إلى غاية سنوات قليلة، كان "المعهد العالي للفنون الدرامية"، الذي تأسّس عام 1964، ثم توسّع اختصاصه إلى السينما أيضًا، فأصبح يُسمى "المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري" عام 2004، الواجهة الأكاديمية الوحيدة في مجال الفنون الدرامية بالجزائر، إليه كانت تشدّ الأنظار والرحال، ومنه تخرّجت نخبة كبيرة من المسرحيات والمسرحيين، من مختلف الأجيال، رغم جملة من النقائص والإهمالات والاختلالات، في سياق تبعيته لوزارة الثقافة لا لوزارة التعليم العالي.
يثمن عبدالله بهلول انفتاح الجامعة الجزائرية على الفنون الدرامية، لكنه يستغرب الهوة الموجودة بين مدرسيها ودارسيها والحركة المسرحية
في ظلّ هذا الفراغ، بادرت نخبة من الجامعات، إلى فتح أقسام متخصصة في الدراسات المسرحية، منها جامعة وهران وجامعة مستغانم وجامعة تلمسان، وجامعة سيدي بلعبّاس وجامعة سعيدة، في الغرب الجزائري، ونجد من جملة التخصّصات المفتوحة للطلبة الحاصلين على شهادة "الليسانس"/الإجازة من الكليات الأدبية، النقدَ المسرحي العام ونقد العرض المسرحي ودراماتورجيا العرض المسرحي، للحصول على شهادتي الماجستير ثم الدكتوراه فيها.
اقرأ/ي أيضًا: "الفنون الجميلة" غير معترف بها في الجزائر؟
قبل أن ينضمّ عبد الله بهلول، 1988، إلى قسم الفنون الدرامية بجامعة سعيدة، الذي فتح أبوابه عام 2010، كان قد درس الأدب الفرنسي، وقدّم مذكرة عن العنف في رواية "جواز السفر" لعزوز بقاق، وباشر تكوينًا في تحريك العرائس، أشرف عليه المسرحي حبيب مجاهري، وأسفر عن مسرحية للأطفال حملت عنوان "الصداقة المستحيلة".
يقول بهلول لـ"ألترا صوت": "أستطيع القول إن ميلي إلى المسرح ارتبط بطفولتي، غير أنني كنت أطمح إلى أن أصقل موهبتي بالدراسة الأكاديمية، وهذا ما قادني إلى قسم الفنون الدرامية، فالموهبة مهما كانت قوية لا تجعل صاحبها بالضرورة يقدّم فنًّا قويًّا". هنا، وضع محدّثنا نفسه أمام رهانين في الوقت نفسه، أن يدرس المسرح وأن يُمارسه، فمثّل في نخبة من المسرحيات، للكبار والصغار، وأخرج أخرى.
من الأعمال التي مثّل فيها: "أوديب في كولونا" لمدكور برزوق من قسم الفنون الدرامية نفسه عام 2011، و"نوفمبر" لعز الدين عبّار عام 2012، و"سطو خاص" لفوزي بن براهيم عام 2014، و"سقوط حصن وهران" لجمال قرمي عام 2015. كما أخرج وأشرف على الجانب السينوغرافي في عدة أعمال منها "ملك الملوك وسلطان الزمان" عام 2016.
في عام 2014، فاز صاحب مسرحية "تيدرناتين" في مسابقة الماجستير، تخصص "دراماتورجيا العرض المسرحي"، واختار أن يبحث في "دور الدراماتورج في الحفاظ على شاعرية غارسيا لوركا"، الشاعر الذي كتب للمسرح العديد من الأعمال، منها رباعيته المشهورة، منطلقًا من مسرحية "نورة" لعبد الحق كسايير.
عبد الله بهلول: لقد أنتج العرب للمسرح أكثر ممّا نظّروا فيه وترجموا له، وآن الأوان لأن ينتبهوا إلى هذا المعطى
يعترف الباحث بأنه وجد صعوبة في العثور على مراجع باللغة العربية. "إنها قليلة، وما كنت لأخرج من ورطتي، لولا إتقاني للغة الفرنسية، ولجوئي إلى مكتبات باحثين أصدقاء منهم إسماعيل سوفيط". ويضيف: "لقد أنتج العرب للمسرح أكثر ممّا نظّروا فيه وترجموا له، وآن الأوان لأن ينتبهوا إلى هذا المعطى".
اقرأ/ي أيضًا: محمد فلّاق.."الكوميديا في زمن الموت"
ويكشف عن جملة من النتائج التي توصّل إليها: "لا يعاني المسرح الجزائري غياب النص، بل يعاني أزمة تعبير وغياب منظومة فكرية واضحة، فالتأليف الجيد مرتبط أساسًا بالتفكير الجيد، ممّا أبقى خطابه أسيرَ المعتقدات الأيديولوجية التي تحدّ من حرية الكاتب، وتفرض عليه نسقًا مرسومًا ومجدًا ماضيًا". نجد أيضًا: "تحتاج اللغة المحكية الجزائرية إلى كتّاب ذوي حساسية خاصّة، حتى تستطيع أن تعطي شعرية خاصّة".
يثمّن بهلول انفتاح الجامعة الجزائرية على الفنون الدرامية، لكنه يبدي اشمئزازه من الهوّة الموجودة بين مدرّسيها ودارسيها والحركة المسرحية. ويصرح لـ"ألترا صوت": "قلّة من أساتذة وطلبة الفنون الدرامية في الجامعات الجزائرية، من يحضرون إلى القاعات لمشاهدة العروض، كيف تستطيع أن تنقد فنًّا لا تعرف الجديد فيه؟". ويشرح: "من المثير للدهشة أننا لا نزال نناقش أولوية المعرفي على الفني أو العكس".
ينتظر عبد الله، الذي يحضّر لفيلم سينمائي مع المخرج عبد الكريم بهلول، فرصة فتح التسجيلات للدكتوراه، وينوي أن يبحث هذه المرة في إشكالية التلقي المسرحي، والسياقات المؤدية إلى عزوف الجمهور عن القاعات المسرحية. "عزوف الجمهور موت لنا، وعلينا أن نبحث في مسبّباته، بعيدًا عن الأحكام الجاهزة، التي تقفز على التحوّلات الحاصلة في طبيعة الإنسان والمكان".
اقرأ/ي أيضًا: