تعيش الجامعة الجزائرية على وقع تغييرات مختلفة، كما أنها دخلت في مرحلة التجارب أو يمكن القول إنها مرحلة انتقالية منذ اثنتي عشرة سنة، بهدف إيجاد قالب علمي وأكاديمي بإمكانه أن ينتج كوادر تستجيب لمعايير عالم الشغل. في هذا الإطار، قررت وزارة التعليم العالي الجزائرية إلغاء نظام التخصص في مرحلة "الليسانس"، الإجازة أو البكالوريوس، وتأجيله إلى مرحلة الماجستير.
قرار إلغاء نظام التخصص في مرحلة البكالوريوس في الجامعات الجزائرية سيدفع بالآلاف إلى إلزامية مواصلة دراساتهم إلى الماجستير على أقل تقدير
يقول عديد الأساتذة الجزائريين في تصريحات متفرقة لـ"الترا صوت"، إن "الجامعة تعيش مخاضًا عسيرًا منذ تبني النظام التعليمي "أل أم دي" أو "إمد" (إجازة، ماجستير، دكتوراه)، في سنة 2004 وتقليص سنوات والحجم الساعي للدراسة، في إطار ما سمي حينها إصلاح المنظومة الجامعية، وهي الآن تسعى لإيجاد مسار علمي بإمكانه أن يضمن تكوينًا نوعيًا في عدة مجالات أكاديمية".
اقرأ/ي أيضًا: ورطة اختيار التخصص الجامعي
ظاهريًا، قرار إلغاء نظام التخصص في مرحلة البكالوريوس، الذي سيبدأ تطبيقه ابتداء من العام الدراسي المقبل من شأنه أن يفتح الباب أمام الكفاءات وتشجيع التخصصات في مرحلة الماجستير فقط، حسب رأي الأستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة مستغانم علي بن جاب الله، لكنه في الجهة المقابلة سيدفع بالآلاف إلى إلزامية مواصلة الدراسات العليا إلى غاية مرحلة ما بعد البكالوريوس من أجل التخصص، وهو الأمر الذي لم تشهده الجامعات الجزائرية من قبل ، مما سيفرض على السلطات العليا توظيف أساتذة متخصصين بنسبة أكبر في مرحلة الماجستير.
الإشكال الذي طرحه بن جاب الله مفاده أن "قبل اتخاذ هكذا قرار كان يجب أن توفر الوزارة المسؤولة الظروف البيداغوجية والهياكل من أساتذة وأقسام ومعاهد متخصصة، وهو ما يكلف الخزينة الجزائرية الملايين من أجل ضمان التكوين "الجيد" في عديد التخصصات في مراحل الماجستير والدكتوراه".
وذهبت الأستاذة سعيدة مصاري من كلية الحقوق بالعاصمة الجزائرية في تصريح لـ"الترا صوت" إلى القول إن "التغييرات المنتظرة في العام المقبل تحتاج إلى مخطط واسع خاصة وأن هكذا قرارات تعني إلزامية فرض قوانين جديدة وإلغاء قوانين أخرى، كما أنها تفرض تجهيز شهادات نجاح جديدة لتمنح في نهاية الحصول على البكالوريوس وكل هذا من الصعب تحقيقه في ظرف وجيز خصوصًا وأن الجامعة تتخبط في النظام الكلاسيكي القديم الذي لم تتمكن لحد اللحظة من معالجة ترسبات إلغائه".
اقرأ/ي أيضًا: المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية
ورغم تأكيد بعض الأساتذة إيجابية هذا "الإصلاح"، الذي يهدف إلى النوعية على مستوى التدريس وليس الكم الهائل من المتخرجين من الجامعات، لكن يضيف الأستاذ محمد مهني، من جامعة العلوم والتكنولوجيا بباب الزوار بالعاصمة الجزائرية: "عدم توفر مشاورات ومناقشات مع أصحاب الاختصاص وحتى الطلبة يعد ضربًا من ضروب الخيال وعائقًا أمام تقدم هذا الإصلاح"، ويشير أن "إلى الآن يتطلب الالتحاق بالماجستير الحصول على معدلات ممتازة وهو ما قد لا يتوفر لكل الطلبة الذين سيجبرون على مغادرة الدراسة دون تخصص".
يتطلب الالتحاق بالماجستير في الجزائر الحصول على معدلات ممتازة وهو ما قد لا يتوفر لكل الطلبة الذين سيجبرون على مغادرة الدراسة دون تخصص
أما المتخصصة في القانون، الأستاذة حسناء شعير فترى أن "القرار لا يخدم التوجه الدراسي لطلبة الجامعات، حيث سيجد الطالب نفسه ولمدة ثلاث سنوات أمام تعليم بـ"صيغة واحدة "، كما سيواجه مشاكل في التوظيف مستقبلاً، لأن المؤسسات باتت تحتاج إلى موظفين أو عمال في تخصصات معينة وهذا ما لن يكون من حق كل الطلبة بل المتفوقين فقط الملتحقين بالماجستير".
واعتبرت الطالبة في علوم الإعلام والاتصال إيمان علال هذا القرار غير صائب، حيث قالت لـ"الترا صوت" إن "الطالب خلال مشواره الدراسي من الابتدائي إلى غاية الثانوي يدرس معارف عامة وحتى عند اختياره تخصصًا ما في الثانوي، علمي أو أدبي، يدرس أمور سطحية وهو ما يعني أن دخوله إلى الجامعة يفرض عليه دراسة التخصص الذي لطالما سعى إلى الوصول إليه".
تأجيل اختيار التخصص وضبط الخيار لدى الطالب الجزائري في المستوى الجامعي إلى ما بعد حيازته شهادة "الليسانس"/البكالوريوس، برأي المهتمة بالشأن التربوي الإعلامية فاطمة حمدي، "أكبر دليل على عدم ثقة الدولة في النظام الذي اتبعته في مجال التعليم العالي خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي عدم ثقتها في المستوى الذي تكوّن به جيل كامل من الطلبة في الجامعات الجزائرية".
اقرأ/ي أيضًا: