أثار تقرير مسرب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، جدلًا كبيرًا، لتأكيده على تعرض معتقلي حراك الريف للتعذيب في السجون، وهو ما يتوافق مع شهادات الدفاع عن المعتقلين، في حين تنفيه السلطات الأمنية تمامًا.
والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، هو مؤسسة دستورية، منوطة بمراقبة حالة حقوق الإنسان في البلاد. وقد أقر المجلس في تقرير له، بوجود حالات تعذيب لمعتقلي حراك الريف، تحديدًا 34 حالة التي شملتهم الفحص الطبي.
أكد المجلس القومي لحقوق الإنسان في المغرب، وهو جهة رسمية، تعرض معتقلي الريف للتعذيب في السجون، بما فيهم ناصر زفزافي
وتناول الإعلام المغربي، هذا التقرير بكثير من الاهتمام، خاصة وأنه يأتي من طرف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي يعد مؤسسة رسمية، والذي اعتمد في إقرار وجود حالات التعذيب على شهادات المعنيين بالأمر، وكذا المعاينة الجسدية.
اقرأ/ي أيضًا: "الاغتصاب بالقرعة".. شؤم يعود من جديد مع حراك الريف المغربي
ومن بين الشهادات التي تضمنها التقرير، شهادة ناصر زفزافي، الذي يُشار إليه كقائد لاحتجاجات الريف، إذ أبلغ ناصر الطبيب الشرعي بتلقيه ضربة بواسطة عصًا على رأسه، وضربة اُخرى في العين اليسرى، وضربة في البطن، كما أنّهم وضعوا عصا بين رجليه وفقًا لشهادته، وهو ما اعتبره اعتداءً جنسيًا عليه.
الطبيب الشرعي الذي عاين زفزافي، خلص إلى "وجود آثار للتعذيب في جسده"، من ذلك وجود جرح بقطر سنتيمترين في رأس زفزافي، بالإضافة إلى آثار للكدمات على وجهه.
"الفقيه العلماني": أنا أيضًا تعرضت للتعذيب
من جهة أُخرى، لم يتردد الناشط الريفي، المرتضى إعمراشا المعروف بـ"الفقيه العلماني"، كونه سلفيًا يدافع عن الحقوق الفردية، والمُتابَع حالة سراح بتهم ثقيلة من بينها "الإرهاب"؛ بالتصريح بأنه تعرض للتعذيب خلال فترة اعتقاله، قبل إطلاق سراحه لحضور جنازة والده، قبل أسابيع.
وقال إعمراشا في تدوينة له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: "قضيت أكثر من أسبوع أعالج بالحراسة النظرية بسلا، جراء ما تعرضت له منذ اعتقالي بالحسيمة، وانتقالي إلى سلا. وقد رفض طبيب الحراسة إعطائي شهادة طبية تثبت ما تعرضت له".
وأبدى إعمراشا تعجبه من نفي مديرية الأمن لما جاء به تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول تعرض معتقلي الحراك للتعذيب في السجون، قائلًا: "لا أدري من وراء كل هذا العبث بمؤسسات الدولة، استغرابي راجع إلى بلاغ سابق مشابه ينفي ما حدث في ساحة الشهداء يوم الخامس من كانون الثاني/يناير، في فض اعتصام شباب الحراك، لذلك من حقنا أن نتساءل مرة أخرى هل هذه الأجهزة مخترقة؟".
ولا يُعد إعمراشا الوحيد الذي تحدث عن تعذيب معتقلي حراك الريف. الكثيرون من الناشطين والحقوقيين تحدثوا عن ذلك، من بينهم نعيمة غلاف، محامية سيليا، وهي واحدة من معتقلي الريف، إذ أكدت نعيمة غلاف في تدوينة رمزية على فيسبوك، أنّ عددًا كبيرًا من المعتقلين تعرضوا للتعذيب الجسدي والعنوي.
وعن موكلتها سيليا، قالت نعيمة غلاف، إنها تعرضت لانهيار عصبي بسبب إبقائها في زنزانة انفرادية، استتبع إصابتها باكتئاب نفسي "يستدعي إطلاق سراحها فورًا"، حسبما قالت.
مجلس حقوق الإنسان يوضح والسلطات الأمنية تنفي
من جهته، ومباشرة بعد نفي مديرية الأمن الوطني ما اعتبرتها "ادعاءات" تلك التي وردت في التقرير المسرب للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أصدر الأخير بيانًا قال فيه، إن "الخلاصات والتوصيات التي سينتهي إليها التقرير الشامل والنهائي حول أحداث الحسيمة وتداعياتها، هي المرجع الوحيد للوقوف على تقييمه لمختلف المجريات لكل الأحداث، في أبعادها ومراحلها، بكل حياد وموضوعية ومسؤولية".
وأعرب المجلس عن استغرابه "من عملية التسريب الجزئي التي تمت لوثيقة حرص المجلس أن توجه حصريًا إلى الجهة المعنية"، مُضيفًا: "ورفعًا لكل لبس بخصوص هذا الأمر، فإن المجلس يؤكد أن الاستغلال الأحادي لبعض الشذرات من وثيقة داخلية، قد أدى إلى استنتاجات لم يخلص إليها العمل المنجز من قبل الخبيرين المكلفين من قبل المجلس بشأن الثبوت القطعي لتعرض كل المعتقلين الذين تم فحصهم والاستماع إليهم للتعذيب".
أصدر مجلس حقوق الإنسان بيانًا قال فيه إن التقرير المُسرب جزئي ولا يشتمل على التقييم النهائي
بدورها أعربت المديرية العامة للأمن الوطني، في بيان لها عن "رفضها القاطع للاتهامات والمزاعم" التي وصفتها بـ"الخطيرة والموجهة لمصالحها وموظفيها، والتي أوردها البعض بصيغة الجزم والتأكيد، استنادا إلى وثيقة جزئية منسوبة للمجلس الوطني لحقوق الانسان، تم تسريبها خارج الإطار الرسمي بكيفية مشوبة بالتجاوز"، حسبما جاء في البيان.
القضاء يدخل على الخط
من جانبها دخلت وزارة العدل المغربي على خط، بعد تسريب تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لتحيل التقرير إلى القضاء، مُبيّنةً في بيانٍ لها أنها "أحالت الخبرات الطبية المنجزة حول بعض المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة، فور توصلها به على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاسئناف بالحسيمة".
اقرأ/ي أيضًا: حراك الريف المغربي.. وأزمة العقل السياسي المخزني
وذكرت بأنه "تنفيذا للسياسة الجنائية المتبعة في كل حالات الادعاء بالتعذيب، فقد سبق للنيابة العامة أن التمست من قاضيي التحقيق إجراء خبرة على كل من ادعى التعذيب، حيث تم إجراء الخبرات الطبية القضائية المنصوص عليها قانونًا".
اقرأ/ي أيضًا: