يعرف المشهد الإعلامي في موريتانيا حالة فوضى، يصفها صحفيون ونقابات إعلامية بأنها كانت نتيجة سياسات تمييع ممنهجة لقطاع الإعلام، رافقته منذ دستور 1991، الذي فتح الباب أمام حرية الإعلام الخاص، وتهدف إلى الحد من تأثير وسائل الإعلام في الرأي العام والتحكم فيه. ويشكو العاملون في حقل الإعلام من تأثير هذه الفوضى على سمعة الصحفي ومكانته في المجتمع بفعل طغيان حضور "الدخلاء" على المهنة، وانتشار مواقع إلكترونية يناهز عددها مائة مؤسسة لكن لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط قيامها.
طفرة المواقع الإلكترونية
ارتفع عدد المواقع الإلكترونية في موريتانيا إلى حوالي مائة مؤسسة لكن لا تتوفر على الحد الأدنى من شروط قيامها
أدت الثورة المعلوماتية إلى ظهور عشرات المواقع الإخبارية في موريتانيا والتي يحرص أصحابها على تسميتها "وكالة أنباء"، وساهم في انتشارها الجمهور الواسع نظرًا لتوفر الإنترنت والتكلفة المالية المنخفضة نسبيًا لإنشاء المواقع، مقابل تكاليف إصدار الصحف التي بات جمهورها في تراجع كبير.
يرى عضو نقابة الصحفيين الموريتانيين عزيز ولد الصوفي لـ"ألترا صوت": أن "عدم وجود معايير تضبط المهنة الصحفية فتح الباب أمام طفرة المواقع الإلكترونية التي يحصل أصحابها بسهولة على تراخيص لإنشائها". ويتهم ولد الصوفي من وصفهم بأنهم "مسؤولون حكوميون فاسدون إداريًا وماليًا بالوقوف ضد وجود صحافة جادة في البلاد من خلال العمل على إغراق قطاع الصحافة بـ"المواقع الصفراء" وتمويلها بحيث تكاد الآن تطغى من حيث كثرتها على الصحافة الجادة"، حسب رأيه.
فيما يرى الصحفي بـ"وكالة أنباء الأخبار المستقلة" عبد الرحمن ولد خلال حديثه لـ"ألترا صوت"، أن "السلطات الموريتانية اعتمدت سياسة أعطني إعلامًا بلا ضمير أعطيك شعبًا بلا وعي"، مضيفًا أن "حقل الإعلام أغرق بمئات الصحفيين ووسائل الإعلام التي تتجاوز الخطوط الحمراء في المهنية، ومع ذلك تحظى بنصيب الأسد من صندوق دعم الصحافة المستقلة، بينما تتم محاصرة المؤسسات الجادة والتضييق عليها".
إنتاج ضعيف
وتتميز أغلب المواقع الموريتانية بضعف الإنتاج، فيما يعتمد العديد منها في تغطياته للأحداث على نسخ ما تتناقله المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي بأخطائها التي يحدث أن يصححها المنقول عنه بينما تبقى دون تصحيح لدى الموقع الناسخ. ويشكو القائمون على مواقع المؤسسات الإعلامية الكبرى مما يصفونه "سرقة" جهودهم التي "تتغذى عليها" بعض المواقع الأخرى دون نسبة لمصادرها الأصلية، في ظل غياب تام للمحاسبة.
تتهم نقابة الصحفيين الموريتانيين مسؤولين حكوميين فاسدين بالوقوف ضد وجود صحافة جادة في البلاد
لذلك يتهم صحفيون موريتانيون السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية "الهابا" بالتخلي عن دورها في مراقبة وضبط الإعلام، والانشغال عنه بمعاقبة العاملين في قطاع الإعلام الخاص وحماية "شرف رئيس الجمهورية". كما يعتمد بعض المواقع عنصر الإثارة لجلب القراء مستخدمًا عناوين تتضمن صفات مجتزئة، فيما يمثل العديد من هذه المواقع ساحة صراع بين قوى سياسية واجتماعية، ويُستغل بعضها لنشر أخبار مغلوطة وغير مهنية.
مطالب بإصلاح وضع الصحافة الإلكترونية
تطالب النقابات الصحفية بتنقية الحقل الإعلامي ووضع معايير لضبط المهنة التي صارت "مهنة من لا مهنة له في موريتانيا"، حيث يتهمون وزارة الاتصال التي يتبع لها قطاع الإعلام بأنها تمنح البطاقة الصحفية لمن تشاء دون ضوابط. ويقول ولد الصوفي إن "تحديد معايير للصحفي والمؤسسة الإعلامية بات ضرورة داعيًا إلى اعتماد شرط التخصص أو التجربة المهنية والعمل في مؤسسة صحفية معروفة مع تاريخ مهني لمنح البطاقة الصحفية، إضافة إلى فرض تطبيق دفتر الالتزامات على المؤسسات الصحفية. وهو ما لن يتم دون تضافر جهود النقابات الجادة والمؤسسات الإعلامية الهادفة".
أما ولد بل فيشير إلى حماية رسمية لصحافة "مرتزقين" يتم إدراجهم ضمن الوفود الصحفية المرافقة للرئيس في جولاته لتكريس نظرة سلبية عن الصحافة لدى الرأي العام، مطالبًا الصحفيين بثورة ضد تمييع المهنة.
وغير بعيد من الفوضى التي تعيشها المواقع الإخبارية تعيش مؤسسات الإعلام السمعي البصري تجربتها الناشئة التي تعود لسنوات قليلة، وهي تجربة تحفها مخاطر ومشاكل وصفها بيان احتجاج صادر قبل أسابيع عن اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الخاصة بموريتانيا بأنها "مشاكل تهدد وجودها".
اقرأ/ي أيضًا: