من عناء ما نكابده في وحشة الطريق -لحظةَ انشطارِ الأغنية إلى نصفين، أنشطر إلى نصفين أيضًا، نصف يرافق المسعى، ونصف يمتحن بالرجوع- نكون قد رغبنا عن ضآلة التَعَقُّلِ واتخذنا من فكرةِ الانشطار جوهرًا، في ذاته، بعيدًا عن الأنصاف وما تكشفه لنا من مغريات.
*
غادَرَني الطريقُ فأرشدتني عيناي إلى حيث تستقر الحكاية، فكان المُلَخَّصُ: في باطنِ كلِّ سلامٍ رصاصةٌ ترتدي عقالًا أو عمامة، وفي باطن كُلِّ معركةٍ حمامةٌ تنزف، ولا مناص من درأ الحكاية إلا بالعودةِ إلى الطريق!
*
وعندما شَرِبتُ من عينِ الحياةِ الكائنة تحتَ نخلةٍ عوجاءَ لا تخلو من حزن الزمن وصلافة المكان، نسيتُ عينيَّ في قلب الغابة، فصارَ للغدران معنىً كاذبٌ، وللعطشِ صورة العاشق في الصحراء، ولا أريد، في ما تبقى لي من العمرِ، سوى الطريق!
*
وحدي اليومَ أرعى إبِلَ الشوق في الصحراء، غير عابئٍ بالزمان المكان، في خضمِّ متاهة الطريق، أغمضُ عينيَّ، وأنشطرُ إلى ذراتٍ، دون أن أضع في الحسبان ضياع العائلة.
*
وحديَ في جنة المرعى، سأشتاق إلى زمنين، واحد ولَّى، والآخر لم يحن بعد، حيث أرنو إلى الأفق، فيشتعل الآخرون في عينيَّ وتنطفئ الدنيا، ولا يبقى سوى اللهيبِ، وخيطٍ يشبه الطريقَ ما إن تلامسه أصابعي: أضيع.