الفراش عذابٌ بليغٌ إذ يتحوَّلُ جمرًا تحت من أرِقَ ويشوي روحَه المحشورة في خانة "إليَك"، لاسيَّما في بدء مجيء الغفوة وقد تسلَّلَ الصداعُ إلى رأسه مصحوبًا بلذعةٍ من عطشٍ وحاجةٍ ماسَّةٍ للنهوض وتناول حبّة "بانادول" مع جرعة ماءٍ بارد ولكنَّه يخشى ذاك النهوض الذي سيؤدي إلى هروب النوم في هذه الحالة من التمرُّغ بالكدر والضنك اللذان يشدّان أياديهما على الرقبة ليمسكا في الحلق ما لا يُمسَك خارجه، بينما الأجفان تقاوم باستدعاء النوم، وفي هذا الحين لا بد من اتخاذ قرارٍ حازمٍ وجازمٍ ومفاجئ فالأمرُ يحتاج إلى جرأةٍ وإرادةٍ قديرةٍ للنهوض من العذاب.. والوقت لا يرحم في الغرب والغربة، إلا أنَّ الحالةَ ليست مرتبطةً بالمكان فقلق الشرق أدهى وأمرّ، والفرق أن الوقت في الغرب له قيمةٌ وحضورٌ أعلى مما هو عليه في الشرق، فليلةٌ مع الأرق لن تخرب يوم المؤرَّق بل ستخرب أسبوعه كلَّه في بلادٍ تركض أمام سوط الزمن العملي والمؤتمَت والفردانيَّة والحياديَّة ولن يجد في جمر الفِراش الشاوي تسليةً عن برود العلاقات الرسميَّة، أو العلاقات الاجتماعيَّة المعدومة تقريبًا، بل إنَّ التبعةَ السلبيَّةَ لتلك الليلة المؤرِّقة - هكذا بلا داعٍ ربما - قد تلحق بهذه العلاقات التي تَحكم عليه أن ينشوي وحده ويشمَّ رائحة شوائه وحده، لذلك وعلى كل حالٍ الأجدر به والأجدى له أن يبحث عن السبب فإن كان سببُ الأرق فيزيولوجيًّا فلا بأس، هو ككل شيء له تأمين هنا، وسيستطيع بسهولةٍ التوجهَ إلى مستشفى يفتح له ذراعيه، والأطباءُ لطفاءٌ غالبًا ومتفانون في (العمل) غالبًا ومهنيِّون غالبًا فالإنسان في هذه البلاد ماكينةٌ بشَريِّةٌ ولا مجال لتلك المشاعر المهترئة المتوافرة في المشرق، أما إن كان السبب نفسيًّا فيستطيع أيضًا التوجه على قدميه إلى سجن الأمراض النفسيَّة حيث سيقضي فترةً قد تطولُ وقد يتحوَّلُ خلالها إلى مجنونٍ حقيقيٍّ مع معاشرة زملائه المرضى النفسيِّين الذين دخلوا هذا المشفى، على الأغلب، بعد محاولة انتحارٍ فاشلةٍ لا تليق بعقولهم النيِّر أغلبها، فكيف وقد بات الانتحارُ سائدًا على كوكب الأرض، لكنْ لا بدَّ أن يكون محكَمًا فالذين يفشلون به يتوجَّب إدخالُهم إلى سجن الأمراض النفسيَّة لأنَّ إرادتَهم الموتَ لم تكن كاملةً، كما أن الشروعَ بالقتل جريمةٌ يعاقِب عليها القانون هنا وهناك ودومًا وأبدًا وهؤلاء المساكين المساجين المجرمون المنتحرون الفاشلون الذين ما قادهم إلى الانتحار إلا الفشلُ عليهم أن يخضعوا للرقابة العلاجيَّة حتى لا يفشلون مرَّةً ثانيةً في حيواتهم وأن يموتوا بهدوءٍ على فراش العذاب البليغ الذي يتحوَّل جمراً تحت من أرِق.
اقرأ/ي أيضًا: