ربّما قد يخطر على ذهن الكثيرين عند الحديث عن أسباب التصحّر منظر كثبانٍ رملية تزحف خارج الصحراء، إلّا أن التصحّر وأسبابه مشكلة كبيرة تتجاوز المناطق الصحراوية.
تستعرض هذه المقالة تعريف التصحّر وكيف ينتشر، بالإضافة إلى أسباب التصحّر التي تُهدد العالم، كذلك تُقدّم مجموعة من الحلول لمشكلة التصحّر وعلاجها، وأخيرًا مجموعة من دراساتٍ سابقة عن التصحر.
تعريف التصحر
استجابةً لدعوة أطلقها مؤتمر قمة الأمم المتحدة المعني بالأرض، والذي عُقد في ريو دي جانيرو عام 1992، أنشأت الأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر عام 1994 ووقّعت عليها 122 دولة، وهي اتفاقية دولية تربط البيئة والتنمية بالإدارة المستدامة للأراضي. وقد عرّفت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر التصحّر بأنّه "تدهور وضع الأراضي في المناطق الجافة والقاحلة وشبه القاحلة نتيجة عوامل مختلفة، منها الأنشطة البشرية والتغيّر المناخي".
إذًا، لا يُشير مصطلح التصحّر إلى توسّع الصحاري وانتقال الرمال خارجها، بل هو مصطلح شامل يُعبّر عن تدهور أوضاع الأراضي في المناطق شحيحة المياه حول العالم، ويُقصد بتدهور أوضاع الأراضي التدهور في نوعية التربة والغطاء النباتي وشًح المصادر المائية، وكذلك تدهور الحياة البرية، كما يشمل أيضًا على تدهور إنتاجية الأرض والقدرة على زراعتها لأغراض الغذاء والتجارة.
كيف يحدث التصحر؟
على الرغم من الاختلافات في تفسير مُصطلح التصحّر، إلّا أن النتيجة من وراء انتشار التصحّر واحدة، إذ يصف الخبراء التصحّر بأنّه أكبر تحدّي للإنسان في العصر الحالي، كونه يُهدّد الأمن الغذائي لما يقارب الملياري شخص.
وفي حين أنّ التصحّر يحدث على مر التاريخ، إلّا أنّ وتيرة انتشاره قد تضاعفت في السنوات الأخيرة. وبحسب الأمم المُتحدة، تُشكّل الأراضي الجافة التي طالها التصحّر أكثر من 40% من مساحة الأرض حول العالم. ويعيش في الأراضي الجافة التي تتعرّض للتصحّر حوالي 2 مليار شخص، مما قد يؤدي إلى تشريد ما يقارب الخمسين مليون شخص بحلول عام 2030، بحسب تقديرات الأمم المُتحدة.
ويحدث التصحّر وتدهور الأراضي نتيجة عدة عوامل، منها التحضّر وبناء المدن والزراعة وتربية الحيوانات، حيث يتم إزالة عدد هائل من الأشجار وتدمير مساحات واسعة من الغطاء النباتي خلال هذه الممارسات. كما يلعب التغيّر المناخي وتغيّرات درجات الحرارة دورًا رئيسيًا في حدوث التصحّر.
أين يحدث التصحر ولماذا؟
ينتشر التصحّر في أكثر من 100 دولة حول العالم، خصوصًا الدول الفقيرة، ووفقًا للأطلس العالمي للتصحّر، التابع للمفوضية الأوروبية، فإنّ أكثر من 75% من مساحة الأرض قد تدهور بالفعل، كما يُمكن أن يطال التدهور أكثر من 90% بحلول عام 2050. كما وجدت لجنة أطلس مكافحة التصحّر أنّ نصف مساحة الاتحاد الأوروبي قد تدهورت بالفعل، هذا مع كون دول قارتي إفريقيا وآسيا الأكثر تضررًا وتدهورًا.
أسباب التصحر
يقول الخبراء أنّ أسباب التصحر عديدة ومتداخلة ومتفاعلة مع بعضها، ويمكن تقسيم أسباب التصحّر المباشرة إلى قسمين رئيسيين، الأسباب المتعلّقة بالأرض وطريقة التعامل معها، وتشمل إزالة الغابات والرعي الجائر والإفراط في زراعة الأرض وغيرها. أمّا القسم الثاني فهو للأسباب المتعلّقة بالمناخ، وتشمل الاحتباس الحراري وما ينتج عنه من تغيرّات درجات الحرارة.
وتشمل أسباب التصحّر الرئيسية على:
- الرعي الجائر والمُفرط
يُشكّل الرعي الجائر مشكلة حقيقية في بعض الدول، إذ تحولت بعض المناطق نتيجة لممارسات الرعي غير المسؤولة إلى مناطق صحراوية بالفعل، حيث يؤدي رعي الحيوانات بشكل مُفرط في المناطق الزراعية إلى صعوبة نمو النباتات مرّة أخرى، مما يُفقد المنطقة الغطاء النباتي الذي كانت تتمتّع به.
- إزالة الغابات
يقوم البشر بإزالة الغابات إمّا للتوسّع العمراني أو للاستفادة من أخشاب أشجار الغابات أو لاستخراج المعادن، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان مساحة هائلة من الغطاء النباتي الذي يُشكّل حاجزًا أمام انتشار التصحر.
- استخدام الأرض بطريقة غير مسؤولة
يفتقد الكثير من المزارعين للخبرة الكافية في كيفية إدارة الأرض بالشكل الصحيح، على سبيل المثال يؤدي زراعة الأراضي بشكل مستمر إلى فقدان التربة لعناصرها المهمة، الأمر الذي يتسبب بانتشار التصحّر في هذه الأراضي لعدم قدرة النباتات على النمو فيها.
- الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات
يلجأ بعض المزارعين إلى استخدام الأسمدة لزيادة إنتاج أراضيهم، وعلى الرغم من الآثار الإيجابية لاستخدام الأسمدة المتمثلة بالحصول على محصول جيّد وفير في فترة قصيرة، إلّا أنّ استخدامها بشكل مفرط يجعل الأرض غير صالحة للزراعة مع مرور الوقت.
- سحب المياه الجوفية
تُعرف المياه الجوفية بأنّها المياه العذبة الموجودة تحت سطح الأرض، ويؤدي السحب المُفرط للمياه الجوفية إلى فقدان التربة رطوبتها، الأمر الذي يتسبب بالتصحّر.
- التحضّر
يؤدي التحضّر أو انتقال الناس للعيش في المدن والتجمعات السكانية الكبيرة إلى تدمير مساحات واسعة من الأراضي الخضراء. ومع النمو الكبير في المناطق الحضرية، تقل المساحات الزراعية مما يتسبب بالتصحر.
- التغيّر المناخي
يًعتبر التغّير المناخي أحد أسباب التصحر الرئيسية، فمع ارتفاع درجات الحرارة الكبير، تزداد فترات الجفاف التي تُصيب الأراضي، الأمر الذي يجعل التصحّر يزحف بشكل واضح.
- استخراج الموارد من باطن الأرض
يؤدي استخراج النفط والغاز والمعادن من باطن الأرض إلى تدمير المساحات الزراعية، هذا بالإضافة إلى أنّه يساهم في فقدان التربية للعناصر الغذائية الرئيسية التي تحتاجها النباتات، مما يؤدي في النهاية إلى التصحّر.
- تلوّث التربة
تؤدي العديد من الأنشطة البشرية المختلفة إلى تلوّث التربة بمواد كيميائية ضارة بالغطاء النباتي، الأمر الذي يتسبب بالتصحّر على المدى الطويل.
- زيادة النمو السكّاني
تؤدي الزيادة المضطردة في النمو السكاني إلى زيادة استهلاك المواد الغذائية، وبالتالي تُصبح الحاجة إلى زيادة المنتجات الزراعية أمرًا ضروريًا لمجاراة متطلبات البشر، الأمر الذي يؤدي إلى استهلاك التربة وتعرّض المناطق المستخدمة في الزراعة للتصحّر.
- التعدين
لا تتوقّف آثار التعدين السلبية على استهلاك المواد والعناصر المهمة للنباتات، بل يتعدّى ذلك إلى إزالة الغابات وتلويث المناطق المحيطة، الأمر الذي يتسبب بتلويث التربة وجعلها مناطق قاحلة.
حلول لمشكلة التصحر
كان أول تحرّك عالمي باتجاه إيجاد حلول لمشكلة التصحّر من خلال اتفاقية مكافحة التصحّر التي أنشأتها الأمم المتحدة، وشملت جهود الأمم المتحدة المزارعين لحماية الأراضي الصالحة للزراعة والمحافظة عليها، بالإضافة إلى إصلاح الأراضي التي تدهورت حالتها وإدارة إمدادات المياه بشكل فعّال.
كما روّجت اتفاقية مكافحة التصحّر لمبادرة اسمها السور الأخضر العظيم، وهي مبادرة تحاول من خلالها زراعة الأشجار في 100 مليون هكتار من الأراضي الزراعية الممتدة عبر 20 دولة إفريقية بحلول عام 2030. وتطوّرت مبادرة السور الأخضر العظيم فيما بعد واتجهت إلى دعم صغار المزارعين في إدارة أراضيهم، في سبيل إعادة النمو الطبيعي للأشجار والنباتات.
وهناك مبادرة مماثلة لمبادرة الأمم المتحدة في خلق حلول لمشكلة التصحّر، تقوم بتطبيقها الحكومة الصينية على طول حدود صحراء جوبي، حيث تقوم الحكومة بزراعة الأشجار لمنع تمدّد التصحّر واستعادة الغطاء النباتي المفقود.
علاج مشكلة التصحر
تبذل الدول والحكومات والعديد من المؤسسات والأفراد المهتمين جهودًا كبيرة في علاج مشكلة التصحّر، إذ إنّ علاج التصحر ضرورة قصوى يمكن من خلالها إيقاف زحف التصحّر والآثار المدمرة الناتجة عنه. وتقترح القائمة أدناه مجموعة من الأدوات التي يمكنها أن تساهم في علاج مشكلة التصحّر أو الحد من توسّعها على أقل تقدير:
- وضع سياسات تحكم كيفية الزراعة
يمكن للدول والحكومات وضع سياسات مختلفة لتنظيم الزراعة واستغلال الأرض، منها على سبيل المثال تحديد عدد المرات التي يتم فيها زراعة الأرض والأصناف التي يتم زراعتها في كل مرة وكميتها.
- وضع سياسات تحكم استخدام الأراضي
يمكن وضع سياسات تحكم كيفية استخدام الأراضي سواء للسكن أو لاستخراج الموارد الطبيعية والمعادن منها، يساعد ذلك في محاولة الحفاظ على الأراضي وحمايتها من التدمير.
- التوعية والتعليم
يساهم التعليم وتوعية الناس على فهم طريقة استخدام الأراضي والموارد الطبيعية ومصادر المياه بالشكل السليم، في مكافحة أسباب التصحر والحد من تطوّرها.
- استخدام التكنولوجيا
يمكن استغلال الكثير من التقنيات الحديثة وتطبيقات التكنولوجيا في علاج مشكلة التصحر، سواء من خلال الأبحاث العلمية أو من خلال استخدام وتطبيق التكنولوجيا لإيجاد حلول ومنع تفاقم أسباب التصحّر.
- إعادة تأهيل الأراضي المُتصحّرة
هناك العديد من الطرق التي يُمكن اللجوء إليها لإعادة تأهيل الأراضي التي أُصيبت بالتصحر، وعلى الرغم من أنّ إعادة التأهيل تستغرق الكثير من الوقت، إلّا أنّها تضع حدًا للتصحّر.
- إعادة تحريج المناطق المتضررة
يُعتبر إزالة الغابات من أبرز أسباب التصحّر، لذلك فإنّ العمل على إعادة تحريج المناطق المُتضررة لا يمنع التصحّر فحسب، بل يساهم في الحد من آثار الاحتباس الحراري.
دراسات سابقة عن التصحر
يمكن الحصول على عدد لا بأس به من دراسات سابقة عن التصحر، أدناه روابط لدراستين سابقتين:
- دراسة حالة عن التصحّر منشورة على موقع مكتبة اليونيسكو.
- دراسة مقارنة لسياسات وأنظمة مكافحة التصحر في الدول الممثلة لمبادرة الحزام والطريق منشورة على موقع ساينس دايركت.