ألترا صوت - فريق التحرير
أعادت "المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر" إصدار الطبعة العربيّة من كتاب "فرجينيا وولف: سيرة حياة" لمؤلّفه البريطانيّ كوينتين بيل، ترجمة عطا عبد الوهاب، بعد ثلاث عقود مرّت على صدور الطبعة الأولى، لتعود بذلك سيرة الكاتبة البريطانيّة التي غادرت العالم في الـ 28 من آذار/مارس عام 1941 بعد حياة تراجيديّة مؤلمة انتهت بانتحارها، إلى الواجهة العربية مُجدَّدًا.
تعد فرجينيا وولف من روّاد الحداثة الأدبيّة، وتُقارن بتوماس مان وفرانز كافكا وجيمس جويس ومارسيل بروست
الكاتبة البريطانيّة التي خاضت صراعًا طويلًا في مواجهة الاكتئاب والأزمات النفسيّة التي أثّرت سلبًا على صحَّتها العقليّة، ودفعتها فيما بعد لإغراق نفسها في نهر "أوز" القريب من بيتها، تُوصف بأنّها من روّاد الحداثة الأدبيّة في بريطانيا، حيث كانت تُقارن بتوماس مان وفرانز كافكا وجيمس جويس ومارسيل بروست، وذلك بعد تقديمها أعمالًا أدبيّة صبّت اهتمامها على مصائر الأفراد وعلاقتهم مع الزمن والموت، الأمر الذي منح أعمالها اهتمامًا عالميًّا واسعًا تصاعد بعد حادثة انتحارها التي فتحت الباب على مصراعيه لقراءاتٍ جديدة لأعمالها قائمة على تحليلها بهدف ربطها بحياتها وإجراء مقارنات وتحليلات تخرج بتفسيرات لما آلت إليه أحوالها.
اقرأ/ي أيضًا: في صندوق بريد فرجينيا وولف
القراءة الجديدة لأعمال فرجينيا وولف رافقها اهتمام مُتزايد بحياتها الشخصيّة باعتبارها حياة غامضة وخفيّة ومُغرية أيضًا للكتّاب والباحثين الذين شرعوا في مُطاردة تفاصيلها وأسرارها بهدف تدوين سيرة ذاتيّة تُساعد في فهم مؤلّفة "غرفة تخصُّ المرء وحده"، ومن بينهم ابن شقيقة وولف كوينين بيل مؤلّف كتاب "فرجينيا وولف: سيرة حياة" الصادر سنة 1971.
قدّم بيل في كتابه سيرة مُتكاملة لخالته وولف، ركّز فيها على سنوات حياتها المُبكِّرة باعتبارها أساس كلّ ما جاء فيما بعد، مُنقِّبًا في حقيقة الأحداث الفارقة والصادمة المسؤولة عن صنع الشخصيّة التي انتهت إليها، خصوصًا خلال سنواتها الأخيرة التي ازدادت فيها انغلاقًا على ذاتها بفعل اكتئابها وهوسها وتأرجح صحّتها العقليّة أيضًا، نتيجة ما وصفه نُقّاد أعمّالها وكُتَّاب سيرتها الذاتيّة بالحزن القديم والمُتجذّر داخلها بفعل الأحداث الصادمة ذاتها التي ذكرها بيل، لا سيما سوء معاملة أخويها غير الأشقاء لها، حيث كان الأوّل الذي يكبرها بـ 14 عامًا يُداعب أعضائها التناسليّة دون أن تكون قادرةً على منعه وفضحه، بينما كان الثاني يُسيئ مُعاملتها بأشكالٍ مُختلفة مُخيفة وبغيضة طيلة خمس سنواتٍ لم تتمكّن من نزعها من ذاكرتها.
تلقّف نُقّاد فرجينيا وولف ما أنجزهُ كوينتين بيل باهتمامٍ واسع، كونهُ ومن خلال ما جاء على كشفه من تفاصيل غامضة وخفيّة مُرتبطة بحياتها المُبكِّرة قدّم لهم فرصة جديدة لإعادة قراءة أعمالها وحياتها كذلك انطلاقًا من هذه التفاصيل والأحداث، رابطين خجل صاحبة "الأمواج" من الأمور الجنسيّة ووقوفها موقفًا حادًّا وصارمًا تجاه التحرّش الجنسيّ أيضًا، بما تعرّضت له خلال طفولتها، مُرجعين في الوقت ذاته أزماتها النفسيّة واكتئابها وانهياراتها العصبيّة، وصولًا إلى انتحارها، إلى تلك الأحداث التي صاغت شخصيّة مُضطّربة موازيّة لشخصيّتها السليمة التي خسرت معركة الوجود أمام الأولى بعد سنواتٍ طويلة من الحرب المُتبادلة.
قدّم كوينتين بيل سيرة مُتكاملة لخالته فرجينيا وولف، ركّز فيها على سنوات حياتها المُبكِّرة باعتبارها أساس كلّ ما جاء فيما بعد
اقرأ/ي أيضًا: معلّمو غابرييل غارسيا ماركيز
ولكن، على الطرف المُقابل، هناك من حاول إقناع بيل بأنّ كلّ ما هو مُرتبط بتلك الفترة إنّما هو من نتاج مُخيلة وولف وهلوساتها وجنونها وانهياراتها العصبيّة، الأمر الذي خلق فيما بعد داخل الأوساط الثقافيّة البريطانيّة عمومًا، ودائرة نُقّاد أعمالها خصوصًا، موقفين مُتناقضين ومُتضادّين تجاه حادثة التحرّش الجنسيّ التي تعرّضت لها، يرى الأوّل أنّ هذه الحادثة وغيرها، وإن كانت صحيحة، لا علاقة لها بما انتهت إليه أحوال وولف، بينما يرى أصحاب الموقف الثاني أنّه لا يُمكن فهما وفهم أعمالها أيضًا دون الاعتراف بهذه الحادثة وغيرها من الاساءات التي اختبرتها وحملتها داخلها سنواتٍ طويلة دون أن تكون قادرةً على طردها أو تجاهلها بعد أن تمكّنت من صياغتها بطريقة وصِفت بالمؤسفة والمؤلمة.
اقرأ/ي أيضًا:
اغتيال المحرر الأدبي.. أين اختفى المخبر السري الذي يكرهه الكتاب؟