لا غرابة في أن يكون الإعلام الرسمي للدول العربية محابيًا للسلطة، فالأنظمة الاستبدادية تجاوزت هذه المرحلة وروضت الإعلام غير الرسمي لصالحها، حتى وصلت إلى رقابة مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لترويض أي معارضة قد يرصدها إعلام خارجي، ويسلط الضوء عليها، تارة بتفعيل الجيوش الإلكترونية والذباب الإلكتروني، وتارة بمتابعة الناشطين في المواقع وشراء ذممهم أو التضييق عليهم بالاعتقال والابتزاز.
فصل الصحفي والقيادي في التيار المدني أحمد عبدالحسين من عمله كسكرتير تحرير مجلة الشبكة، بسبب تدوينة له على فيسبوك
لكن عراق 2003، الذي ألزم دستوره السلطة بشكل واضح وبعدة مواد قانونية، على احترام حرية التعبير، واختار نظامًا يفترض أنه ديمقراطي لحكم الدولة، كان عليه أن يكون خارج دائرة الاستبداد، ولا يصل إلى مرحلة إنهاء خدمات منتسبي المؤسسات الحكومية بسبب منشور على فيسبوك!
اقرأ/ي أيضًا: شبكة الإعلام العراقي.. صراع التجديد والمحاصصة
وهذا ما حصل مع الشاعر والقيادي في التيار المدني أحمد عبد الحسين، بعد منشور غاضب له على حسابه الشخصي، تزامنًا مع قمع تظاهرات ساحة التحرير في بغداد، بالغاز المسيل للدموع واعتقال الناشطين. إذ رفض عبد الحسين الذي يشغل منصب سكرتير تحرير مجلة "الشبكة"، التوقيع على تعهد من مؤسسة شبكة الإعلام العراقي المستقلة شبه الرسمية، على عدم المساس بـ"كبار المسؤولين الحكوميين" و"الرموز السياسية للبلد".
ورفض أحمد عبد الحسين التوقيع على التعهد، مهمشًا كتاب التعهد بالقول: "أمتنع عن توقيع هذا التعهد، لأنه اعتداء على حريتي ويمثل قمعًا للرأي، خاصة وأن ما كتبته لم يكن ضمن مطبوع يخص الشبكة بل في صفحتي الخاصة في فيسبوك"، مضيفًا: "هذا الإجراء يمثل أسلوبًا يذكرنا بفترة الدكتاتورية التي ظننا أننا تخلصنا منها".
ولم يتأخر كتاب إنهاء خدمات سكرتير التحرير، كحال جميع الكتب الرسمية في العراق. إذ جاء كتاب فصل أحمد عبد الحسين من منصبه بعد 24 ساعة فقط من رفض التوقيع على التعهد.
وقال أحمد عبد الحسين في تصريحات لـ"ألترا صوت"، إن "هذه ليست المرة الأولى التي أتعرض فيها للفصل من شبكة الإعلام العراقي، فعام 2008 كتبت عمودًا صحفيًا عن حادثة سرقة مصرف الزوية وسط بغداد، والتي اتهم القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي عادل عبد المهدي بها، عنوانه: 800 ألف بطانية. وجاء العنوان نتيجة تقسيم المبلغ المسروق على سعر البطانية التي كانت تستخدم لشراء الأصوات الانتخابية، في ذلك الوقت لم يتسبب المقال بفصلي من صحيفة الصباح التابعة لشبكة الإعلام العراقي فحسب، بل تعرضت لتهديدات عديدة بالقتل أجبرتني على التواري مدة من الزمن".
وأضاف أحمد عبد الحسين: "ثم فصلت مرة أخرى مطلع عام 2012 بسبب اشتراكي بالاحتجاجات ضد حكومة نوري المالكي"، مستدركًا: "في كل مرة كنت أعود مرة أخرى، وربما سأعود مرة أخرى".
ولفت أحمد عبد الحسين، إلى أن "عددًا من المثقفين شنوا ضده حملة كبيرة تتهمه بسرقة شعبية الاحتجاجات وبيعها إلى التيار الصدري"، ساخرًا من هذا الاتهام: "يشعرون أن الاحتجاجات سيارة لأبيعها".
