من السّائد أن التلميذ الجزائري يتلقى تلقيحات داخل مدرسته، ضد أمراض قائمة أو محتملة، في إطار الطب المدرسي الذي بات حقيقةً مكرّسة في الفضاء الجزائري، يستفيد منه قرابة ثمانية ملايين متمدرس في الأطوار الثلاثة الأولى.
تمر حملات التلقيح المدرسي بهدوء على عكس الحملة الأخيرة في الجزائر والتي ترافقت مع إشاعات حول أن التلاقيح تؤدي إلى وفاة الأطفال
وقد مرّت حملات التلقيح السابقة في هدوء، عكس الحملة الحالية التي تستهدف مرض الحصبة والحصبة الألمانية، إذ شاع أيامًا قبل انطلاقها أن المصل الذي يتلقاه الطفل يؤدي إلى وفاته، بعد أعراض منها الحمى والإغماء، ما أثار الرعب في أوساط التلاميذ وأسرهم معًا، ووصلت ردود أفعال بعض الأولياء إلى منع صغارهم من الالتحاق بالمدارس، بما سماه لنا مدير إحداها في مدينة باب الزوار بـ"العصيان التربوي".
اقرأ/ي أيضًا: طلبة جزائريون.. أن تدرس أكثر من تخصّص
أمام هذا الوضع، وجهت "جمعية أولياء التلاميذ" مساءلةً إلى وزارة التربية، طالبتها فيها بتوضيح طبيعة اللقاح، فردت الوزيرة نورية بن غبريت بالقول إن الأمر يتعلق بالمواعيد الدولية للتلقيح، وإن المصل صحي ولا خوف منه. في السياق، قال أحد مستشاريها لـ"ألترا صوت" إنه لا يفهم هذه الضجة إلا في إطار التشويش على الوزيرة وبرنامجها الإصلاحي الطموح، "لنفرض أن المصل قاتل فعلًا، فهل يُعقل أن نغامر بقتل ثمانية ملايين تلميذ؟".
لم تنفع هذه التطمينات الرسمية، في تخفيف تخوفات المجتمع المدني، أمام حالات من الأعراض، مثل الحمى والإرهاق، ظهرت على عينات قليلة من التلاميذ الملقحين، لكن روح الإشاعة وتهويل البعض في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، نقل هذه العينات من الاستثناء، وجعلها دليلًا على المفعول السيئ للقاح. هنا طالب البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية وحماية حقوق الطفل، وزارة التربية بتوقيف حملة التلقيح مؤقتًا، "حتى تقوم بحملة توعية في أوساط الأسر، ذلك أن الأمر لا يتعلق بحملة لتطعيم الفئران".
اقرأ/ي أيضًا: النقل المدرسي في الجزائر... همّ الطلاب قبل الدرس
ووقف "ألترا صوت" على حالة الاضطراب والفوضى والإشاعة والإشاعة المضادة، أمام أكثر من مدرسة شرق الجزائر العاصمة، وما يؤسف له، حسب فاطمة الزهراء التي كانت تقبض على يد ابنتها المرعوبة، أن هذه الفوضى تزامنت مع امتحانات الفصل الثاني، "وهو ما أثر في حماس ابنتي للمراجعة والحفظ، إنها صغيرة وقد سمعت بأنها ستموت إن هم لقحوها".
حالة من الاضطراب والفوضى والإشاعة أمام أكثر من مدرسة جزائرية جراء انتشار الإشاعات حول التلقيح الأخير رغم نفي الوزارة أي خطر
لم تكن فاطمة الزهراء الوحيدة قرب باب المدرسة، بل إن معظم الأولياء، خاصة النساء، حضروا مع أولادهم، وكان يقابل حماسَهم في الحديث، انكماشُ التلاميذ خوفًا من مصير باتوا مقتنعين به. يسأل سعد الدين محساس: "من كان وراء الحكم على أن اللقاح قاتل؟ هل خرج هذا الحكم من مخبر محترف؟ وزارة الصحة نفسها طمأنتنا ودعت إلى الموافقة على التلقيح". يتدارك: "لا شك في أن جهة منافسة للجهة التي استوردت المصل من الخارج هي من سرّب هذه الإشاعة حتى تستولي على الصفقة، بعد تعطيل الصفقة الجارية". يرد عليه أحدهم غاضبًا: "ولكن من يضمن لي أنها إشاعة خاضعة للمنطق التجاري الذي تتحدث عنه؟ إنني لست مستعدًا لأن أخسر طفلي".
ولم يتخلف رواد موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن التفاعل مع الوضع. يقول عبد الله عباسي: "على وزارة التربية أن تستمع إلى أنشودة "يا شهاب يا كذاب"، فهي تنطبق عليها"، ويقول خالد رضوان: "تتعامل وزارة التربية مع المواطنين بعقلية الثمانينيات حيث كانت المعلومة شحيحة". فيما اعترف عبد الغني خرفي بأنه رفض التلقيح حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود، "هذا لقاح والخطأ فيه غير مسموح".
اقرأ/ي أيضًا: