تنكشف مع الوقت دعاية الاعتدال التي روج لها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كسردية جديدة تسبق تسلمه للسلطة، ويظهر مع الوقت أن مفهوم الاعتدال لا يتضمن إلا العلاقة مع إسرائيل، والتطبيع المتواصل معها. فقد استمرت الاعتقالات للناشطين والناشطات، وتواصلت الانتهاكات الحقوقية وتصاعدت أكثر من أي وقت مضى، خاصة ضد الناشطات النسويات. يرصد هذا التقرير المترجم عن صحيفة "واشنطن بوست" حملة الاعتقالات والتشهير الأخيرة ضد أي نشاط نسائي في السعودية، في الوقت الذي تم فيه الترويج السعودي لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في البلاد وكأنه باب الحرية المنتظر، وتلقفته آلة البروباغندا المدفوعة في الإعلام الغربي بحفاوة إعلانية!
قدم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نفسه على أنه المصلح، الذي يدعو إلى تحقيق المساواة للمرأة ومنحها الحق في قيادة السيارة. إلا أنه في الأيام القليلة الماضية، اُعتقل النشطاء السعوديون الذين دعوا إلى تلك الأمور بالتحديد، واتهمتهم السلطات بتقويض الأمن القومي ووصفوا بأنهم "خونة" في الصحف الموالية للحكومة.
استهدفت حملة القمع الشرسة التي تقودها الدولة أبرز المدافعين عن حقوق المرأة في السعودية
وقد استهدفت حملة القمع الشرسة التي تقودها الدولة أبرز المدافعين عن حقوق المرأة في السعودية، بما في ذلك النشطاء الذين قادوا الاحتجاجات الأولى ضد الحظر المفروض على القيادة منذ عقود، وسُجنوا بسبب ذلك.
إلا أن الاعتقالات كانت محيرة من ناحية التوقيت، فقد حدثت قبل أسابيع فقط من رفع الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة. بيد أن السعوديين أصابهم الذهول من خطورة الاتهامات والهجمات الشخصية البالغة على النشطاء، الذين وزعت صورهم في وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة، فيما وصفته جماعات حقوق الإنسان بحملة تشويه تهدف إلى إسكات الدعوات المطالبة بحقوق المرأة.
اقرأ/ي أيضًا: دفاعًا عن حقوق المرأة أم تطلعات ابن سلمان؟!
يمثل عمل الناشطات السعوديات المُدافعات عن حقوق المرأة من عدة نواح آخر بصيص من النشاط المسموح به في السعودية، التي يُسيطر عليها نظام الحكم القائم على الملكية المُطلقة. إذ تسعى الحركات النسوية إلى تحقيق بعض الأهداف، مثل إلغاء النظام الذي يطلب من المرأة الحصول على موافقة ولي الأمر الذكر للسفر أو للزواج، الأمر الذي قد أصبح جزءًا من المحادثات العامة السائدة ولا يبدو أنه يعبر الخطوط الحمراء التي فرضتها السلطات السعودية بصرامة، عندما يتحول النشاط إلى سياسة.
وقالت سيدة سعودية تبلغ من العمر 33 عامًا، شاركت في الحملة ضد قوانين الوصاية السعودية بعد أن حاول شقيقها أن يُزوجها من شريكه في العمل، وتحدثت بشرط عدم الكشف عن هويتها خوفًا من الانتقام: "كان الصوت الوحيد المُتبقي هو صوت الناشطات اللواتي ظللن يتحدثن عن الوصاية".
قد تكون الاعتقالات إرضاء من ابن سلمان للتيار الديني المتزمت في المملكة بعد حملة "إصلاحاته" الدعائية
وأضافت المرأة أنها رفضت واتصلت بالخط الساخن التابع للحكومة طلبًا للمساعدة. بدلًا من ذلك، انحاز الشخص الذي تلقى اتصالها إلى شقيقها، مشيرًا إلى حقه في أن تطيعه النساء اللواتي يقوم على رعايتهن وإعالتهن. وأردفت قائلةً عن زميلاتها من الناشطات السعوديات، إنه "لم يكن هناك أي دوافع أو أهداف خفية ضد الحكومة، فنحن لم نتطرق أو نطالب بأي حقوق سياسية. بل طالبنا بحقوق الإنسان".
في حين تشكل اعتقالات المدافعين عن حقوق المرأة استمرارًا للنمط السائد، فخلال العام الماضي، بينما كان ولي العهد يعمل على توطيد سلطته، اعتقلت السلطات عشرات المعارضين والأعداء المحتملين، بما في ذلك النشطاء الحقوقيين ورجال الدين ورجال الأعمال والأمراء.
اقرأ/ي أيضًا: "محكوم عليهن بالصمت".. الانتهاكات ضد نساء السعودية تفضح تناقضات ابن سلمان
بينما في الموجات السابقة من الاعتقالات، لم يُكشف عن تفاصيل الاعتقالات، التي تنطوي على أسماء أولئك المسجونين، وقال المسؤولون إنهم مضطرون إلى احترام خصوصية المتهمين.
وقد بدا أن القواعد مختلفة عندما يتعلق الأمر بالناشطات. فقد قالت هالة الدوسري، وهي مدافعة سعودية عن حقوق الإنسان قريبة من العديد من النشطاء المحتجزين، بعد أن انتشرت في يوم الجمعة أنباء عن اعتقال خمس نساء ورجلين: "بدأت أرى تصريحات بأنهم خونة ويستحقون العقاب". وقد نشرت صحيفة سعودية يومية صورًا للناشطات لجين الهذلول وعزيزة يوسف على صفحتها الأولى. وأضافت هالة الدوسري: "لقد شعرت بالقلق الشديد. إذ إن هذا الأمر لم يكن معهودًا من قبل".
وأردفت هالة الدوسري قائلةً إنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال الناشطات أو يتعرضن لحملات التشهير. إلا أن السلطات قد حذرت معظم المعتقلين الذين تم اعتقالهم خلال الأيام القليلة الماضية مرارًا، بأن عليهم ألا يتحدثوا عن الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة أو المشاركة في الأنشطة العامة الأخرى.
نشرت صحيفة سعودية صورًا تشهيرية للناشطات لجين الهذلول وعزيزة يوسف على صفحتها الأولى
ومن بين المُعتقلات الأخريات، بالإضافة إلى الناشطتين لجين الهذلول وعزيزة يوسف، مديحة العجروش وعائشة المناع، اللتان شاركتا في الاحتجاجات الأولى ضد حظر القيادة في عام 1990، وإيمان النفجان، وهي أستاذة جامعية ومدونة.
وقالت كريستين سميث ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، إن الاعتقالات "بدت في البداية وكأنها شيء رأيناه من قبل: مجرد تأديب للناشطين للسيطرة عليهم، وإظهار أن النشاط لا يفيد وللتأكيد على أن جميع التغييرات تحدث في ظل سلطة القيادة". وأضافت: لكن مع تصاعد الهجمات على النشطاء، فإنها تبدو أشبه "بمحاولة للتشهير والإذلال العام، وبذل جهد حقيقي لتعبئة المجتمع لدعمها".
اقرأ/ي أيضًا:
قيادة المرأة للسيارة..ابن سلمان في فرصة مع "التنوير" بعد الفشل في كل شيء