الترا صوت- فريق الترجمة
مع انتشار فيروس كورونا الجديد حول العالم، والذي أدى إلى إصابة ما يزيد عن أكثر من 90.000 شخص ووفاة أكثر من 3000، لاحظ الأطباء شيئًا مثيرًا للعجب: أعداد الأطفال الذين تم تشخيصهم بالمرض قليل جدًا، وكل من شخصوا بالمرض من الأطفال كانت الأعراض لديهم طفيفة جدًا. هذا وفق ما نشره موقع "توداي" في تقريره الذي نقدمه مترجمًا هنا.
كل من شخصوا بافيروس كورونا من الأطفال كانت الأعراض لديهم طفيفة جدًا
ففي الصين، حيث بدأ تفشي المرض، يشكل الأطفال 2.4 بالمئة فقط من جميع الحالات المُبلغ عنها من الإصابات بالفيروس، والمرض الذي ينجم عنه، وهو مرض فيروس كورونا 2019 الناجم عن فيروس كورونا الجديد، وذلك فقًا لتقرير بعثة منظمة الصحة العالمية والصين المشتركة. من بين هذه النسبة الضئيلة من الأطفال، كانت هنالك 2.5 بالمئة منهم فقط عانوا من الأعراض الشديدة، ونسبة أقل بكثير (0.2 بالمئة) وصلت لدرجة حرجة وخطيرة من المرض. وفي جميع أنحاء العالم، لم يتم الإبلاغ عن أي وفيات حتى الآن بين الأطفال الصغار.
فيروس رحيم على الأطفال؟
تمثل "رحمة" فيروس كورونا على الأطفال ارتياحًا عامًا من جهة، وغموضًا من جهة أخرى بين خبراء الأمراض المعدية لدى الأطفال، إذ لا يتوفر لديهم إجابات محددة عن هذا اللغز.
يقول الدكتور فرانك إسبير، أخصائي الأمراض المعدية لدى الأطفال في مستشفى كليفلاند كلينك للأطفال، الذي تركز أبحاثه على التهابات الجهاز التنفسي الفيروسية والأمراض المعدية: "هذه واحدة من الحقائق الغريبة والمحيرة التي لا يزال هذا الفيروس يلقي بها علينا". وأضاف الدكتور فرانك: "يبدو أن فيروسات كورونا العادية تؤثر على الأطفال والبالغين، ولكن هذا الفيروس الجديد ولسبب غير مفهوم، يصيب البالغين فقط حتى الآن في الغالبية العظمى من الحالات".
المناعة أقوى لدى الأطفال؟
أما الدكتورة فانيسا رابي، الأستاذة المساعدة في علم أمراض الأطفال والكبار المعدية في جامعة نيويورك لانجون فترى أن الإجابة على هذا اللغز تكمن في الفرق بين أجهزة المناعة للأطفال والكبار. وقالت إنه مع تقدم الناس في السن، تضعف أجهزة المناعة لديهم، مما يجعل من الصعب عليهم محاربة الأمراض.
وقالت: "لقد رأينا أنماطًا مماثلة لأمراض أخرى، مثل الجدري على سبيل المثال، فالبالغون الذين يصابون به يميلون إلى التعرض لحالات أكثر خطورة من الأطفال".
تفسيرات أخرى محتملة
هناك تفسيرات أخرى ممكنة لهذا الأمر. يقول الدكتور بودي كريش، وهو أستاذ مشارك في علم الأمراض المعدية لدى الأطفال في مستشفى "فاندربيلت"، إن الأطفال الذين يتعرضون عادةً لبعض الفيروسات التاجية الأخرى، مثل تلك التي تسبب نزلات البرد، قد يكون لديهم أجسام مضادة في مجرى الدم توفر بعض الحماية من هذا الفيروس الجديد.
ويضيف: "ربما تستجيب أجساد الأطفال المصابون بفيروس كورونا الجديد، مثلما تستجيب مع أي فيروس كورونا آخر، حيث يصابون بسيلان أنفي بسيط، أو بعض السعال الخفيف، أو أعراض خفيفة للغاية، وذلك لأنهم تعرضوا للفيروسات التاجية منذ فترة غير بعيدة، وربما يوفر لهم ذلك قدرًا أكثر قليلاً من الحماية من الإصابة بالفيروس الجديد ".
كما لا يسقط الدكتور كريتش احتمال أن يكون جهاز المناعة لدى الأطفال أقلّ "ارتباكًا" مما هو لدى البالغين. "إن أجهزة المناعة لدى الأطفال معتادة على هجمات الفيروس، ومن مصلحة جهاز المناعة تنظيم استجابته. لو كان جهاز المناعة لدى الطفل سيتعامل مع كل فيروس بهلع في كل مرة، فهذا يعني أنّه سيكون عرضة لينتهي بي الأمر في العناية المركّزة. لكن أجساد الأطفال أكثر قدرة على اتخاذ تكيفات مناعيّة أسرع وأكثر جدوى، مما عليه الحال عند البالغين".
وأضاف كريتش أنه لا توجد حتى الآن أي علامة قاطعة تتيح تعميم هذه النظريات والجزم بأي منها. وقال "نحن ببساطة لا نفهم على وجه التحديد كيف ينجو الأطفال من الإصابة بهذا الفيروس".
في البداية اعتقد الخبراء أن الأطفال أكثر قدرة على تحمّل فيروس كورونا الجديد لأن لديهم رئتين أكثر صحة، وأنهم قد تعرضوا لمستويات أقل من الدخان مقارنة بالبالغين، وخاصة في الصين، حيث تعد جودة الهواء مشكلة معروفة. والتدخين على وجه الخصوص يزيد من مستقبلات معينة في الرئتين ترتبط بها فيروسات كورونا الأخرى، مثل متلازمة التنفس الحاد الوخيم، أو السارس، لذلك تساءل المختصون العاملون في المجال الصحي عما إذا كان وجود المزيد من هذه المستقبلات يؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بالمرض أو التأثر به بشكل أكثر حدّة.
لكن مع انتشار الفيروس ، لم تصمد هذه النظرية. يقول الدكتور إسبير "المشكلة هي أننا ما زلنا نرى هذا التفاوت المرتبط بالعمر في بمعدلات الإصابة، حتى خارج الصين".
ثم وضع الخبراء احتمال أن الأطفال ببساطة لا يتعرضون للفيروس بشكل متكرر كما هي الحال لدى البالغين. ففي حالة السارس مثلًا، بقي الفيروس محصورًا بين مجموعات محددة من السكان، وخاصة في المستشفيات.
ولكن مع فيروس كورونا الجديد، يعقب الدكتور كريتش: "يبدو أن الفيروس يتفشى بشكل واسع، ومع ذلك يبدو أن الأطفال الأصغر سنًا الذين تترواح أعمارهم بين 10 إلى 15 سنة لا يصابون بالمرض، وحتى لو حصل وأصيبوا بالمرض، فإن الأعراض لا تبدو شديدة عليهم".
لكن هذا لا يعني أن الأطفال لا يستطيعون نقل الفيروس إلى أفراد آخرين أكثر ضعفًا في المجتمع من حولهم. ومع توافر إمكانية إجراء الفحوصات الخاصة بهذا الفيروس في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد يكون من المرجح بروز المزيد من حالات الإصابة بالفيروس بين الأطفال.
وقال الدكتور إسبير "في الوقت الحالي، للأسف لا يمكننا أن نحدد سبب صمود الأطفال أمام هذا المرض، لكن هذا لا يعني أن طفلك أو أي طفل آخر لن يمرض بالضرورة، وأنه لا يمكن أن يصاب وينشر العدوى إلى أشخاص آخرين قد يتأثروا بالمرض بشكل شديد".
لكن يبدو بالفعل أن الأطفال حديثي الولادة يقامون هذا الفيروس بشكل قويّ، فقد وجدت إحدى الدراسات أن الصين لم تشهد سوى نقل تسعة أطفال فقط إلى المستشفى في الفترة ما بين 8 كانون الأول/ديسمبر و 6 شباط/فبراير بسبب فيروس كورونا الجديد، ولم يتعرض أي منهم لمضاعفات شديدة ولم تكن هنالك ضرورة لنقل أي منهم إلى العناية الحثيثة.
وعلى الرغم من العلامات الواعدة التي تشير إلى أن الأطفال يقاومون هذا الفيروس الجديد بشكل فعّال، يحذر الخبراء من أن الأطفال الخدج والأطفال المصابين بأمراض صحية مزمنة ينبغي اعتبارهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالمرض، وينبغي اتخاذ ما يلزم لوقايتهم من الإصابة به.
تجدر الإشارة عمومًا إلى أن الأطفال لم يكونوا عرضة للإصابة بالأمراض المرتبطة بالتفشي السابق لفيروس كورونا. فمرض "السارس"، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس"، لم تكن شائعة كذلك بين الأطفال. لكن تنصح الجهات المعنية بالصحة العامة والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية، باتخاذ الأطفال وعائلاتهم ما يلزم من تدابير وقائية مثل غسل اليدين بالصابون والمياه أو معقم اليدين، وضرورة تغطية الفم عند السعال أو العطس.
مرض "السارس"، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس"، لم تكن شائعة بين الأطفال، كالحال مع فيروس كورونا اليوم
وقال الدكتور إسبير إنه إذا شعر الأطفال بالمرض، فيجب على الآباء مراقبتهم عن كثب وحماية الآخرين من حولهم للتأكد من عدم نقل العدوى إلى الأصدقاء والعائلة.
وهذا أحد الأسباب التي تجعل بعض المدارس في جميع أنحاء البلاد قد تختار الإغلاق إذا كانت هناك حالات محددة يشتبه بإصابتها في المرض.
أما الخبراء، فلا يملكون الآن سوى أن توفر لهم مراقبة هذا المقاومة للمرض لدى الأطفال، مزيدًا من الأدلة حول فيروس كورونا الجديد نفسه وسلوكه لدى البالغين والأطفال على حد سواء.
تقول الدكتورة فينيسا رابي: "نريد أن نعرف حقًا، ما هو الشيء الذي يجعل بعض الأشخاص يعانون من أعراض خفيفة أو غير ملحوظة بالمرة، بينما يمرض الآخرون بشكل حادّ. "إذا كان الآباء والأمهات والأطفال على استعداد للمشاركة في البحوث، فسوف تتاح لنا فرصة أكبر لحل هذا الأمر المحيّر".
اقرأ/ي أيضًا:
خارطة الاحتجاجات العالمية.. كورونا حاضر أيضًا