صادف أمس الإثنين الذكرى السنوية العاشرة لمجزرة الكيماوي التي ارتكبها النظام السوري، في الحادي والعشرين من آب/ أغسطس عام 2013، من خلال استهداف مناطق في غوطتي دمشق بصواريخ محملة بغاز السارين السام.
المجزرة التي وقعت في بلدات (زملكا، وعين ترما، وعربين، وجوبر) في الغوطة الشرقية، وبلدة المعضمية في الغوطة الغربية في ريف محافظة دمشق، أدت لمقتل 1119 مدنيًا بينهم 99 طفلًا و194 إمرأة، وإصابة 5935 شخصًا بحالات اختناق وأعراض أصابت الجهاز التنفسي، بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
"جميع تفاصيل المجزرة واضحة"
يقف المصور الصحفي، إياد أبو زاهر، حاملًا كاميرته في مدرج حديقة المشتل بمدينة إدلب، ليوثق الفعالية التي نظمها الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) مساء الأحد. تعود به ذاكرته للحظات الأولى لتوثيقه القصف بالصواريخ المحملة بالمواد السامة، قبل تهجيره من بلدته "كفر بطنا" في الغوطة الشرقية. يستذكر كلّ التفاصيل، فيصف لألترا صوت حاله، قائًا: "أتذكر جميع التفاصيل التي عشناها، أصوات الأطفال العالقة بذاكرتي خلال عمليات الإنقاذ، صراخ وبكاء الأمهات، ملامح وتفاصيل الوجوه التي غيرها غاز السارين. أتواجد اليوم هنا لأسترجع هذه التفاصيل، ولكي تبقى هذه المجزرة شاهدة على خذلان المجتمع الدولي والدول العربية التي تسعى للتطبيع مع النظام السوري، فبعد كل هذه السنوات لم يعد لدينا أي أمل بتحقيق العدالة لضحايا المجزرة".
نُظِمت الفعالية مساء الأحد من أجل إحياء الذكرى العاشرة للمجزرة، في كلّ من مدينتي إدلب وإعزاز شمال غرب سوريا، ولتخليد وإحياء ذكرى الضحايا، والتأكيد على أهمية تحقيق العدالة للضحايا وذويهم ومحاسبة المجرمين.
وتضمنت الفعاليات عرضًا لمقاطع فيديو عن المجزرة، بالإضافة إلى كلمات لناجين وذوي الضحايا، ودعوات لتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين. كما أشعل المشاركون الشموع لاستذكار ما جرى.
أتذكر جميع التفاصيل التي عشناها، أصوات الأطفال العالقة بذاكرتي خلال عمليات الإنقاذ، صراخ وبكاء الأمهات، ملامح وتفاصيل الوجوه التي غيرها غاز السارين.
منير مصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري، تحدث لألترا صوت عن أهمية الفعالية، فقال إن "هذه الفعالية مهمة جدًا لإسماع صوت الضحايا والناجين، وهي وسيلة لتوثيق معاناتهم. ونحن نعبر عن تضامننا الكامل ووقوفنا مع أهالي الضحايا والناجين وكلّ من عاش تلك اللحظات المروعة."
ويرى مصطفى أنّ هذه الفعاليات هي تأكيد على عدم نسيان السوريين لكلّ اللحظات المؤلمة التي عاشوها، معتبرًا أنّ المجزرة لا تمثل فقط انتهاكً لحقوق الإنسان الأساسية، بل هي استهتار بكلّ القيم البشرية، مؤكدًا على سعي فريق الدفاع المدني المستمر لمساعدة الضحايا ومواصلة العمل بكلّ جهد لرفع صوتهم والسعي لمنع إفلات المجرمين من العقاب، وعدم تكرار مثل هذه الانتهاكات والجرائم البشعة. ودعى مصطفى المجتمع الدولي إلى الوقوف بقوة في وجه مثل هذه الجرائم والعمل على تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين.
كما يؤكد على أنّ غياب المحاسبة والعدالة أعطى الفرصة للنظام السوري لارتكاب المزيد من الجرائم، إذ "شن النظام السوري عشرات الهجمات الكيميائية بعد مجزرة الغوطتين في كلٍّ من خان شيخون وسرمين وإدلب وتلمنس وسراقب وحلب ودوما وداريا واالشفونية دون أي رادع، فغياب المحاسبة والعدالة كان بمثابة تقويض للقيم البشرية وتفويض للنظام للاستمرار في استخدام الأسلحة المحرمة والبراميل المتفجرة وغيرها لقتل السوريين".
النظام متورط حتى أذنيه
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان شن 222 هجوم كيميائي في قاعدة بيانتها، محملةً رأس النظام السوري -القائد الأعلى للقوات المسلحة- المسؤولية الكاملة عن 98% من هذه الهجمات، بحسب بيان نشرته الشبكة يوم الأحد على موقعها الرسمي.
وقالت الشبكة إن 217 من الهجمات الكيميائية في سوريا شنها النظام السوري في الفترة بين عام 2012 وعام 2023، وقد أدت إلى مقتل 1514 شخصًا، وإصابة 11080 شخصًا. في حين نفذ تنظيم الدولة (داعش) منذ بداية تأسيسه في عام 2013 حتى عام 2023 خمس هجمات كيميائية، أدت لإصابة 132 شخصًا.
واعتبر البيان أنّ تنفيذ مثل هذه الهجمات يأت في إطار العمليات المعقدة، والنظام السوري شديد المركزية، وهو ما يعني أنه لا يمكن أنّ تتم هذه الجرائم إلا بموافقة رأس النظام وعلمه.
وأضاف البيان أن الهجمات على الأرجح جاءت في إطار سياسة مدروسة لدى النظام السوري تورطت به مؤسستا الجيش والأمن، إذ تشير قاعدة بيانات الشبكة إلى تورط ما لا يقل عن 387 شخصًا من أبرز ضباط الجيش وأجهزة الأمن والعاملين المدنيين والعسكريين، الذين طالبت الشبكة بوضعهم على قوائم العقوبات الأمريكية والأوروبية.
واختتمت الشبكة بيانها بتوصية لمجلس الأمن والأمم المتحدة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية على النظام السوري عملًا بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ليكون ذلك بمثابة شكل من أشكال التعويض لأسر الضحايا. كما طالبت بملاحقة الأفراد المتورطين والتحقق في مدى تورطهم في استخدام الأسلحة الكيميائية، ووضعهم على قوائم العقوبات والإرهاب، مؤكدةً على ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومحاسبة جميع المتورطين، أو إنشاء محكمة جنائية خاصة لمحاسبة المتورطين بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري.
يشار إلى أنّ فريق التحقيق وتحديد المسؤولية في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، كان قد أصدر في بداية العام الجاري تقريره الثالث، الذي أثبت فيه تنفيذ النظام السوري هجومًا بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما بريف دمشق بشهر نيسان/ إبريل من عام 2018.