يبدو أن النظام المصري يسعى لسحب يده من التزاماته التي ينصّ عليها الدستور الخاصة بتقديم الدعم المادي والعيني للطبقات الفقيرة من الشعب المصري، فالأخبار الواردة من داخل البرلمان المصري تشير إلى اقترابه من إقرار مشروع قانون لتحديد النسل يربط استحقاق الدعم الحكومي بتنظيم الأسرة. البرلمان، الذي يعتبره كثير من المتابعين للشأن المصري بابًا خلفيًا لتمرير كل ما يريده النظام المصري، من خلال تحويل رغبة الرئيس المصري بتخفيض معدل النمو السكاني إلى أمر واقع بقانون أعدته النائبة غادة عجمي وقدّمته لمجلس النواب تمهيدًا لإحالته للجنة التشريعية بالبرلمان لمناقشته.
الأخبار الواردة من داخل البرلمان المصري تشير إلى اقتراب إقرار مشروع قانون لتحديد النسل يربط استحقاق الدعم الحكومي بتنظيم الأسرة
وينصّ مشروع القانون على أنه "يحق لكل أسرة مكونة من زوج وزوجة واحدة أو أكثر، إنجاب عدد غير محدد من الأبناء، بينما يتمتع أكبر ثلاث أبناء منهم سواء كانوا من الإناث أو الذكور بكافة أنواع وأشكال الدعم الحكومي المستحق دستوريًا وقانونيًا، ولا يستحق الابن الرابع وفيما بعده من أبناء أيًا كان عددهم أي نوع من أنواع وأشكال الدعم الحكومي في شتى المجالات الحكومية الخدمية والإنتاجية سواء كان هذا الدعم تعليميًا أو اجتماعيًا أو صحيًا أو اقتصاديًا".
عجمي أكدت في تصريحات للصحافة المحلية أن مشروع القانون لاقى قبولًا كبيرًا من جانب أكثر من 200 نائب وقّعوا على مسودته، كما أشارت إلى أهمية القانون لمواجهة عجز الموازنة المتفاقم والفارق الكبير بين حجم الناتج القومي ومعدلات النمو السكاني، بحسب كلامها. ويقصر القانون المقترح الدعم الحكومي لأول 3 أطفال فقط لكل أسرة، مع معاقبة الأسر المخالفة منذ صدور القانون برفع الدعم عنهم نهائيًا، فهل يعالج هذا المشروع المشكلة، وما الدافع أساسًا من ورائه؟
اقرأ/ي أيضًا: القاهرة.. من فقراء المدن إلى مجتمعات الكومباوند (1 ـ 2)
خطة الحكومة
تستهدف الحكومة المصرية خفض معدلات المواليد والزيادة السكانية، وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف تجرّب مجموعة من الحلول التي تثير جدلًا شعبيًا وفي الوقت ذاته تحرص على تمهيد الطريق لكافة الإجراءات التي من شأنها مساعدتها على الوصول لمبتغاها. تقارير ومقالات رأي وأخبار متواترة في صفحات الجرائد الحكومية والموالية، تدفع جميعها باتجاه ضرورة السعي لخفض معدل المواليد والزيادة السكانية ليتوافق مع معدلات النمو الاقتصادي. قبل أسابيع قليلة، نشر الصحفي كرم جبر، رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، مقالًا تناول فيه عددًا من الموضوعات والقضايا، وحذّر من خطورة ما تتعرض له مصر الآن من معدلات نمو سكاني مرتفعة، بالمقارنة بمعدلات النمو الاقتصادي المنخفضة، شدد على أنه كلما زادت الفجوة بينهما، زادت معدلات الفقر وحدة المشكلات الاجتماعية، وهو ما يضرّ بفرص جذب المستثمرين العرب والأجانب.
تستهدف الحكومة المصرية خفض معدلات المواليد والزيادة السكانية وفي سبيل ذلك تجرب مجموعة من الحلول التي تثير جدلًا شعبيًا
في أواخر العام الماضي وصف أبو بكر الجندي، رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الزيادة الطبيعية للسكان في مصر بـ "الكارثة"، وفي وقت متزامن أشار وزير الصحة المصري إلى خطة حكومية لـ"تخفيض خصوبة المصريين"، مشيرًا إلى ارتباط النمو الاقتصادي في مصر بالتوازن مع معدلات نمو السكان، وأن الهدف من الجهود التي تجري حاليًا في هذا المجال العمل على خفض معدل الخصوبة للوصول إلى 110 ملايين نسمة 2030، وزيادة استخدام وسائل تنظيم الأسرة من 59% في 2014 إلى 71% في 2030. وفي أيار/مايو الماضي صرّح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "كل يوم"، الذى يقدمه الإعلامي عمرو أديب على فضائية ON E المملوكة لرجل الأعمال المقرب من النظام أحمد أبو هشيمة، أن خطورة النمو السكاني لا تقل عن قضية الإرهاب، وتحدث حينها عن خطة تدرسها الدولة من أجل "إعطاء حوافز للمواطنين الذين يلتزمون بعمليات تنظيم الأسرة والحفاظ على النمو السكاني و فرض بعض العقوبات على غير الملتزمين".
رغبة الرئيس التقطتها النائبة البرلمانية التي روّجت ودافعت عن مشروعها بكلام متشابه للغاية مع ما يطرحه النظام ورجاله حول خطورة الزيادة السكانية، إذ قالت غادة عجمي إن المشروع يهدف إلى بناء مصر القوية وتحويل البلاد من دولة هشة غير قادرة على تعليم أبنائها ورعايتهم صحيًا واجتماعيًا وتعليميًا إلى دولة قوية تلبي كل هذه الاحتياجات.
وأضافت النائبة البرلمانية غادة عجمي في تصريحات تلفزيونية أن هذا المشروع يعتبر بمثابة تعاون من الأسرة لمساعدة الدولة، ووجهت حديثها إلى رافضي المشروع بقولها "مش معقول نخلّف زي الأرانب والحكومة تبقى ماما وبابا". وعلى الخط ذاته، أعلن عمر شيبة، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، دعمه لمشروع القانون باعتبار أن الزيادة المستمرة فى تعداد السكان في مصر تساهم بشكل مباشر فى تآكل معدلات النمو المستهدفة بنسبة 2.5%، على حد قوله، وهو السبب ذاته الذي تحرص الصحف الموالية على إبرازه في كل مرة يصدر فيها بيان عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
اقرأ/ي أيضًا: أماني الخياط.. بوق السيسي لإسكات فقراء مصر
معارضون
يرى معارضو قانون تحديد النسل في مصر أن استغلالًا مثاليًا للمنح الدولية وترشيدًا في النفقات سيكون كافيًا لسد عجز الموازنة
على الجانب الآخر، رفض عدد من نواب البرلمان مشروع القانون، باعتباره "مستفزًا" ويقوم بدور "التحفيز السلبي" بشكل يجعل سلبياته أكثر من إيجابياته. من بين هؤلاء النواب الرافضين لمشروع القانون شادية ثابت، عضوة لجنة الصحة، والتي أكدت أن اتخاذ الدولة لحزمة من الإجراءات التحفيزية الإيجابية أفضل من سعيها لمعاقبة الآباء الذين ينجبون بكثرة. وأشارت شادية ثابت إلى أن تقديم ميزة لمن ينجب طفلين فقط أو ثلاثة سيكون حلًا أفضل من وقف الدعم نهائيًا عمن ينجب أكثر من ثلاثة أطفال، مؤكدة أن هذه الخطوة ستثير غضب المصريين، بالنظر إلى صعوبة تقبل ذلك في أوساط الكثيرين الذين سيعتبرونه مخالفًا للعادات والتقاليد وربما للدين أيضًا.
النائب فتحي قنديل هو الآخر رفض مشروع القانون معللًا ذلك أن "تحديد النسل حرام"، وأضاف في تصريحات صحفية أنه لا يتلاءم مع طبيعة المجتمع المصري، ودلّل على ذلك بقوله: "أنا عندي 6 عيال، وأمنيتى إنى أجيب 10 اولاد". وحول الأسباب التي ترددها الحكومة لتسويق القانون، قال قنديل إن هناك طرقًا بديلة لحل مشكلة عجز الموازنة بعيدًا عن اللجوء إلى تحديد النسل، واعتبر أن استغلالًا مثاليًا للمنح الدولية وترشيدًا في النفقات وامتيازات موظفي الدولة الكبار سيكون كفيلًا بسدّ بعجز الموازنة.
الحديث المتكرر عن خطورة النمو السكاني واعتباره تحديًا يستلزم مواجهته ليس بجديد على الشارع المصري، فقد اعتاد الرئيس الأسبق حسني مبارك استخدامه من قبل طوال فترة حكمه الممتدة لأكثر من ربع قرن، للتدليل على نجاح حكوماته المتعاقبة في إحداث نمو اقتصادي لا يظهر أثره على مستوى معيشة المواطنين بسبب تكاثرهم اللامسؤول.
ويرى محللون أنه من المنتظر إقرار القانون بعد مناقشته في البرلمان، لكن يتخوف البعض من الاستمرار في العمل به بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في القانون، فحسب القانون المقترح يجري تطبيقه لمدة 10 سنوات فقط من تاريخ بدء العمل به ولا يجوز تمديد فترة تطبيق أحكامه لفترات أخرى. وفي الوقت ذاته، يشير البعض إلى أن مجرد طرح القانون للمناقشة وتعريضه للجدل المجتمعي هو بمثابة مكسب للنظام، حيث يساهم في حشد الأصوات الداعمة لمشروعه والترويج له من خلال أذرعه الإعلامية من ناحية، ويعمل على تكريس صورته لدى أنصاره ممن يرون أن المشكلة ليست في النظام بل في الشعب المصري نفسه الذي لا يستطيع السيطرة على نفسه.
يشار إلى أن تعداد السكان في مصر بلغ حوالي 92 مليون نسمة أواخر العام الماضي، وفقًا لإحصائيات رسمية، وتمثل شريحة المصريين ممن هم تحت سن 40 سنة حوالي 75% من مجموع السكان، ويصل معدل المواليد حاليًا إلى 30 مولودًا جديدًا لكل ألف مواطن.
اقرأ/ي أيضًا: