تبدّلت أوراق خريف 2022 أخيراً، ولعله كان لمعظمنا ضيفاً ثقيلاً تمخّض عن المزيد من الأزمات التي تلفُّ خيوطها عالماً يتأرجح على شفير الحروب والأزمات. يأتي عام 2023 بالقليل من التفاؤل ربما، وبالكثير من الأسئلة القديمة الجديدة بتعقيداتها المتزايدة المنهكة.
فلنبدأ بالقليل من التفاؤل : شهد عام 2022 انقشاعاً بطيئاً لسحابة الجائحة، وهو انتصارٌ يُحسَب للبشرية بلا شكّ، إذ استطاع العالم هزيمة إحدى أخطر الجائحات في تاريخ البشرية، بعد أن وصل عدد حالات الوفيات الموثّقة إلى أكثر من 6.7 مليون حالة وفاة من الفيروس حول العالم خلال ثلاث سنوات.
كان الاجتياح الروسي لأوكرانيا هو الحدث الذي تصدّر عام 2022، ضارباً حسابات وموازنات المشهد السياسي والاقتصادي العالمي
بعيداً عن ذلك، كان الاجتياح الروسي لأوكرانيا هو الحدث الذي تصدّر عام 2022، ضارباً حسابات وموازنات المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. وتستمرّ فصول الحرب دون نهايةٍ واضحةٍ، وحتى لو كان لهذه النهاية أن تأتي، فقد فرضت الحرب بكل الأحوال على العالم الكثير من الأسئلة الصعبة من ناحية، وسرّعت من وتيرة أزماتٍ أخرى. حسم بوتين أمره ودخل أوكرانيا، وأوقع النظام العالمي في حيرةٍ كبيرة، فأصبحت هناك فجأة أزمة طاقة، واختلّت سلاسل الإمداد، وعادت أوروبا تنعر خاصرتها ذات الأسئلة التي تبغضها عن تحالفاتها وهويتها وتاريخها المضطرب دون أن ننسى غير ذلك من الأزمات والأسئلة الجيوسياسية الشائكة إقليمياً وعالمياً.
على مستوىً أكبر، هناك الأزمات التي نحاول التعافي منها ككوفيد-19 (ولو أن القول أنها انتهت تماماً أقرب إلى التفاؤل الساذج ربما)، والأزمات المتجدّدة كالمناخ، وتلك التي نحاول، ربما عبثاً، تجنّبها كالانزلاق إلى ركودٍ اقتصاديٍّ جديد.
يستعرض موقع ألترا صوت في هذا التقرير تفاصيل أهم الأسئلة التي تواجه عالمنا مع دخول عام 2023، دون تقديم أيّ إجابات. وإنما من باب محاولة تبسيط هذه الأسئلة وتقديمها للقراء.
هل ستصبح أزمة المناخ واقعاً؟
تسبق هذا السؤال أسئلةٌ أخرى ينبغي المرور عليها، والبداية من ماذا نقصد بأزمة المناخ أو التغيّر المناخي؟ ببساطة التغيّر المناخي هو جملة التغيّرات طويلة الأمد التي تلحق بالمناخ، وأهمها ارتفاع درجات الحرارة ونسب هطول الأمطار وما يتبع ذلك من نتائج أخرى. يتجلّى ذلك ويُقاس بطرقٍ مختلفة، منها مثلاً أن السنوات الثماني الأخيرة (2015-2022) كانت الأسخن منذ بداية تسجيل درجات الحرارة، وهناك الكوارث الطبيعية التي زادت نسبها في السنوات الخمسين الأخيرة، ولعل في ذلك إجابةٌ على هذا السؤال إذ أننا نرى آثار التغيّر المناخي بصورٍ مختلفةٍ حول العالم، كالحرائق الواسعة التي فصّلناها في مقالٍ سابق، والفيضانات كفيضانات نيجيريا وباكستان هذا العام، والجفاف. يرافق ذلك خسارة الأرواح، وأضرارٌ اقتصادية، بل وتغيّراتٌ ديمغرافية واجتماعية، فانظر مثلاً إلى مفهوم "اللاجئون من المناخ".
يبيّن تقريرٌ نشرته لجنة الإنقاذ الدولية أن التغيّر المناخي سيكون من أهم العوامل التي تفاقم الأزمات الإنسانية في عام 2023، مما يثير الاهتمام أيضاً في التقرير أن الأزمة المناخية تعكس أيضاً غياب التكافؤ الدولي، ومن ذلك أن 20 دولةً من الدول الأكثر عرضةً للأخطار المناخية هي من أقل الدول إضراراً بالبيئة كأفغانستان وهايتي.
في المقابل فإن تأهّب العالم لمحاربة الآثار المناخية في تزايدٍ ملحوظ في السنوات الأخيرة، فقد تصدّرت الأزمة المناخية سياسات الدول في عام 2022 أكثر ربما من أي عامٍ سابق، ويرى الكثير من الخبراء أن عام 2023 سيكون عاماً مصيرياً بالفعل على هذا الصعيد في إنقاذ أنفسنا وعالمنا مما أحدثناه من أضرارٍ بيئية، وأهمها إبقاء رفعنا لدرجة حرارة الكوكب دون درجة الخطر (1.5 سيليسوس)، مع وصولنا حتى اللحظة إلى 1.01 سيليسوس منذ عام 1880.
هناك أسئلةٌ أخرى تمسّ عالمنا العربي تحديداً، وتتعلّق هذه الأسئلة بمجملها بالوعي العربي بأزمة المناخ أو، بتعبيرٍ أكثر تعقيداً، حضور سؤال المناخ في المخيّلة السياسية العربية، فهل تحتل الأزمة المناخية ترتيباً عالياً على قائمة هموم الإنسان العربي؟
ما أهمية هذا السؤال أصلاً؟ الجواب على هذا السؤال له شقّان، أولها وأهمها أن عدداً لا بأس به من دول العالم العربي قد تواجه أخطاراً مناخية أكثر من غيرها. وفقاً لتقرير مؤشّر الخطر المناخي على الأطفال الذي أصدرته الأمم المتحدة بالتزامن مع قمة المناخ في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فهناك 14 دولةً عربيةً تقع ضمن خانة الخطر، أولها هي السودان واليمن ضمن الدول الأكثر عرضةً للخطر، ويتبعها جيبوتي ومصر في الخانة الثانية، والعراق والمغرب وإيران وسوريا والجزائر والأردن وليبيا وفلسطين في الخانة الثالثة من الدول الأكثر عرضةً للخطر، ويصل ذلك إلى دولٍ أخرى كالإمارات مثلاً.
الشقّ الثاني هو وعيُ دولنا العربية بهذه القضية. وفقاً لتقريرِ نشره مركز بروكسل الدولي، فإن عدد المواطنين العرب الذين يرون أن التغيّر المناخي يشكّل أزمةً قد قفز من 42% في عام 2007 إلى 64% في عام 2021 من المواطنين العرب. ولكن مع ذلك زاد عدد الناس الذين لا يرون أن المناخ سيشكّل تهديداً على بلادهم في العقدين القادمين من 18% عام 2019 إلى 25% في عام 2021، ولعل ذلك له علاقةٌ بالتهديدات المباشرة أكثر كالجائحة كما يرى التقرير.
هل نحن مقبلون على ركودٍ اقتصاديٍّ عالمي؟
لو أخذنا بأبسط تعريفٍ للركود على أنه انخفاضٌ في نمو الاقتصاد لربعين متتاليين، فالجواب هو على الأغلب نعم، ولكن يبقى هناك عوامل أخرى تحدّد حدوث ذلك ومدى حدته.
المهم أن النسبة الأكبر من الخبراء يرون أن العالم مقبلٌ على حالةٍ من الركود الاقتصادي، ففي دراسةٍ أجرتها شبكة KPMG، أحد أكبر الشبكات المختصة في المحاسبة حول العالم، يرى 91% من المدراء التنفيذيين أن الولايات المتحدة عليها التأهّب لمواجهة ركودٍ اقتصادي العام المقبل، بل إن بعضهم يحذّر مما هو أبعد من ذلك، كـ"جيمي ديمون"، المدير التنفيذي لجي بي مورجان أكبر بنوك الولايات المتحدة، الذي يقول أن هناك احتماليةً تصل إلى 20-30% بأننا سنواجه ما "هو أسوء".
على الصعيد العالمي، رجّح تقريرٌ لمركز الأبحاث الاقتصادية والتجارة البريطاني أن الاقتصاد العالمي سيواجه ركوداً في ظلّ التضخّم.
وبالفعل، فإن التضخّم قد وصل إلى أعلى معدّلاته منذ الثمانينات، في الكثير من البلدان، ويرتبط هذا التضخّم ارتباطاً كبيراً بالغزو الروسي على أوكرانيا، وما كان لذلك من آثارٍ على ارتفاع الأسعار واختلال سلاسل الإمداد. لقد كان الغزو الروسي أهم العوامل التي تسحب العالم إلى مستنقع الركود العام المقبل، بل إنه أدّى بحد ذاته إلى عوامل أخرى ساهمت في ارتفاع التضخّم، وبدوره حدوث حالة الركود الاقتصادي. أهم هذه العوامل هو أزمة الطاقة، التي تبقى سؤالاً آخر صعباً رافقه حالةٌ من الضبابية الاقتصادية.
بعيداً عن الغزو الروسي، كان ضعف الاقتصاد الصيني عاملاً آخر ألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي في ظلّ تمسّك الصين بسياسة "صفر-كوفيد" معظم فترات العام، والتي اضطر مؤخّراً إلى التخلّي عنها تحت الضغوطات، فضلاً عن أزماتٍ داخليةٍ أخرى كالأزمة العقارية وتايوان.
مع وجود إجماعٍ شبه كامل بأن العالم سيواجه ركوداً اقتصادياً مع بدء العام الجديد، هناك أيضاً من التطوّرات ما يدفع بعض الخبراء إلى التفاؤل، أو على الأقل التكهّن بآثارٍ طفيفة للركود، منها مثلاً قوة الدولار (والاقتصاد الأمريكي بشكلٍ عام مقارنةً بأوروبا) مع استخدام الاحتياطيات الفيدرالية، ونجاح الإدارة الأمريكية الحالية بالحفاظ على قوة سوق العمل ونسب الاستهلاك العالية.
عاملٌ آخر يدعو للتفاؤل هو أن الأزمة أعادت نظر الكثير من الدول في الطرق التقليدية للحصول على الطاقة، وجدّدت الاهتمام بمصادر الطاقة المتجدّدة، إذ يقول "فاتح بيرول"، مدير وكالة الطاقة الدولية، أن أزمة الطاقة الحالية بحد ذاتها كانت "نقطة تحوّل في تاريخ الطاقة ستسرّع التحوّل إلى مصادر الطاقة النظيفة."
من أين سنأتي بالطاقة؟
على ذكر أزمة الطاقة... ربما من المفيد أن نعود قليلاً إلى القرن الماضي لفهم حيثيات هذه الأزمة. حتى الغزو الروسي على أوكرانيا، كان تصدير واستيراد الطاقة باختصار قائماً على علاقتين مفصليتين تشكّلت ملامحهما خلال الحرب الباردة وبعدها، أولهما هو تحالف الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت مع آل سعود عام 1945، وثانيهما علاقات أوروبا مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ومن ثم كان الغزو الروسي على أوكرانيا الذي ربما أنهى فعلياً مفعول هذه التفاهمات.
نعم أعاد قرار بوتين بخنق عنق زجاجة الغاز عن أوروبا ترتيب هذه الأوراق والتفاهمات، ولكن أزمة الطاقة قد تجاوزت الرقعة الأوروبية، فقامت دول أوبك هي الأخرى بإعادة رسم موقفها بداية العام مع تشكّل تحالف "أوبك بلس"، أملاً في سيطرةٍ أكبر على سوق النفط، على الرغم من تهديدات ومناشدات واشنطن بعدم الإقدام على هذه الخطوة.
كل ذلك أدّى إلى حالةٍ من الانكماش في سوق الطاقة تدفعنا مرةً أخرى للعودة إلى التاريخ وتحديداً إلى صدمةٍ مشابهةٍ في سوق الطاقة عام 1973. أدّت وقتها الأزمة النفطية إلى بحث العالم عن بدائل أخرى، سواءً على صعيد مصادر النفط، وما يهمنا هنا وجّهت اهتمام العالم بدرجةٍ كبيرة إلى مصادر الطاقة المتجدّدة كالطاقة النووية.
العالم اليوم يواجه أزمةً مشابهة، ولكن الخيارات ربما أقل وضوحاً بحكم الخريطة الجيوسياسية التي تخيّم عليها الضبابية هي الأخرى. فصحيحٌ أن العالم، دولاً وشركات، يتبنّى بصورةٍ متزايدة سياساتٍ للتخلّص من مصادر الطاقة الباعثة للكربون والاعتماد على مصادر صديقةٍ للبيئة تتصدّرها الطاقة الشمسية، إلا أن التوجّس لا يزال حاضراً، خصوصاً بعد أزمة كورونا التي دفعت الكثيرين من صناع القرار إلى التمسّك بالخيارات الموجودة والمضمونة كالفحم.
المؤكّد هو أن سوق الطاقة بعد الغزو على الأوكراني سيكون مختلفاً تماماً عما قبله، فالدول الأوروبية بالفعل بدأت بمحاولة تعزيز علاقاتها مع مصادر بديلةٍ للغاز كقطر، وأصبحت دول العالم أكثر تقبّلاً وإقبالاً للإنفاق بحثاً عن مصادر مستدامةٍ ونظيفةٍ للطاقة، ولا أدلَّ على ذلك من الارتفاع الهائل في الإنفاق على مصادر الطاقة النظيفة الذي بلغ 1.2 تريليون دولارٍ أمريكي عالمياً منذ بداية الجائحة.
هل ستنتهي أزمة كورونا تماماً في 2023؟
يحتاج هذا السؤال إلى شيءٍ من التفصيل، فماذا نقصد بـ"انتهاء الأزمة"؟ إذا كنا نقصد انعدام الحالات بالكامل فهذا غير واردٍ أبداً. بالعودة إلى موقع Our World in Data لاستشفاء بعض الإحصائيات، سنرى أن معدّل الإصابات انخفض انخفاضاً طفيفاً عن السنوات السابقة. مثلاً، سُجّلت ما يقارب 53 مليون إصابةٍ جديدة بين بداية شهر أيلول/سبتمبر وتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر من هذا العام، مقارنةً بـ61 مليون إصابة في نفس الفترة من عام 2021، أي أن معدّل تسجيل الحالات الجديدة قد انخفض بنسبةٍ خجولةٍ لا تتجاوز 13%.
ولكن "أزمة" كوفيد-19 لم تعد الأزمة العالمية الأولى والتهديد الأول على حياة الناس كما كان الحال في بداية 2022، فقد ارتفع عدد الإصابات المحصاة عام 2022 إلى 366 مليون إصابةً حول العالم، مقارنةً بـ195 مليون إصابة العام الفائت، ولكن سُجّلت 1.2 مليون حالة وفاة في 2022 بانخفاضٍ هائلٍ عن الـ3.5 مليون وفاة المسجّلة عام 2021، وهذا الأرقام تتسق مع متغيّر أوميكرون الذي ظهر للمرة الأولى في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021، والذي يختصّ بقدرة أعلى على الانتشار ولكنه أقل خطراً على جسم الإنسان.
