ألترا صوت – فريق التحرير
بعد معاناة مع المرض، انتهت بدخولها في الغيبوبة، رحلت اليوم الشاعرة والقاصة الأردنية كوليت أبو حسين في مدينة عمّان.
عرفت كوليت أبو حسين بشخصيتها الصاخبة، وحضورها المشاكس، وحبها الكبير للحياة. تميّزت قصائدها بحس فاجع يرى إلى الحياة نوعًا من الموت، وكثيرًا ما كتبت عن موتها الشخصي وكأنه تحصيل حاصل. كما بثّت في نصوصها طاقة من العنف والسخرية وعدم قبول منطق الحياة القائم على مراكمة الغياب والغائبين.
تميّزت قصائد كوليت أبو حسين بحس فاجع، يرى إلى الحياة نوعًا من الموت، وكثيرًا ما كتبت عن موتها الشخصي وكأنه تحصيل حاصل
رغم أنها لم تنشر سوى قصائد وقصص متفرقة في الصحف والمواقع الإلكترونية، إذ كانت ترجئ دومًا نشر ديوانها الأول الذي عنونته بـ"ولدتني امرأة عجوز"، إلا أنها عام 2011 أطلقت مغامرتها في مشروعها الطموح "دار كاف"، التي نشرت من خلالها بعض الأعمال الأدبية، خصوصًا المجموعات الشعرية.
اقرأ/ي أيضًا: إيمان مرسال.. الشعر في جنّة السرد
أثار رحيل الشاعرة حزنًا في الوسط الثقافي والشعري. فكتبت الشاعرة رجاء غانم: "رحلت كوليت خفيفة ووحيدة كما عاشت.. رحلت ذات اللسان اللاذع والشعر الجريء. أذكر في إحدى ليالي وحدتها أنها كتبتْ لقد أعددت طعامًا شهيًا تعالوا إلي يا أصدقاء يا معارف يا جيران وسأسامحكم جميعًا.. فقط تعالوا معي هذه الليلة. لم تكن ليلة واحدة يا كوليت كانت شرنقة الوحدة تكبر وتكبر ولم يأت أحد ولم يسمع ما تقولينه. لا تنعوا كوليت هي في طريقها الآن نحو نجمة حنونة لا تنطفئ. تعد طعامها كالعادة وكؤوسها وشِعرها وتضحك كثيرًا.. ربما علينا أيضًا، كيف نجلس في حضن العدم ولا نكترث لصوت العصافير. إلى اللقاء يا كوليت".
وكتب الشاعر فخري رطروط على صفحته في فيسبوك: "لا أصدق أن الموت يستطيع هزيمة كوليت أبو حسين، لمْ أر في حياتي إنسانًا يحب الحياة مثلها، كأنها كانت تعرف أن عمرها قصير، فعاشت الحياة بشكل مكثف. عرفتها هذه السنة في عمان بشكل شخصي، زرتها في بيتها حيث تعيش مع خالد شلبية، شعرت بأنها واحدة من عائلتي، حكتْ لي طويلًا عن موت أمها المبكر، وعن زياراتها المتواصلة لمقبرة الرصيفة، عن نجاتها من جلطة في العشرينات، عن افتتاحها دار نشر كاف، عن المثقفين السفلة الذين نصبوا عليها".
كما كتب الشاعر جمال القيسي: "ترحل الليلة الصديقة كوليت أبو حسين. لم يقبل الموت بغير المرأة الرقيقة العذبة الكريمة. ملاذ الكثيرين من أصدقائها وصديقاتها في الشدائد النفسية والمادية. توقف قلب امرأة عذبها رحيل أمها".
يختفون في آخر النفق
1
تسكنني الفكرة مثل حب جديد
تسكنني فكرة الموت مثل أصابع الغريب..
أترك له النور مضاءً كل ليلة
فالموت مثلي،
يخاف من العتمة.
أنا لم يغب الموتى من حياتي
وحدهم الأحياء من فعلوا.
يختفون في آخر النفق،
ليس لأنهم يتبعون الضوء في آخره
بل لأنهم يريدون العتمة.
2
قلبي مقبرة جماعية أيها الأحبة
وعلاقاتي بكم محض جرائم..
أراقب المطر من شبّاك صغير يطلّ على اللا شيء، واللا أحد.
المطر شياطين صغيرة،
المطر شياطين صغيرة تنكش أمراضي العصية على حبوب البروزاك والزانكس..
أعيد ترتيب عُقدي السوداء.
أفكّر كيف سيكون العالم مريحاً لي لو ماتت كل الأمّهات، أمهات الآخرين، لنصبح جميعنا أيتامًا ومكلومين
كيف سيبدو العالم ساحة بيضاء ونظيفة لو أني خطفت كل الأطفال حديثي الولادة، وحبستهم في غابة، ليصير الجميع عاقرًا وبلا أولاد..
سيكون المنظر جميلًا وأنا أضع كل الأصدقاء في قفص حديدي، وأرقبهم بفرح وهم يأكلون بعضهم
ثم أدفن الأحبة في مقابر جماعية
وأنام..
أتلحف عُقدي والأسود وأنام مثل ساحرة عجوز
وأنا لم أحسم بعد؛ إن كنت سأحز ساعدي أو أن أنتحر بجرعة زائدة من أية حبوب مهدئة منتهية الصلاحية لم آخذها منذ سنة!!
3
عندما نثروا الأسماء في غرفِ الولادة، رأيت اسمي يسقط على جبهةِ طفلةٍ أخرى
لَم تكن يديّ تصلُ الى مَهدها لأستردّه
الممرّضة ذات الوجه الطّويل لم تعرف أنني كنتُ أبكي خلفَ موسيقى اسمي التّي غابت حين غادرت الطفلة وبقيت أنا في الخداج.
عندما نَمت أظافري.. خدشتُ ما كتبوه فوق ناصيتي..
وَسِرتُ بلا اسم
حتّى وجدته..
إلى الآن، كلما شعرت برغبةٍ في الرقص
خلعته.. ورقصنا معًا.
- من القصائد التي واظبت على نشرها في "العربي الجديد".
اقرأ/ي أيضًا: