20-يونيو-2024
علم النفس السيبراني

علم النفس السيبراني هو فرع ناشئ في مجال علم النفس يركز على دراسة التأثيرات النفسية والسلوكية للاستخدام المكثف للتكنولوجيا الرقمية

في عصر التكنولوجيا الحديثة والاتصالات الفورية أصبحت الشبكات الاجتماعية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إذ يتفاعل الملايين حول العالم مع هذه المنصات بطرق متعددة، مما يؤدي إلى تحولات جذّرية في كيفية تواصلهم وتفاعلهم مع الآخرين. ومع تزايد الاعتماد على هذه الشبكات برزت أهمية فهم التأثيرات النفسية التي تتركها على المستخدمين، مما أدى إلى نشوء مجالٍ جديد يُعرف بعلم النفس السيبراني. يركز هذا المجال على دراسة السلوكيات والتفاعلات الإنسانية في العالم الرقمي، محاولًا الكشف عن الآثار النفسية لاستخدام الشبكات الاجتماعية على الصحة النفسية والرفاه العام. دعونا نتعرف على أهم المفاهيم في علم النفس السيبراني، ونتناول بالدراسة التحليلية التأثيرات النفسية المحتملة التي قد يتعرض لها مستخدمو الشبكات الاجتماعية بهدف تقديم فهمٍ أعمق لهذا الجانب الحيوي من حياتنا الرقمية.

علم النفس السيبراني هو فرع ناشئ في مجال علم النفس يركز على دراسة التأثيرات النفسية والسلوكية للاستخدام المكثف للتكنولوجيا الرقمية.

 

علم النفس السيبراني والتأثيرات النفسية على مستخدمي الشبكات الاجتماعية

علم النفس السيبراني هو فرع ناشئ في مجال علم النفس يركز على دراسة التأثيرات النفسية والسلوكية للاستخدام المكثف للتكنولوجيا الرقمية بما في ذلك الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، والوسائط الرقمية بشكل عام. ويهتم علم النفس السيبراني بفهم كيفية يؤثر الانخراط المستمر في العالم الرقمي على صحة وسلوك الأفراد، وكيفية تأثير التكنولوجيا على الجوانب النفسية والاجتماعية للحياة اليومية.

وقد نشأ علم النفس السيبراني نتيجةً لتزايد استخدام التكنولوجيا الرقمية في الحياة اليومية وتأثيرها العميق على السلوك الإنساني والصحة النفسية. وبدأ التركيز على دراسة تأثيرات الإنترنت والشبكات الاجتماعية في ما يتعلق بالتأثيرات النفسية والسلوكية التي تنشأ من الاعتماد على هذه التكنولوجيا. كما إنه يساعد في التعرف على تحديات الصحة النفسية التي يمكن أن تنشأ نتيجة الاعتماد المفرط على الوسائط الرقمية، ويوفر إطارًا لفهم كيفية تأثير هذه التكنولوجيا على الهوية الشخصية، والعلاقات الاجتماعية، والصحة النفسية بشكلٍ عام.

 

التأثيرات النفسية على مستخدمي الشبكات الاجتماعية

بالنسبة للشبكات الاجتماعية فعلى الرغم من فوائدها العديدة في التواصل وتبادل المعلومات، وغيرها من الفوائد، إلا أنه قد تكون لها تأثيرات سلبية على الصحة النفسية لمستخدميها. وتتمثل بالتأثيرات الآتية:

  •  القلق والاكتئاب: أظهرت العديد من الدراسات أنّ استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يزيد من معدلات القلق والاكتئاب خاصةً عند الأشخاص الذين يقضون فتراتٍ طويلة على هذه المنصات، ومشاعر القلق غالبًا ما ترتبط بالمقارنة الاجتماعية والقلق من فقدان الفرص (FoMO)، وهو الشعور بأن الآخرين يعيشون حياةً أفضل.
  • المقارنة الاجتماعية (Social Comparison): يمكن لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي أن يشعروا بالقلق والاكتئاب عندما يقارنون حياتهم بحياة الآخرين الذين يظهرون حياتهم بشكل مثالي على هذه المنصات. ويُظهر الشعور بأن الآخرين يعيشون حياة أكثر سعادة ونجاحًا قد يؤدي إلى شعور بالقلق من عدم تحقيق نفس المستوى من النجاح أو السعادة.
  • العزلة والوحدة: بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تهدف إلى تعزيز التواصل، إلا أن الاستخدام المفرط قد يؤدي إلى مشاعر العزلة والوحدة. وهذا قد يكون نتيجة لتفضيل التفاعلات الافتراضية على التفاعلات الحقيقية، مما يقلل من جودة العلاقات الشخصية في الحياة الواقعية.
  • التوتر والإجهاد النفسي: الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يكون مرهقًا نفسيًا. ومتابعة الأخبار السلبية والمحتويات المثيرة للجدل على هذه المنصات قد يزيد من مستويات التوتر والإجهاد.
  • تأثيرات على الصورة الذاتية وتقدير الذات: يمكن أن تؤدي المقارنات المستمرة مع الآخرين، خاصة عند مشاهدة الصور المثالية المعدّلة إلى تدهور الصورة الذاتية وتقدير الذات، مما يزيد من مشاعر عدم الرضا عن النفس.
  • ​الإدمان: يمكن أن يصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إدمانًا، مما يؤدي إلى تقليل الوقت المخصص للنشاطات الأخرى مثل العمل أو الدراسة أو ممارسة الرياضة. وهذا الاستخدام المفرط قد يتسبب في مشاكل نفسية إضافية.
  • التأثيرات على العلاقات الشخصية والاجتماعية: يمكن أن تؤدي العلاقات الاجتماعية عبر الإنترنت إلى تغييرات في طبيعة العلاقات الإنسانية، وقد تسبب العزلة الاجتماعية أو عدم القدرة على بناء علاقات حقيقية ومستدامة خارج العالم الرقمي.
  • التأثير على الهوية والصورة الذاتية: تسهم الشبكات الاجتماعية في بناء الهوية الرقمية للأفراد، حيث يقومون بعرض حياتهم وآرائهم وصورهم بشكلٍ عام للعالم. وهذا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في تشكيل الصورة الذاتية وتجربة الهوية الشخصية.
  • الخصوصية والأمان النفسي: قد تسبب مخاطر الخصوصية والتعرض للمضايقات الإلكترونية مشاعر قلق وعدم أمان نفسي بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية.

 

الوعي الذاتي والتحكم في الاستخدام يعدان أداتان أساسيتان لتحقيق توازن صحي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

 

استراتيجيات للتعامل مع التأثيرات النفسية على مستخدمي الشبكات الاجتماعية

فيما يأتي نذكر بعض الاستراتيجيات للتعامل مع التأثيرات النفسية لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، وهي:

  • الوعي الذاتي والتحكم في الاستخدام: الوعي الذاتي والتحكم في الاستخدام يعدان أداتان أساسيتان لتحقيق توازن صحي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. فمن خلال تعزيز الوعي الذاتي يمكن للأفراد فهم تأثيرات استخدام هذه الوسائل على حالتهم المزاجية وقدرتهم على الاتصال الاجتماعي. فمثلاً يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا للتفاعلات الإيجابية مع الأصدقاء والعائلة، وتقديم دعم اجتماعي مهم. ومع ذلك يتعين على الأفراد ضبط الوقت المخصص لاستخدام هذه الوسائل بحيث لا يؤثر ذلك سلبًا على صحتهم النفسية.

 

  • التفكير النقدي في المقارنة الاجتماعية: التفكير النقدي في المقارنة الاجتماعية يمثل نهجًا هامًا في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحث الأفراد على تقدير أن الصورة التي يراها عبر هذه المنصات ليست تمثيلًا دقيقًا لحياة الآخرين بأكملها. فعلى الرغم من أن الأفراد قد يُظهرون حياتهم بشكلٍ إيجابي ومثير على الإنترنت، إلا أن الواقع قد يكون مختلفًا ويحتوي على تحديات ومواقف صعبة لا تظهر بسهولة. ومن خلال التركيز على القيم الشخصية والأهداف المحددة للحياة يمكن للأفراد أن يحددوا ما هو مهم بالنسبة لهم بشكلٍ فردي بدلاً من المقارنة المستمرة بين أنفسهم وبين الآخرين.

 

  • التواصل الحقيقي والاجتماعي: التواصل الحقيقي والاجتماعي يعد أساسيًا في تعزيز الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية بشكلٍ عام. ويتضمن هذا النهج تشجيع الأفراد على التفاعل الواقعي وبناء العلاقات الحقيقية والمعمقة مع الآخرين بدلاً من الاعتماد الكبير على العلاقات الافتراضية التي تتم عبر الإنترنت. فمن خلال اللقاءات الشخصية يمكن للأفراد تجربة التفاعل الحقيقي وتبادل الخبرات والمشاعر بشكلٍ أكثر عمقًا وتفصيلاً، مما يسهم في بناء روابط أقوى وأكثر دعمًا. وبالتالي تعزز هذه العلاقات الحقيقية من الشعور بالانتماء والملاءمة الاجتماعية، وتوفر دعمًا عاطفيًا وعقليًا أكبر في حالات الضغط أو التحديات الشخصية. وبالإضافة إلى ذلك يمكن للتفاعل الواقعي أن يعزز من الرضا الذاتي والتأثير الإيجابي على الصحة النفسية، حيث يتيح للأفراد التعبير عن أنفسهم بشكلٍ طبيعي وملموس بعيدًا عن الضغوطات والتوقعات التي قد تصاحب التفاعلات الافتراضية عبر الإنترنت.

لا شك أن الشبكات الاجتماعية قد أحدثت ثورة في طريقة تواصلنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا، ومع ذلك فإنّ هذا التغيير السريع والمستمر يفرض علينا ضرورة فهم التأثيرات النفسية التي قد تصاحبه. ومن خلال علم النفس السيبراني نستطيع اكتشاف السلوكيات والتفاعلات الإنسانية في البيئة الرقمية مما يساعدنا على تعزيز الفوائد وتجنب السلبيات المحتملة. وإن الوعي بالتأثيرات النفسية لاستخدام الشبكات الاجتماعية يمكن أن يسهم في تطوير استراتيجيات فعالة لتعزيز الصحة النفسية والرفاهية العامة لمستخدمي هذه المنصات. لذلك يعد البحث المستمر في هذا المجال أمرًا بالغ الأهمية لمواكبة التحديات الجديدة في عصر التكنولوجيا والاتصال الرقمي، وضمان أن يكون تأثير هذه الشبكات إيجابيًا ومثمراً لأفراد المجتمع.