا يمكن للجينات أن تضمن سعادتك
ليست هذه الدراسة الوحيدة التي تخبرنا بذلك، فوفقًا لدراسة أجريت على نحو 300 ألف شخص، شارك بها أكثر من 190 باحثًا في 140 مركزًا بحثيًا من 17 دولة؛ قارن خلالها الباحثون بين عينات الحمض النووي للمشاركين ومستويات الرفاهية.
هذه الدراسة، التي تعد من أكبر الدراسات التي أجريت على الجينات المرتبطة بسلوك الإنسان، أسفرت نتائجها عن وجود علاقة بين الجينات والمشاعر، لكن هل يعني هذا أنه ليس للعوامل الخارجية دور في سعادتنا؟
تخبرنا الدراسة أنه على الرغم من أن الجينات مرتبطة بمستويات السعادة، إلا أن العوامل البيئية الخارجية يمكن أن تؤثر في كيفية إظهار هذه الجينات لأنفسها. لكننا رغم ذلك لا نعرف الكثير عن تأثير البيئة.
لكن إذا كنا قادرين على تحديد موقع جينات معينة، ألن نرغب في إجراء بعض التعديلات على هذه الجينات من أجل أن نصبح أكثر سعادة؟ الإجابة المختصرة هي أن ذلك أمر بعيد المنال حاليًا، رغم أن العلماء يبحثون حول إمكانية فعل ذلك، فهناك نحو عدة آلاف من المتغيرات الوراثية المرتبطة بالسعادة، لذا من المعقد للغاية تغيير الحمض النووي.
وفي محاولة لتحديد موقع الجين المسؤول عن السعادة، أجرى الباحثون دراسة نشرت في دورية العلوم العصبية العلمية، تمكن خلالها الباحثون من تحديد جين ناقل السيروتونين، لكن الدراسة لم تطلق عليه جين السعادة، وإنما أشارت إلى أنه مسؤول عن مستويات أعلى من الرضا عن الحياة.
في حين وجدت دراسة أخرى أجريت في جامعة مينيسوتا الأمريكية، على أكثر من ألفين من التوائم، أن نحو 50% من الرضا الذاتي عن الحياة، يرجع إلى عوامل وراثية، فيما يعزى الرضا الناتج عن الأنشطة المتعمدة 40%، ما يترك 10% فقط للعوامل الخارجية، أي أننا يمكننا التحكم في مستويات السعادة عن طريق ممارسة عديد من الأنشطة.
مما سبق يتبين أن مستوى سعادتك العام (مشاعر الرضا أو السعادة والتجربة الكلية للمتعة والرفاهية والمعنى في الحياة) يتحدد على الأقل جزئيًا بعلم الوراثة، لكن حتى الصفات الجسدية الوراثية، مثل الطول يمكن دفعها للقصر أو للطول الزائد من خلال عوامل خارجية مثل التغذية الجيدة أو الرديئة، فهناك مجال واسع للاختلاف بناء على ظروف حياتك.
فإن كان 50% من السعادة يتحدد بواسطة الجينات إلا أن 10% أخرى تعتمد على الظروف الشخصية مثل الوظيفة والمنزل والشريك وغيره و40% تقع تحت سيطرتك بالكامل. قد تختلف النسب من فرد لآخر وفقًا للأحداث السعيدة أو المؤسفة التي تحدث له. فلا تقلق فهناك 50% من السعادة التي تحددها مواقفنا وسلوكياتنا وقيمنا والعلاقات والصحة والمهن.
كما أن هذه الجينات لا تضمن السعادة، إلا أن مزيج الشخصية الذي ينتج منها يمكن أن يكون محفز عند حدوث أشياء سيئة؛ ما يسمح للناس بأن يكون لديهم "احتياطي عاطفي" من السعادة يمكن استدعاؤه في أوقات التوتر.
هل يمكننا تعلم السعادة؟
نعم، السعادة قابلة للتعلم تمامًا، فهي مرتبطة بالسلوكيات طويلة المدى، لذا علينا الالتزام بالسلوكيات التي تزيد السعادة لتحقيق الازدهار والارتقاء، وذلك بالانخراط في السلوكيات التي تعزز المشاعر الإيجابية في مختلف مجالات الحياة.
من جهة أخرى، يزداد رضانا وسعادتنا باكتمال احتياجاتنا، لكن وفقًا لهرم ماسلو للاحتياجات الأساسية، لا تزداد سعادتنا كثيرًا استنادًا إلى الثروة المادية، لكن مكونات السعادة في الواقع تحت سيطرتنا.
وهناك خمسة عوامل تؤثر في سعادتنا بشكل كبير، هي:
1. التواصل مع الآخرين
وهي من الأمور المؤثرة في رضانا عن الحياة، خاصة في مكان العمل. ويبدأ التواصل بالاستماع الحقيقي، والوجود الفعال عند التواصل مع الآخرين، بجانب التعاطف، وهو ضروري للتفاهم المتبادل والتواصل الإيجابي.
2. النشاط
يعمل دماغ الإنسان بشكل أكثر كفاءة خلال التمرين، حيث يتم إطلاق الإندورفين والدوبامين والنوإيبينيفرين والسيروتونين خلال التمرين، وهي مهمة لتنظيم الحالة المزاجية.
3. التأمل الواعي
ويساعد الإنسان في التخلص من التوتر والقلق والتفكير بطريقة أكثر مرونة ودقة، ويساعد في الشعور بالتجارب الإيجابية، والاستمتاع بها، وتوسيع نطاقها، كما أن التأمل الواعي يعزز قيمة التواجد والشعور باللحظة.
4. التعلم باستمرار
كلما زاد اهتمامك بالتعلم زادت الفرص المتاحة لك لمساعدة الغير، وهو يبقي الدماغ يعمل بشكل جيد، ويكسب مهارات عديدة وربما عمرًا أطول.
5. العطاء
تزيد الأعمال التي تتسم بالعطاء، مثل الأعمال الخيرية والتطوعية، من مستوى الرضا عن الحياة، كما تزيد إفراز النواقل الكيميائية العصبية، مثل الأكسيتوسين والدوبامين.
إن كان 50% من السعادة تحدده الجينات فإن 10% تعتمد على الظروف الخارجية و40% تقع تحت سيطرتك بالكامل
هذا وتشير مثل هذه الدراسات إلى أن جزء كبير من السعادة ينطوي على قبول نفسك كما أنت، وقبول كونك غير كامل، لكن مسؤول وقادر على القيام بعمل أفضل بالنسبة إليك وبالنسبة للآخرين.
اقرأ/ي أيضًا:
التاريخ الدموي للسعادة.. الأوتوبيا الأقسى
دليل مبسط لإضاعة الوقت في مناظرة السعادة.. انحطاط جيجك ضد دوغمائية بيترسون