لا شك أن مستوى الأفلام التسويقية والدعايات التجارية الخاصة بمحلات ومتاجر الأدوات الإلكترونية والأدوات المنزلية في لبنان أصبح متدنيًا من ناحية الإبداع والابتكار في التسويق البصري والمباشر أمام الجمهور، خلال مواسم الأعياد والمناسبات الشهيرة كعيد الأم أو الأب أو الابن أو عيد الاستقلال أو الأعياد الدينية كعيد الميلاد ورأس السنة.
لم لا نرى أي منظمات غير حكومية تقوم بفعلٍ جدّي وإيجابي بمطالبة الدولة اللبنانية بأن تحصل المرأة على حقوقها؟
"هل تريد أن ترى زوجتك أو والدتك أو المرأة التي حملت طفلًا سعيدة خلال عيد الأم؟ فعليك أن تشتري لها تلك الغسالة الجديدة التي تعمل على الطاقة الشمسية. أو يمكنك أن تجدد لها طقم أدوات المطبخ الخاصة بمنزلك كمعايدة لها على عيد الأم". تلك الجمل هي عبارة عن تلخيص للحالة التسويقية في العالم العربي. الذكورية تظهر طبعًا بجدارة حين تُربط الأم أو المرأة في العالم العربي بالمطبخ أو بالتنظيف أو بالأثاث المنزلي تلقائيًا خلال عيد الأم. لكن وإن قمنا بمناقشة هذا الموضوع من ناحية فن التسويق والإعلان فبالطبع تفشل تلك المؤسسات بأن تقنع شخصًا مثلي يستمتع بمشاهدة الإعلانات الشيّقة التي تحتوي نصوصًا أو تصويرًا مبدعًا أو على الأقل هدفًا جديرًا بالترويج.
شخصيًا، لا أؤمن بعيد الأم، ولا عيد الأب ولا عيد ميلادي حتى. نحصر أنفسنا بقيودٍ صممها أحد الضجرين ثقافيًا قبل مائة عام أو أكثر. قرر هؤلاء الضجرون أو كما نسميهم في أيامنا هذه "التجّار"، بتعريف الرزنامتين الهجرية والميلادية، حسب مواسم البيع لكل مصالح التجارة في العالم العربي. فعلى سبيل المثال فإن أسعار المأكولات من خضراوات ولحوم وحلويات ترتفع خلال موسم رمضان في بيروت بسبب الطلب العالي من قبل المجتمع الصائم الذي يُصبح هاويًا لجمع العروضات على جميع أنواع العلامات التجارية. ومثل آخر، فخلال عيد الحب تكثر الإعلانات الخاصة بمحلات ومتاجر الورود والمشاتل في لبنان وتعم زحمة السير أمام كل تلك المتاجر خلال هذا اليوم فقط، ليعود تاجر الورود لتحضير الباقات الخاصة بالمآتم والأعراس التي يُصبح الطلب عليها أقل بكثير من مردود يوم عيد الحب.
اقرأ/ي أيضًا: قصص مغربيات اخترن الإجهاض!
عن ذكورية "عيد الأم" التجارية
"قد تحتاج والدتي لمقلى جديد مصنوع من "الستاينلس ستيل" فقط لأنها تهوى الطبخ وليس لأن مكانها الرئيسي في المجتمع هو المطبخ"، قد يكون هذا الرأي الأقرب إلى ما يُمكننا وصفه بذكورية عيد الأم. "الذكورية" هو مصطلح بدأ التداول به مع وعي المجتمع اللبناني بجيله الجديد إلى مفهوم العدالة الاجتماعية وكسر الأفكار العتيقة بأن الأم هي ربّة المنزل الوحيدة. وهكذا تُعامل أمهاتنا خلال عيدهن الاجتماعي. تكثر في هذا اليوم اليافطات في بيروت أمام كل المتاجر التالية: المتاجر والمخازن الكبرى، متاجر الخضار واللحوم والبقالة، محلات المجوهرات وبالطبع متاجر الألبسة النسائية، وكل تلك المتاجر لها الرسالة المشتركة الوحيدة خلال هذا العيد وهو دعم الطبقات الاجتماعية بأكملها وحثها على تزيين المرأة التي حَمِلَت يومًا وشراء كل ما تحتاجه "الأم العربية المثالية" من أدوات منزلية وأدوات خاصة بالمطبخ. قد تهوى والدتي الطبخ ولكن هذا لا يجعل منها طاهية. ما يفتح باب النقاش في موضوع الاتجار بما هو "طاهرٌ" مجتمعيًا ودينيًا وعربيًا. هل أصبح عيد الأم في العالم عربي وسيلةً لكي نبتكر أسبوعًا عربيًا للتسوق؟
ذكورية الإعلانات أيضًا
لمَ لا نسوّق لحاجات الأم الفعلية في هذا العيد؟ لمَ لا نطرح على والدات البشرية فحوصات الأورام السرطانية في الصدر التي تشمل خطورتها جميع النساء؟ لمَ لا نسوّق لملايين النساء العاطلات عن العمل في العالم العربي بسبب التفريق الجندري مع الرجل؟ لمَ لا نرى أي منظمات غير حكومية تقوم بفعلٍ جدّي وإيجابي بمطالبة الدولة اللبنانية بأن تحصل المرأة على حقوقها؟ لمَ لا نرى سوى ما يفتح الشهية على الطعام وحس المبادرة بالتنظيف المنزلي فحسب خلال عيد الأم؟ وهذا العيد أصبح أشبه بكعكةٍ مليئة بالشوكولا والعائلة المشتهية للحلوى حولها تُنسيها بأن اليوم التالي بعد هذا العيد ستعود لتكافح من أجل وجودها في هذا العالم.
اقرأ/ي أيضًا: