في الحادي والثلاثين من تموز/يوليو 2015، انطلقت في العاصمة بغداد تظاهرة شعبية للمطالبة بتوفير الخدمات وتحسين الطاقة الكهربائية في البلاد، في وقت كان العراقيون يُعانون من حرارة فصل الصيف. التظاهرة، التي انطلقت بدعوة من إعلاميين وناشطين مدنيين، شهدت غيابًا واضحًا لنشاطات طلبة الجامعات العراقية، بينما المعروف أن الاحتجاجات دائمًا ما تخرج من الجامعات، التي تكون الشرارة الأولى لأي انتفاضة أو نشاط جماهيري ساعٍ للتغيير.
نصح بعض الأساتذة الطلاب العراقيين بضرورة تأجيل خروجهم للتظاهرات لحين إبعاد أنظار الرافضين من المسؤولين فاكتفوا بالدعم الإلكتروني
هذه المرة اختلف الحال، ولم يكن هناك ظهور معلن للطلبة العراقيين في التظاهرات، حيث بقيت المشاركات على مستوى فردي لعشرات الطلبة لا أكثر، وليس على شكل تجمعات تخرج من أسوار الجامعات إلى الشارع. كل ذلك لم يكن طبيعيًا، وكان هناك شيء ما وراء هذا الصمت الطلابي.
"هناك من حذرنا من التظاهر، ولمح بأن التعليمات تقول، سيُحاسب من يُشارك في التظاهرات، لذلك بقينا ندعم التظاهرات من أماكن أخرى وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فقط"، يتحدث طالب في جامعة بغداد. كان البلاغ الصادر من رئاسة جامعة بغداد، والقاضي "بمنع اعتصام الموظفين قرب رئاسة الجامعة، أثناء تظاهرات استمرت ثلاثة أيام للمطالبة بعدم قطع رواتبهم"، وتم اعتبار المخالف للأوامر متغيبًا عن الدوام الرسمي.
نصح بعض الأساتذة الطلاب بضرورة تأجيل خروجهم للتظاهرات في الأشهر الأولى، لحين إبعاد أنظار الرافضين من المسؤولين. هؤلاء الطلبة الذين كانوا ينوون الخروج بتظاهرات في ساحة التحرير ضد سوء الخدمات والفساد في البلاد، ظلوا مرابطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي لدعم التظاهرات واكتفوا بذلك. خوف الطلبة على مستقبلهم منعهم من المشاركة في التظاهرات بشكل علني، خاصة وأن الجامعات العراقية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جزء من المؤسسات التي خضعت للمحاصصة، وهناك من يتبعون أحزابًا بعينها ويشعرون بأنهم تضرروا من التظاهرات، وقد يتخذون موقفاً سلبيًا من الطلبة المحتجين.
أصبح هُناك محرك آخر لأي حركة احتجاجية في العراق، إنه رجل الدين أو العشيرة أو الحزب، الذين يُحركون المجتمع أكثر مما تُحركه الجامعات
محمد جعفر، اسم مستعار، وهو طالب في الجامعة المستنصرية ببغداد، يقول لـ"الترا صوت": "بعض الأساتذة كانوا ينوون المشاركة في التظاهرات التي تشهدها البلاد، لكنهم شعروا بالخطر على مستقبلهم، فإن وصلت معلومة مشاركتهم إلى جهات نافذة في الدولة سيكونون في خطر، فكيف لا يخاف الطلبة؟".
شكّل غياب الطلبة عن التظاهرات التي يشهدها العراق، نقطة سلبية في آليتها، لكنها بكل تأكيد خطوة غير متعمدة، بل حكم الظرف العام بذلك. من ناحية الترويج والتثقيف والزخم العددي، ظهر غياب الطلبة، الذين عوضوا غيابهم الميداني بترويج إعلامي كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي. في أوقات سابقة، كانت الجامعات، ليس في العراق فقط، بل في بلدان عربية أخرى مثل مصر، هي نقطة انطلاقة الشرارة الأولى لأي غضب شعبي، وكانت تُشكل لجان عديدة يقودها هؤلاء الطلبة، الذين كانوا يلعبون دورًا كبيرًا يبدأ ويختم أي حركة احتجاجية.
الآن، أصبح هُناك محرك آخر لأي حركة احتجاجية، إن وجدت، تبحث عن عدالة اجتماعية، إنه رجل الدين أو العشيرة أو الحزب، الذين يُحركون المجتمع أكثر مما تُحركه الجامعات. وهذا ما كانت تريده الأحزاب الحاكمة في العراق ووصلت إليه، لكن في حقيقة الأمر، ربما لن يطول هذا الوضع، فمشاركة الطلبة العراقيين في التظاهرات، عُرقلت بسبب الخشية على مستقبلهم الدراسي، من نفوذ أتباع الأحزاب السياسية الغاضبة من الحركة الاحتجاجية في مؤسساتهم وقد يتغير المشهد في قادم الأيام.
اقرأ/ي أيضًا: