يقدّم الباحث العراقي فالح عبد الجبّار في كتابه "دولة الخلافة: التقدّم إلى الماضي، "داعش" والمجتمع المحلّي العراقي" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017)؛ تحليلًا موسّعًا عن المجتمع المحلّي العراقي في الفترة التي سبقت ظهور الدولة الإسلاميّة وبعد ظهورها، وذلك من خلال رصد وقراءة التفاعل بين المجتمع المحلّي المتمثّل في السكّان، وبين مؤسّسات الدولة الأكثر صلةً مع الحياة اليوميّة، مقدّمًا كلًّا من المحاكم الشرعيّة وأجهزة الحسبة وديوان بيت المال مثالًا.
يبحث كتاب "دولة الخلافة" في تأثيرات الدولة الفاشلة على المجتمع المحلّي الباحث عن خلاص مما هو فيه
يتألّف الكتاب من عشرة فصول، موزّعة على 464 صفحة، يتحدّث المؤلّف في الفصل الأوّل "الدولة الفاشلة: اختلال بناء الأمّة وتعدّد الهويّات والنزاع" عن البيئة المثاليّة لظهور التنظيمات التكفيريّة في العراق، ودور الدولة الفاشلة في ذلك، مُعتبرًا إياها العامل الأساسي والمُمهّد لظهورها داخل العراق. ومؤكِّدًا في الوقت ذاته، بطريقةٍ أقرب إلى التحذير، على تجنب الخلط بين مفهوم الإسلام السياسي والتيّارات التكفيريّة، موضّحًا طريقة عمل كلّ منهما، وتأثيرهما على المجتمع المحلي.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: "الجيش والسياسة" مدخلًا لفهم الدولة الوطنية العربية
يشرح فالح عبد الجبار أيضًا لجوء التيارات التكفيريّة للعمل تحت مظلّة "الخلافة"، واستغلال هذا المصطلح في تكوين شعبيّة مبدئيّة تُمكّن تلك التيارات من الظهور والعمل، كونهُ يمثّل للمسلمين مرحلةً تاريخيّة مهمّةً يحلم البعض بعودتها وتطبيقها على واقعنا الآن. وفي هذا السياق يبحث عبد الجبار في الأسباب التي مهّدت أو التي كانت تقف خلف إعادة إحياء فكرة "الخلافة" والعمل على تطبيقها. وظهور مفهوم "التوحش" داخل التيّارات التكفيريّة بشكلٍ عام، والدولة الإسلامية بشكلٍ خاص. التوحش المُغلّف بالفتاوي الدينيّة والفقهيّة التي ثبتت أرست ركائزه ورسخته كفكرة داخل تلك التيّارات والتنظيمات.
يفردُ المؤلّف مساحةً واسعةً للحديث عن مخيال المُجتمع السنّي وطموحاته في مرحلتين؛ الأولى ما قبل سيطرة الدولة الإسلاميّة، والثانيّة في ظلّ سيطرتها. ما يقود المؤلّف بطبيعة الحال للبحث في التقارب القائم على فكرة الانتقام ومحاولة رد الاعتبار بين كلّ من البعث، أو ما تبقّى منه، وبين التيّارات التكفيريّة. ويقول فالح عبد الجبّار أنّ الهدف من ذلك التقارب هو العمل على تكوين جبهة طائفيّة سنيّة مُحاربة بالدرجة الأولى.
يتناول عبد الجبار في كتابه أيضًا تأثيرات الدولة الفاشلة على المجتمع المحلّي الباحث عن خلاص مما هو فيه، والتحوّلات التي رافقت تلك التأثيرات، والمُتمثّلة في الاعتصامات الشعبيّة التي اشتدّت منذ 2012، الأمر الذي مهّد، بشكلٍ غير مُباشر، لإعادة ظهور الدولة الإسلاميّة في الساحة العراقيّة، مُستغلّةً الغضب المُجتمعي ومُطلقةً وعودًا بأن تسلك طريقًا مُختلفًا يمكِّن الطائفة السنية من إعادة مكانتها المفقودة.
ما يُميّز كتاب "دولة الخلافة" هو احتواؤه على شهادات حقيقيّة عن الحياة اليوميّة في ظلّ وجود الدولة الإسلاميّة، جمعها المؤلّف من أناس بوجهات نظر وأفكار مختلفة، فهناك من يؤيد الدولة الإسلاميّة، وهناك من يُعارضها ويخشاها، ويُعبر عن خوفه من خلال سرد ما فرضته الدولة عليهم، إن كان من ناحية دفع الإتاوات أو فرض الحجاب ومنع التدخين وسواها من الأمور الأخرى. فضلًا عن شهاداتٍ من مدينة تلعفر تروي جرائم داعش في المدينة.
يرى فالح عبد الجبار أن دولة الخلافة "داعش"، القائمة على بيع النفط وتهريبه، دولة ريعيّة
يشرح عبد الجبار البنية الاقتصادية للدولة الإسلاميّة، والقائمة على بيع النفط وتهريبه، واصفًا إياها بالدولة الريعيّة، والحاصلة على مساعداتٍ ماليّة من جهات خارجيّة ومحليّة. بالإضافة إلى أنّها دولة قائمة بأقلّ التكاليف، حيث تعتمد في تأمين مبانٍ لجنودها ومؤسّساتها على مصادرة الأبنيّة لا شرائها. كما أنّها لا تدفع مبالغ ماليّة مُقابل ما تأخذه من السكّان، حيث أنّها تأخذه بقوّة السلاح والتهديد، ما يجعلها دولة تأخذ دون أن تعطي.
اقرأ/ي أيضًا: عطوان وفودة.. داعش باقية وتتمدّد في الكتب
في السياق الاقتصادي ذاته، فرد المؤلّف مساحة خصّصها للحديث عن رجال الأعمال من الطبقة الوسطى في الأماكن الواقعة تحت سيطرة الدولة، قبل وبعد السيطرة، وذلك في كلّ من مدينة صلاح الدين والأنبار والموصل. حيث إنّ، وبحسب المؤلّف، عددًا كبيرًا منهم قرر الهجرة والفرار كون فرص العمل في أماكن سيطرة الدولة منعدمة.
في الفصل الأخير من الكتاب يبحث عبد الجبار في الصدام القبلي مع الدولة الاسلاميّة. ويعرضُ أيضًا شهادات لشبّان حول تجنيدهم من قبل الدولة، واتّباع أساليب جديدة في ما بات يُعرف بالتربيّة الجديدة القائمة على عزل الشبّان عن عدّة أمور من خلال تشديد الرقابة عليهم.
اقرأ/ي أيضًا: