من الصعب إقناع والد الطفلة آلاء شاور بالصبر وتجاوز محنة المرض، وهو القادم من مدينة "جانت" التي تبعد عن العاصمة 2200 كيلومترًا، في أقصى الجنوب الجزائري، باحثًا عن علاج لابنته البالغة من العمر سنتين والمصابة بداء السرطان. يقول والد آلاء لـ"ألترا صوت": "نحن ننام على البترول والغاز ولكننا محرومون من التنمية ومن أبسط حقوق المواطن الجزائري، فتلقي العلاج يكلفنا الكثير خصوصًا في رحلة صعبة ومحاطة بالتعب المضني من الجنوب نحو الشمال". كلمات هذا الرجل الذي احترق على فلذة كبده آلاء، رددها مرارًا وهو يذرف الدموع حيث، كما يقول "وجد نفسه بين المطرقة والسندان"، ويوضح: "بعد أشهر بين العيادات والمستشفيات، تعرضت ابنتي لمرض ثاني بسبب نقل دم فاسد لتصبح المحنة محنتين".
يتفق الكثير من الجزائريين على وجود إجحاف كبير في حق سكان الجنوب الذي يزخر بالثروات الطبيعية بينما يفتقد أبسط الخدمات
الآلاف في الجنوب الجزائري يشتكون من صعوبة العيش في الصحراء، كثيرون ممن التقى بهم "ألترا صوت" عبروا عن تذمرهم من الأوضاع في هذه المدن المترامية الأطراف في الصحراء، مدن تنام على الذهب الأسود (النفط) ولكنها لا تستفيد من خدمات عديدة ومنها الخدمات الصحية الضرورية.
اقرأ/ي أيضًا: من جنوب الجزائر إلى شماله.. سفر في أحضان المرض
هذا ما صرح به حميد آغ علي، أحد سكان منطقة "حاسي الرمل"، الغنية بالغاز والبترول، لـ"ألترا صوت"، مضيفًا أن "الفارق واضح بين الشمال والجنوب في الجزائر، شمال تتوفر فيه مختلف الخدمات والمنشآت الضرورية للعيش الكريم وجنوب غني بموارده الطبيعية لكنه فقير من حيث معيشة سكانه ومعاناتهم اليومية"، مشددًا على ما سماه "المفارقة العجيبة".
غير بعيد عن مدينة حاسي الرمل، وتحديدًا في مدينة بشار في الجهة الغربية للجنوب الصحراوي، يتحدث علي سالمي لـ"ألترا صوت" عن معاناة المواطنين الجزائريين في منطقته، وخاصة نقص الخدمات الصحية في المنطقة الذي يعتبر" شغلهم الشاغل"، على حد تعبيره.
يتعذر على الآلاف من الجزائريين العلاج في العيادات المتوفرة في الجنوب، فهي إما غير موجودة أو تؤرق مرتاديها بسبب بعد المسافات للوصول إليها أو لا تتوفر بها الخدمات الضرورية، ليصبح البحث عن طبيب كـ"البحث عن معجزة"، هكذا صرح علي، الذي أضاف أنهم "يضطرون إلى سفر طويل وخصوصًا أثناء الذهاب إلى أقسام الولادات وأمراض الكلى والسرطان وغيرها من الأمراض التي يستعصى علاجها في المناطق الجنوبية ليتم تحويل المرضى نحو المدن الشمالية وخاصة العاصمة الجزائرية".
يتعذر على الآلاف من الجزائريين العلاج في عيادات الجنوب لافتقارها على الخدمات الضرورية ويضطرون للتنقل للشمال والعاصمة
اقرأ/ي أيضًا: السياحة الصحراوية في الجزائر.. إهمال متواصل
ويوضح: "الغريب أننا ننعم بخيرات لا حصر لها في الجنوب أولها نعمة النفط والغاز والكهرباء والمناطق الخلابة التي يمكنها أن تكون وجهة سياحية بالدرجة الأولى، في المقابل الشباب من سكان المناطق الجنوبية يعانون من مشكلة البطالة وتمنح الفرص في الحصول على وظيفة للقادمين من الشمال".
يتفق الكثير من الجزائريين على وجود "إجحاف كبير في حق سكان الجنوب الجزائري". في هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الله مسعودي إنه "لا يمكن إغفال المجهودات التي تبذلها السلطات المحلية والحكومة من أجل رفع الغبن عن المواطنين في الجنوب، عن طريق بناء المنشآت وخصوصًا المستشفيات والمدارس وغيرها، لكنها لا تكفي لسد حاجيات المواطن الصحراوي خصوصًا في المناطق النائية والبعيدة عن مقرات الدوائر والمحافظات".
في الجنوب الجزائري، مناطق ساحرة تجذب الزوار والسياح من كل مناطق العالم، وأسماء معلقة بالبترول في باطن أرضها وبسحر طبيعتها الخلابة ورمالها الذهبية وجبالها ومواقعها الأثرية إلا أنها في عيون سكان الصحراء مناطق مهمشة ومعزولة وتعيش خارج الزمن والتاريخ بالرغم من أن باطنها يهب الحياة لكل الجزائريين.
اقرأ/ي أيضًا: