كشفت وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عن أول صورة ملونة فائقة الوضوح لمجرات الكون غير المرئية بالعين المجردة من الفضاء البعيد، مثلما كانت عليه قبل 13 مليار سنة، وهي أول صورة يتم عرضها من التلسكوب الفضائي الأقوى على الإطلاق، والذي يعِد بإعادة تشكيل فهم البشر للكون وبداياته.
استغرق بناء تلسكوب جيمس ويب زهاء ثلاثة عقود وبلغت تكلفته 10 مليارات دولار أمريكي
وقد التقطت الصورة بتفاصيل بالغة الدقة تظهر للبشر لأول مرّة، وذلك بواسطة تلسكوب جيمس ويب الفضائي (JWST)، حيث أظهر الضوء اللامع العديد من المجرات المختلفة القديمة في الكون الفضائي الشاسع. الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي كشف النقاب عن الصورة في فعالية خاصة بالبيت الأبيض، وصف هذه اللحظة بأنها "تاريخية"، قائلًا إنها تفتح "نافذة جديدة على تاريخ الكون".
أما بيل نيلسون، مدير وكالة ناسا للفضاء، فقال إن الصورة تظهر سدمًا مضيئة لمجرات تنجذب حول مجرات أخرى ورحلت لمليارات السنين قبل أن تصل إلى التلسكوب. وقال في تعليقه على الصور من التلسكوب الفضائي: "إننا ننظر الآن إلى الوراء لأكثر من 13 مليار سنة"، مضيفًا أن المزيد من الصور التي ستصدرها الوكالة ستوضح حقبًا أبعد تصل إلى حوالي 13.5 مليار سنة، وهي تلك النقطة الأقرب لبداية الكون نفسه كمان يعتقد العلماء، حيث قال نيلسون: "قريبًا سنصل إلى أقرب نقطة لبدء الكون".
ويأتي الكشف عن هذه الصورة من مقراب جيمس ويب الفضائي ضمن سلسلة من الصور الملونة عالية الدقة التي ستعرضها وكالة ناسا اعتبارًا من اليوم الثلاثاء، 12 تموز/يوليو، والتي من المرتقب أن تكشف عن "أعمق صور للكون تم التقاطها على الإطلاق"، وهي صور كفيلة بمنح البشر فرصة غير مسبوقة لسبر تفاصيل لطالما كانت مبهمة، تفيد في فهم كيفية تشكل النجوم والأغلفة الجوية لكواكب خارج المجموعة الشمسية، إضافة لتفاصيل أخرى مهمة حول أقدم المجرات وسلوكها.
ما هو تلسكوب جيمس ويب؟
استغرق بناء تلسكوب جيمس ويب أكثر من ثلاثة عقود، وتم إطلاقه بشكل رسمي لأول مرة العام الماضي، وهو التلسكوب الفضائي الأضخم والأكثر قوة حاليًا في العالم، وقد حلّ مكان مقراب "هابل" الذي اعتمد عليه رواد الفضاء لاستكشاف الكون الفضائي السحيق قبل الانتهاء من جيمس ويب، والذي من المرتقب أن يحدث ثورة في فهمنا للكون، بفضل قدرته على توفير صور تفصيلية للكون بالاعتماد على تقنية الأشعة تحت الحمراء. فالتلسكوب الضخم يتألف من مرآة رئيسية ذهبية، وأجزاء بالغة التعقيد قادرة على استقبال إشارات الأشعة تحت الحمراء، وهو ما يزيد من قدرته على استكشاف العوالم البعيدة في الفضاء السحيق حتى عبر الغبار الكوني. كما يأمل المشرفون على المشروع أن يساعد التلسكوب في تحديد الغلاف الجوي للكواكب الخارجية ورصد أي وجود للماء أو أشكال الحياة الأخرى على كواكب بعيدة أخرى، وذلك بعد القدرة التي يمتكلها تلسكوب جيمس ويت في عمليات التحليل الطيفي للأجسام والذرات البعيدة.
وقد بلغت تكلفة تصنيع وإطلاق تلسكوب جيمس ويب أكثر من 10 مليارات دولار أمريكي، وهو قادر على منح البشر لمحات غير مسبوقة عن الكواكب خارج المجموعة الشمسية (Exoplanets)، ومراقبة بعض أقدم المجرات في الكون باستخدام نظام من العدسات والمناشير لاكتشاف السدم المنحنية التي يكشف عنها طيف الأشعة تحت الحمراء.
كما يعد تلسكوب جيمس ويب مشروعًا مشتركًا بين وكالة الفضاء الأمريكية ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية، وقد شرع الباحثون بتطويره منذ منتصف التسعينات، قبل أن يتم إطلاقه مؤخرًا إلى الفضاء، في كانون الثاني/ديسمبر العام الماضي. ويوصف التلسكوب بأنه أقوى مقراب فضائي على الإطلاق، وهو حاليًا موجود على بعد 1.6 مليون كم عن الأرض، ويواصل مهامه في مسح وتصوير المجرات القديمة في الفضاء.
الهدف الأولي لمشروع تلسكوب جيمس ويب تمثل في توفير آلية تساعد على رؤية النجوم والمجرات الأولى التي تشكلت بعد لحظة الانفجار العظيم، وهي إحدى النظريات المعروفة التي وضعها العلماء لتفسير نشأة الكون، ولذلك يمكن اعتبار هذا التلسكوب الخارق واحدًا من أعظم الإنجازات الهندسية والعلمية التي حققتها البشرية مؤخرًا.
*يمكن زيارة موقع وكالة "ناسا" للاطلاع على نسخة أوضح من الصور التي التقطها تلسكوب جيمس ويب. كما يمكن متابعة حسابات الوكالة على وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة بقية الصور التي ستعرض تباعًا يوم الثلاثاء. كما يمكن عرض صورة بوضوح أعلى هنا.