والأهم من ذلك هو اللقاحات، فبحسب الإحصائيات المسجّلة بتاريخ 25 كانون الأول/ديسمبر، تلقّى ما يقارب 70% من جميع سكان العالم جرعةً واحدةً على الأقل من اللقاحات المصنوعة لمحاربة كورونا. ومن ناحية تأثير كورونا على سير حياة الناس، فقد رفعت معظم حكومات العالم الحظر، وعادت الحياة إلى طبيعتها في معظم بلاد العالم، بما في ذلك الصين التي تمسّكت بسياسة صفر-كوفيد حتى بداية هذا الشهر.
ولكن (مرةً أخرى)، لا يمكن حتى اللحظة تقدير الآثار طويلة الأمد للجائحة على صحتنا والقطاع الصحي بشكلٍ عام، بل إن منظّمة الصحة العالمية لم تعلن حتى تاريخ نشر هذه المقالة انتهاء حالة الطوارئ العالمية التي أعلنت عنها نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2020.
المقصود هنا هو أن الخبراء يتوقّعون بروز تأثير الجائحة على أجهزتنا المناعية والصحة خلال عام 2023، ويبقى السؤال هو إن كانت هذه التغيّرات دائمةً أم أنها مرهونةٌ ببقاء الفيروس وزواله. كما أن الجائحة قد تركت جرحاً نفسياً عميقاً لا يزال يؤلم الكثيرون حول العالم. وأسوةً بالآثار الصحية، لا يُعرف حتى الآن إن كان التغيّرات التي طرأت على طباع الناس وشخصياتهم دائمةً أم أنها، أيضاً، مرتبطةً بظروفٍ اجتماعيةٍ معيّنة فرضتها الجائحة، كانخفاض انفتاحنا وزيادة مستويات القلق.
المستبعد، ولكن ليس المستحيل، هو إعلان حالة حظرٍ عالمية جديدة، في ظلّ تعايش الناس مع الفيروس. التطوّر الأهم في هذا السياق هو رفع الصين لحظرها الذي دام لفترةٍ طويلة، والذي يعني أن مستوى المناعة لدى الشعب الصيني، مع عودة الحياة إلى طبيعتها، قد يكون أقلّ مقارنةً بغيرها من الشعوب التي آلفت الفيروس لفترةٍ أطول. ما زلنا نتنظر تداعيات هذا القرار على أرض الواقع في الصين، إلا أن بعض التنبؤّات التي سبقت القرار ببضعة أيام لا تبشّر بخير.
إلى ماذا ستُفضي الانتخابات التركية؟
ستكون الانتخابات العامة التركية المخطّط إقامتها يوم 18 حزيران/يونيو 2023، هي "العرس الديمقراطي" الأبرز العام القادم، حيث تُعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اليوم نفسه.
تأتي الانتخابات التركية في وقتٍ تقف فيه البلاد التركية على مفترقاتٍ عديدة، أهمها ربما الاقتصاد التركي المترنّح والتغيّرات البارزة في سياسة تركيا الخارجية، إلى أسئلةٍ قديمةٍ جديدةٍ كسؤال اللاجئين والقضية السورية والأكراد، بصورةٍ أكبر.
لا يخفى على أحدٍ أن بقاء أردوغان وحزبه أو رحيله عن السلطة سيكون له آثارٌ إقليميةٌ وعالميةٌ فارقة، وما سيتوازى مع ذلك من تغيّراتٍ وتقارباتٍ على المشهد الجيوسياسي من شأنه إعادة رسم المشهد السياسي، فتركيا اليوم هي لاعبٌ صعبٌ في العديد من القضايا، أهمها الدور المتعاظم الذي تؤدّيه أنقرة في الصراع الروسي الأوكراني، وطبعاً قضاياها وعلاقاتها الإقليمية مع الدول العربية، فضلاً عن العلاقة المتقلّبة مع واشنطن والملفات المشتركة بينهما.