ورفض منتسب آخر في شبكة الإعلام العراقي، هو الشاعر أحمد عبد السادة، التوقيع على تعهد مماثل للذي رفضه أحمد عبد الحسين، لكن عبد السادة لم تنه خدماته.
وشهد قرار فصل أحمد عبد الحسين حملة تضامنية كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أيام قليلة من حملة مضادة له، فقال الشاعر والأكاديمي فارس حرام في حسابه الشخصي في فيسبوك، إن "الشيء الذي يجب أن يدافع عنه العراقيّون اليوم وكلّ يوم أنّ شبكة الإعلام العراقيّ ليست ملكاَ للحكومة وإنما هي ملك الشعب، بمعنى أنّ عملها ليس تلميع وجه الحكومة وعدم المساس بـ"الرموز السياسيّة للبلد" كما يقول مديرها الصديق مجاهد أبو الهيل".
وأضاف: "لا أدري أين العلاقة بين الآراء السياسيّة الشخصية لأحمد عبد الحسين المنشورة في صفحته في الفيسبوك، وعمله في شبكة الإعلام العراقيّ حتى يُفصل منه؟".
وبين أن "كلّ ما يسمّى بالرموز السياسية للبلد تستحق السب والقذف والشتم بأقذع الشتائم على ما اقترفته من جرائم بحقّنا وحق مجتمعنا ومستقبلنا"، مشيرًا إلى أنه "سيبقى هذا القرار عاراً بحق الديمقراطية في العراق وحكومة العبادي وشبكة الإعلام العراقي ومجاهد أبو الهيل!".
وتساءل الصحفي زياد وليد: "ما قيمة المثقف إن لم يقلق السلطة، وكيف نميز بين الصحفي والصحفي المثقف؟"، مستدركاً "بهذه المواقف، وهذه تحديدًا وبالذات"، مضيفًا: "قفز إلى ذهني حديث: كلمة حق عند سلطان جائر. لكنني وجدته أوسع وأثقل من وزن هؤلاء، فواحدهم لا يستحق وصف سلطان ولا جائر. لا يستحق حتى فخامة الوصف".
فيما أشار أمير عبد العزيز إلى أن "فصل أحمد عبد الحسين من وظيفته فيه أكثر من عبرة"، موضحًا أن "صوت المثقف مزعج، فعلاً، للسلطة الغاشمة، و مؤثر، و إلّا لما اتّخذوا مثل هذا القرار. وإنّ مهاجمة السلطان الجائر، لها تكاليفها، و آثارها، وهذا ما يُفسّر سكوت الكثيرين".
ويعتبر أحمد عبد الحسين أحد أبرز نشطاء الحراك الشعبي في العراق منذ عام 2010، ولا سيما بعد مقتل القيادي الآخر للحراك والإعلامي هادي المهدي.
ويتهم عدد من المثقفين والناشطين أحمد عبد الحسين بـ"بيع الحركة الاحتجاجية للتيار الصدري، وسلبها صبغتها العلمانية"، وجاءت هذه التهمة بعد اشتراك التيار الصدري في تظاهرات عام 2016 وعقد تحالف مع تنسيقية التظاهرات، الأمر الذي أدى إلى انشقاق عدد من شخصياتها بعد رفضهم لهذا التحالف.
يعتبر أحمد عبد الحسين أحد أبرز نشطاء الحراك الشعبي في العراق منذ عام 2010، ولا سيما بعد مقتل القيادي الآخر للحراك والإعلامي هادي المهدي
ويرى أحمد عبد الحسين، أن "الحركة الاحتجاجية ليست ملكًا لفئة معينة من الشعب، وأن التيار الصدري بثقله الجماهيري يضيف لهذه الحراك الكثير ويمكنه من تحقيق الضغط اللازم على السلطة لتحقيق المطلب الأساسي وهو إصلاح النظام من الفساد المستشري في أركانه، والقضاء على المحاصصة الطائفية في نظام الحكم".
اقرأ/ي أيضًا: