ينخرط الشباب اليمني في الاقتتال مع جهة معينة ضد جهة أخرى، وقد دفع غياب الرقابة والتوعية الكثير منهم أيضًا إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية وإلى المتاجرة بالسلاح. وللحد من ظاهرة حمل السلاح، التي أصبحت موضة لدى الشباب في مدينة عدن، انطلقت عديد المحاولات من خشبة المسرح.
"حكاية أسامة" هي بادرة مسرحية موجهة للطلاب للتوعية من خطر السلاح والانضمام للتنظيمات الإرهابية في عدن
يتعلق الأمر ببادرة مسرحية تحت مسمى "حكاية أسامة"، هي الأولى من نوعها في جنوب اليمن، وفي مدينة عدن التي حاولت عبر "فرقة خليج عدن"، الالتفاف حول هذه الشريحة اليافعة من المجتمع من خلال المسرح التفاعلي. عينات كثيرة من الشباب والشابات تفاعلوا لتقديم الحلول مسرحيًا، مرورًا بأكثر من عشر مدارس، وعروض بلغت العشرين عرضًا بالتعاون مع إذاعة هولندا، والتي عبر الكثيرون أنها أنتجت حلولًا ديناميكية جديدة وبعيدة عن طابع القوة والأوامر والقوانين، وهو ما يعكس مدى التفاوت بين قوة الفن والمسرح وقوة الشرطة ورجال الأمن.
اقرأ/ي أيضًا: ليس بعيدًا عن الحرب.. "أطفال عدن يقرؤون"
وقد تلقت "فرقة خليج عدن" دورة مكثفة في جمهورية الأردن عن مسرح المضطهدين والمكتئبين التفاعلي، وأكد أعضاء الفريق أنهم "اكتسبوا من الدورة خبرات عملية كثيرة وأيضًا مرونة في كيفية التفاعل مع الجمهور لحل المشاكل والمعاناة وإسقاطها على المسرح بشكل بناء وفعال وحيوي". رائد طه، المشرف العام في "فرقة خليج عدن" المسرحية، والمسؤول على مسرحية "حكاية أسامة" التفاعلية التوعوية، صرح لـ"الترا صوت": "تدور أحداث "حكاية أسامة" حول شاب مراهق اسمه أسامة، وقد اضطر والده، نتيجة للنزوح ومقومات الحياة الهشة التي خلفتها الحرب، إلى إرساله إلى العمل في سن صغيرة دون وعي منه بنوعية العمل الذي سيقوم به ابنه، وكان العمل هو الاتجار بالسلاح".
ويضيف: "استطاع رب العمل ومساعده استدراج أسامة وإقناعه بممارسة العمل عن طريق إغراءات مادية وإيهامه بإتاحة الفرصة لاحقًا أمامه لتحقيق هدفه في أن يكون لاعب كرة قدم عالمي وأيضًا أن يكمل دراسته، التي تركها بسبب انشغاله بالعمل". تتسارع مجريات المسرحية إلى أن يتم توريط "أسامة" في عملية مداهمة لإحدى السيارات والترصد لها في الشارع لسرقتها، ليكون بعدها شريك القاتل، الذي قام بالعملية كاملة، وسط حيرة وصراخ أسامة الذي لم يقم بشيء فعليًا". ويتابع: "أوقفنا المسرحية عند هذا المشهد الأخير لنقوم بعدها بطرح الحلول والتشاور مع الطلاب المشاهدين حول إمكانية إنقاذ أسامة من ورطته أو ما يمكننا تغييره في أحد مشاهد المسرحية لكي نحول بين أسامة وبين هذا المصير، فدورنا يقوم بعرض المسرحية ثم العمل بشكل جماعي مع الطلاب الذين تابعوا العرض لإنقاذ أسامة".
اقرأ/ي أيضًا: كليات طب وهندسة مصر.. "داعش" مرَّ من هنا
تعتمد مسرحية "حكاية أسامة" على المسرح التفاعلي وقد أنتجت حلولًا ديناميكية جديدة وبعيدة عن طابع الأوامر والقوانين
وعن الهدف من المسرحية، يضيف: "أردنا إيصال فكرة أن حمل السلاح أو الانخراط مع الجماعات المسلحة ومن ثم عمليات التفجير والانتحار، لا تأتي بشكل مباشر بل عن طريق عدة عوامل تعمل على استدراج الشباب وإقناعهم". وتوضح عبير عبد الكريم، التي جسدت شخصية الأم في المسرحية، لـ"الترا صوت": أن "الخطأ انطلق من تقديم شأن الأسرة على مستقبل أسامة المراهق الصغير وعلى طموحاته، فقصة عائلة أسامة استلهمت من قصص عائلات نازحة نسمعها ونراها بشكل يومي في مدينة عدن، وعديدة هي العائلات التي تضررت بسبب الحرب، والذين شردوا من مدنهم وأوقفت رواتبهم الحكومية، الأمر الواقع الذي يضطر الوالدين في آخر المطاف إلى دفع الابن الأكبر للعمل حتى وإن كان طفلًا وهؤلاء يقعون على الأغلب في مصايد تجار الأسلحة أو الإرهابيين".
لاقت عروض "حكاية أسامة" المسرحية تفاعلاً كبيرًا من قبل الطلاب الحاضرين، الذين حاولوا تقديم الحلول لمشكلة لجوء الشباب للاتجار بالسلاح بغرض الحصول على المال دون معرفة العواقب، وأقدم الكثير منهم على صعود إلى خشبة المسرح وإضافة بعض الفقرات وتخيل بعض المشاهد المسرحية. الطالبة نعمة سمير وزميلتها وسيلة أحمد، تقمصتا دور الأم في المسرحية وحاولتا جعل قرار الأم حاسمًا في إقناع والد أسامة بالتخلي عن فكرة عمل ابنه في سن صغيرة، أما الطالبة نعمة محمود فقد أضافت مشهدًا إضافيًا لعبت فيه دور زميل أسامة الذي حاول إقناعه وتقديم يد العون له في فتح مشروع صغير لمنعه من الالتحاق بأي عمل خطير.
وتؤكد الأستاذة اعتدال محمد، وكيلة مدرسة عبد الباري قاسم الثانوية للبنات في مدينة عدن، لـ"الترا صوت" أن "معالجة مشاكل المجتمع هو جزء مهم أيضًا من الواجب التربوي والتعليمي"، وتشير الأستاذة وفاء حسن، أستاذة الفنون، إلى "أهمية دور الأدباء والفنانين والجمعيات والمؤسسات الإعلامية في التوعية بخطورة السلاح، وفي مفهوم الأحقية في حمل السلاح والذي من المفترض أن تنفرد به قوات الأمن فقط". وعن طموح وآمال "فرقة خليج عدن"، تحدث مشرف الفرقة رائد: "هدفنا على المدى البعيد أن نجعل المسرح ورشة عمل، نهدف إلى إقامة مسرحيات متخصصة باليافعين تكون مبنية على نقد وتفاعل عملي من قبل الجمهور، بحيث نخرج بمسودة حلول ومقترحات مفيدة نستطيع لاحقًا نشرها في الصحف وفي الإنترنت وتعم الفائدة".
اقرأ/ي أيضًا: