29-مايو-2024
المخرجة المغربية أسماء المدير

تحولت الظاهرات الفنية الأوروبية إلى مساحة للتضامن مع فلسطين رغم التضييق (رويترز)

اتخذت بعض الدول الأوروبية، سيما الكبرى منها، موقفًا منحازًا لـ"إسرائيل" في عدوانها على قطاع غزة لم يتغيّر رغم كل الجرائم التي ارتكبتها الأخيرة بحق المدنيين العُزّل في القطاع المحاصر والمنكوب.

وبينما كانت حكومات هذه الدول تقمع التظاهرات التضامنية مع قطاع غزة، وتضيّق على أي حراك أو نشاط تضامني معه، راحت شنّت مؤسساتها الثقافية والأكاديمية حربًا غير مسبوقة ضد المثقفين والفنانين الفلسطينيين أو المتضامنين معهم، حيث فرضت رقابة شديدة على الأصوات الفلسطينية وتلك الداعمة لها، ومارست ضدها ولا تزال قمعًا غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية بهدف إسكاتها دفاعًا عن "إسرائيل".

ولم تكن التظاهرات الفنية والسينمائية في هذه الدول بعيدة عن هذا المناخ، إذ حاولت بدورها قمع وإسكات أصوات الفلسطينيين والمتضامنين معهم، وحظرت الأعلام والرموز الفلسطينية وكل ما يشير إلى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بحجة فصل الفن عن السياسة، علمًا أن الأخيرة كانت حاضرة عبر القضايا التي تهم الغرب فقط، مثل الحرب في أوكرانيا وقمع الحريات في إيران، وغير ذلك.

أثبت حضور فلسطين في هذه التظاهرات، رغم التضييق، أنه لم يعد ممكنًا بعد اليوم تجاهل القضية الفلسطينية وتهميشها، والسكوت عن الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة

المفارقة أن فلسطين كانت حاضرة في هذه التظاهرات رغم جميع الإجراءات المتخذة لتهميشها. الأحرى أنها كانت عنوانها الأبرز، وأن هذه التظاهرات كانت حاضرة في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي نتيجة حضور فلسطين فيها، ومنها "مهرجان كان السينمائي" الذي حظر التظاهرات والأعلام والرموز الفلسطينية ولكن دون جدوى، حيث عبّر العديد من الفنانين المشاركين في المهرجان عن تضامنهم مع قطاع غزة وإدانته للحرب الإسرائيلية المتواصلة عليه كلٌ بطريقته.

مهرجان كان.. تضامن واسع مع فلسطين وغزة

ولم يشغل المهرجان السينمائي العريق حديث وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي إلا عندما كان الأمر يتعلق بفلسطين. وعلى سبيل المثال، أثار فستان الفنانة الأسترالية كيت بلانشيت جدلًا واسعًا في مواقع التواصل الاجتماعي استمر لعدة أيام، إذ رأى كثيرون أن ألوان الفستان تجمع ألوان العلم الفلسطيني الأسود والأبيض والأخضر، بينما أكملت السجادة الحمراء بقية ألوانه.

واعتبر كثيرون أن الفستان رسالة دعم ضمنية لفلسطين وقطاع غزة، فيما رأى آخرون أن الفستان بعيد عن ألوان العلم الفلسطيني ولا يمت لها بصلة. ومع ذلك، كان الجدل الذي أثاره الفستان فرصة لإثبات حضور فلسطين وقضيتها والحرب على غزة في المهرجان رغم حظر وتضييق المنظمين.

ولم يقتصر الأمر على بلانشيت، حيث أدانت المخرجة اللبنانية نادين لبكي الحرب على غزة، وصمت العالم إزاء الفظائع اليومية التي تُرتكب في القطاع، خلال تسليم المخرج الإيراني محمد رسولوف جائزة لجنة التحكيم، وهي من أعضائها. وقالت إنه: "ليس من الطبيعي أن تبقى طبيعياً عندما يموت آلاف الأطفال تحت القنابل أثناء نومهم"، في إشارة إلى غزة.

كيت بلانشيت

وأثناء التقاط الصور لها على السجادة الحمراء، في الحفل الختامي للمهرجان، رفعت المخرجة المغربية أسماء المدير كفها ليظهر على قفازها علم فلسطين. ونشرت المدير هذه الصور على حسابها في "إنستغرام" وطالبت بوقف إطلاق النار بغزة.

ووضعت الفنانة الإيطالية جاسمين ترينكا دبوسًا عليه علم فلسطين، بينما ارتدى الممثل الأسترالي رشاد ستريك الكوفية الفلسطينية، وظهرت الفنانة الفرنسية باسكال كان بقميص مكتوب عليه "فلسطين" باللغة العربية. ووضع الأسترالي غاي بيرس دبوسًا بعلم فلسطين.

مسابقة الأغنية الأوروبية.. فلسطين حاضرة رغم منع علمها ورموزها

بدورها، منعت مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن"، التي أُقيمت في مدينة مالمو السويدية خلال الفترة بين 7 – 11 أيار/مايو الجاري، رفع علم فلسطين خلال فعاليات المسابقة وحظر أي أعلام أو رموز مؤيدة للفلسطينيين.

وانحازت المسابقة، بشكل فاضح، إلى "إسرائيل" متجاهلةً ما يحدث في غزة، حيث رفض اتحاد الإذاعات الأوروبية، الذي ينظم التظاهرة، الاستجابة لمطالب آلاف الناشطين والفنانين باستبعاد "إسرائيل" من المسابقة كما استبعد روسيا في عام 2022 بسبب غزوها لأوكرانيا، ما دفع الفنانين والناشطين للدعوة إلى مقاطعة المسابقة.

ورغم حظر الأعلام والرموز الفلسطينية إلا أن فلسطين كانت حاضرة في المسابقة، حيث ارتدى المغني السويدي من أصل فلسطيني، إريك سعادة، الكوفية الفلسطينية على معصمه تعبيرًا عن تضامنه مع غزة، وتنديدًا بالحرب الإسرائيلية عليها، واحتجاجًا على مشاركة "إسرائيل" في المسابقة.

وشهدت مدينة مالمو السويدية، حيث أُقيمت المسابقة، عدة تظاهرات حاشدة تضامنًا مع قطاع غزة، وتنديدًا بمشاركة "إسرائيل" في المسابقة، وللمطالبة بمنع الوفد الإسرائيلي من المشاركة. كما انتقدوا "ازدواجية المعايير" نظرًا لاستبعاد روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، والسماح بمشاركة "إسرائيل" رغم حربها الوحشية المستمرة عل قطاع غزة.

مظاهرة احتجاجًا على مشاركة إسرائيل في مسابقة الأغنية الأوروبية

برلين السينمائي.. ساحة للتضامن مع غزة

وتماشيًا مع سياسات الحكومة الألمانية وانحيازها المتطرف لـ"إسرائيل" في حربها على غزة، أراد منظمو مهرجان برلين السينمائي أن تكون دورته الـ74، أُقيمت بين 15 – 25 شباط/فبراير الفائت، خالية من أي إشارة إلى ما يحدث في غزة، أو أية رموز تُشير إلى فلسطين. ولكن ما حدث هو العكس، حيث تحوّل المهرجان إلى ساحة للتعبير عن التضامن مع غزة، ما وضع المنظمين والمسؤولين الألمان في مأزق.

وشهد المهرجان السينمائي العريق تعبير العديد من الفنانين والمخرجين المشاركين فيه عن دعمهم وتضامنهم مع غزة، حيث هتفت المخرجة الفرنسية السنغالية الأصل، ماتي ديوب، بعد تسلمها جائزة الدب الذهبي، أرفع جوائز المهرجان؛ هتفت على منصة المسرح: "أنا مع فلسطين"، مؤكدةً مساندتها للشعب الفلسطيني، ودعمها الكامل لأهل غزة ضد الحرب الإسرائيلية.

وارتدى المخرج الأميركي بن راسل الكوفية الفلسطينية خلال مشاركته في المهرجان، وشدّد في تصريحاته على أن ما تقوم به "إسرائيل" في قطاع غزة هو "إبادة جماعية موصوفة"، ما أثار غضب الألمان الذين اتهموه بـ"معاداة السامية".

وتفاجأ منظمو المهرجان والمسؤولين الحكوميين بخطاب المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام، الفائز بجائزة أفضل فيلم وثائقي برفقة الفلسطيني باسل عدرا عن فيلمها "لا أرض أخرى"، الذي انتقد السياسات الإسرائيلية تجاه فلسطين، وقال إن حكومة الاحتلال تمارس الفصل العنصري في الضفة الغربية، وطالب بوقف الحرب في غزة. بينما أنهى الفلسطيني باسل عدرا خطابه بقوله إن "إسرائيل": "تذبح الشعب الفلسطيني"، لتتصاعد حينها صيحات التأكيد والتأييد من قِبل الحضور.   

في المقابل، شن الإعلام الألماني هجومًا حادًا على الفنانين والمخرجين المتضامين مع فلسطين واتهموهم بمعاداة السامية. فيما توعدت الحكومة الألمانية بفتح تحقيق حول ما حدث في المهرجان لضمان عدم تكراره.

أثبت حضور فلسطين في هذه التظاهرات، رغم التضييق وحظر الرموز الفلسطينية، أنه لم يعد ممكنًا بعد اليوم تجاهل القضية الفلسطينية وتهميشها، وأن السكوت عن الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة لم يعد مقبولًا على الإطلاق. كما أكدت هذه المناسبات ازدواجية معايير الغرب ومؤسساته الثقافية التي عبّرت عن تضامنها مع أوكرانيا بمختلف الطرق الممكنة، لكنها سعت إلى تجاهل ما يحدث في غزة بسبب انحيازها المتطرف إلى "إسرائيل" المتهمة أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية بغزة.