مما لا شكّ فيه أن هذه الانتخابات قد تكون أكبر تحدّ يواجه حزب العدالة والتنمية الذي أحكم قبضته على مقاليد السلطة منذ عقدين من الزمن، في ظلّ تراجع في شعبية رجب طيب أردوغان الذي يحاول إصلاح واقعٍ اقتصاديّ-جماعي منهك، من ناحية ومن الناحية الأخرى تعظيم جدوى، هاناته الخارجية الدبلوماسية. ولعلّ هذان السؤالان، الواقع الاقتصادي-الاجتماعي والسياسة الخارجية، وما سيسفران عنه من واقعٍ وقت الانتخابات، هما المعتركان الأكبر اللذين سيحسمان مخرجات المعركة الانتخابية القادمة، كما يرى الدكتور سعيد الحاج.
هذا هو إذاً أهم رهان لتحالف المعارضة، الذي يُعرف باسم "طاولة الستة"، الذي أصبح تحالف المعارضة الأوسع في البلاد، ويضمُّ حزب الشعب الجمهوري ("الجي هي بي")، أقدم أحزاب البلاد، وحزب الجيد القومي ("إي بارتي")، اللذين يشكّلان معاً تحالف الأمة، ومعهما حزب السعادة ("سعادة بارتسي") المحافظ، وحزب الديمقراطية والتقدّم ("ديفا") الذي يرأسه علي باباجان، وحزب المستقبل ("غيليجيك بارتسي")، الذي يرأسه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، وقد انشقّ كليهما عن حزب العدالة والتنمية، والحزب الديمقراطي ("ديموكرات بارتي").
ولكن التخبّط قد طال المعارضة، إذ لم يكشف التحالف حتى الآن عن مرشحّه للانتخابات الرئاسية (ولا بد من الذكر هنا أن الانتخابات الرئاسية هي الفيصل الأهم خصوصاً بعد التعديلات الدستورية الأخيرة التي اعتُمدت عام 2018)، مع غياب قدرته على الوصول إلى حالةٍ من التوافق، ولو أن ذلك كان وعدها العام الفائت.
على صعيد ملف اللاجئين، فيبدو أن إدارة أردوغان قد استجابت بعض الشيء للضغط الشعبي، إذ شهدت البلاد في الفترة الأخيرة حزمة سياساتٍ على الصعيد القانوني والخارجي يبدو أنها ترمي في مجملها إلى تقليص عبء اللاجئين عن كاهل الدولة التركية، مع تزايد الخطاب المعادي للاجئين، الذي كانت المعارضة نفسها أحياناً موغلةً فيه، دون وجود أي حرصٍ ظاهرٍ على النأي بنفسها عن هذه الخطابات. ولكن مع ذلك، لا يمكن بأي حال إهمال العدد الضخم من اللاجئين في تركيا الذي يقارب 4 ملايين لاجئ، معظمهم من السوريين بعددٍ يصل إلى 3.7 مليون لاجئٍ سوري.
على صعيد الاقتصاد يراهن أردوغان على تحسين الوضع الاقتصادي مع اقتراب الانتخابات، إذ تعهّد الرئيس التركي بانخفاض نسب التضخّم مع بدء عام 2023
وعلى صعيد الاقتصاد يراهن أردوغان على تحسين الوضع الاقتصادي مع اقتراب الانتخابات، إذ تعهّد الرئيس التركي بانخفاض نسب التضخّم مع بدء عام 2023، بعد وصوله إلى مستوياتٍ قياسية مع بداية شهر تشرين الثاني/ديسمبر الفائت بتجاوزه 85%، فيما طمأن أردوغان أيضا الشعب التركي بقدرة البلاد على تأمين مصادر الدفء لمواجهة الشتاء القادم.