بعد مباريات حافلة بالإثارة في دور المجموعات، استطاعت الفرق الكبرى أن تصل إلى ربع نهائي النسخة السابعة لكأس العالم 1962، باستثناء إسبانيا وإيطاليا، فالأولى تأهّل من مجموعتها البرازيل حاملة اللقب وتشيكوسلوفاكيا، بينما خرجت إيطاليا بعدما حاز على البطاقتين المؤهلتين لدور الثمانية كلاً من تشيلي وألمانيا الغربية، في مجموعة شهدت ما سُمّي بتاريخ كرة القدم "معركة سانتياغو".
بعد خسارتها أمام يوغوسلافيا عام 1962 قررت ألمانيا تأسيس الدوري الألماني للمحترفين، البوندسليغا
اعتبر النقّاد أن أقوى مباريات دور الثمانية هي اللقاء الذي يجمع المنتخب البرازيلي ونظيره الإنجليزي المتأهل على حساب الأرجنتين بفارق الأهداف، حيث يصرّ الإنجليز على اعتبار أنفسهم أسياداً لكرة القدم، بينما تحدّت البرازيل هذا الإصرار وجعلت أرضيّة الميدان هي الحكم الفاصل الذي سيقضي ما بينهما من خلاف، وفي هذه المباراة استطاع المهاجم الإنجليزي جيمي غريفز أن يوقف كلباً شارداً اقتحم أرضيّة الملعب، بينما لم يستطع هو وزملاؤه أن يوقفوا هجمات جارينشا وتحرّكاته، هذا النجم البرازيلي الذي قالت عنه صحيفة ليكيب الفرنسية "إنّه أروع جناح أيمن في تاريخ كرة القدم "، حيث سجّل هدفين أسطوريين في مرمى الإنجليز الذين خسروا اللقاء 3-1.
وجرت المواجهات الأخرى من دور الثمانية باليوم نفسه، فقهر أصحاب الأرض الاتحاد السوفييتي بطل النسخة الأولى من كأس أمم أوروبا 2-1، فيما تخطّت تشيكوسلوفاكيا المجر 1-0 في مباراة فشلت بها الأخيرة في ترجمة أفضليّتها المطلقة بالمباراة، وظفرت يوغوسلافيا بالبطاقة الأخيرة المؤهلة إلى دور نصف النهائي عندما ثأرت من ألمانيا الغربيّة 1-0، فالأخيرة أخرجتها من الدور ذاته في البطولتين السابقتين، بنتيجة 2-0 في النسخة الخامسة و 1-0 في السادسة، وبعد خسارة ألمانيا لهذا اللقاء تدارس البرلمان الألماني مع اتحاد الكرة نقاط الضعف والقوّة في منتخبهم الوطني وأسباب الخروج من دور الثمانية، وتم إقرار إنشاء بطولة الدوري الألماني للمحترفين في العام التالي "البوندسليغا".
لم يستطع أحد أن يتوقّع نتيجة المواجهة الحاسمة بين تشيلي والبرازيل في الدور نصف النهائي، ففي تاريخ البطولة استطاع صاحب الأرض أن يصل إلى المباراة النهائية 4 مرّات من 6 بطولات، وهنا بدأت تشيلي اللقاء مدعومة بأكثر من 76 ألف متفرّج متحمّس، فاستطاع نجم البطولة جارينشا أن يسجّل هدفين رائعين في أول نصف ساعة من اللقاء، لكنّ ذلك لم يُلن عزيمة التشيليين الذين قلّصوا الفارق قبل نهاية الشوط الأول، ومع بداية الشوط الثاني صنع جارينشا هدفاً ثالثا لبلاده سجّله فافا، قبل أن يعود أصحاب الأرض بالنتيجة ما زاد الحماس في أرض الملعب، وردّ القائم كرة التشيليين مهدراً فرصة تعديل النتيجة، لتكن رصاصة الرحمة عبر فافا الذي سجّل هدفاً رابعاً في لقاء طُرد منه نجمه جارينشا بداعي الخشونة ، بعد هذه المباراة التي انتهت 4-2 للبرازبل، خرجت صحيفة إيلميلكوريو التشيلية بعنوان "جارينشا .. من أيّ كوكب هو..!".
وفي المباراة الثانية التي حضرها أقل من 6 آلاف متفرّج، وهو أقل عدد جمهور يحضر مباريات دور النصف النهائي في تاريخ البطولة بسبب تزامن المباراة مع لقاء تشيلي والبرازيل، استطاعت تشيكوسلوفاكيا أن تغلب يوغوسلافيا 3-1، إذ سجّل الفائز هدفين قبل نهاية المباراة بعشر دقائق، وهو ما يعني تكرار مواجهته مع البرازيل في دور المجموعات والتي انتهت بالتعادل السلبي وإصابة بيليه، ولكن هذه المرّة سيكون اللقاء على لقب النسخة السابعة من كأس العالم.
شارك جارينشا بالمباراة النهائية رغم طرده في نصف النهائي بسبب تدخّل الرئيس البرازيلي
استطاعت تشيلي أن تحقق أفضل إنجاز لها على الإطلاق في تاريخ مشاركاتها بكأس العالم حينما ظفرت بالمركز الثالث في الدقيقة الأخيرة من لقاءها مع يوغوسلافيا، وعلى الرغم من مساهمته الكبيرة بإقصاء فريق بلادهم من البطولة، تحسّرت جماهير تشيلي على طرد جارينشا من البرازيل في لقاء الدور نصف النهائي، لأن ذلك سيعني بالضرورة حرمانه من اللعب في المباراة النهائيّة، وحرمان الجماهير من مشاهدة مهاراته مرّة أخرى، لذلك تدخّل الرئيس البرازيلي ونجح بإقناع الفيفا أن يلعب جارينشا في النهائي المرتقب..!
كان بيليه أكثر اللاعبين البرازيليين كآبة، فهو يرى جارينشا وزملاءه يحرثون أرضيّة الملعب ويقدمون أداءً لافتاً أمام خصومهم، دون أن يقدر على اللعب بسبب الإصابة، وهنا طلب من إدارة البعثة أن يعود إلى البرازيل ويتابع البطولة من بيته، قبل أن يتدخّل الطبيب النفسي للبعثة، ويشرح لبيليه مدى الأثر النفسي الذي سيسببه تواجده مع المنتخب حينما قال لبيليه " إذا واصلنا الحديث حول إمكانيّة خوضك النهائي، هذا سيساعد في إمكانية خلق القلق بنفوس لاعبي تشيكوسلوفاكيا".
صحيفة إيلميلكوريو التشيلية: جارينشا .. من أيّ كوكب هو..؟!
مع بداية صافرة المباراة التي أطلقها الحكم السوفييتي لاتشيف أراد البرازيليون إنهاء كل شيء مبكّراً، ولكنّ حارس تشيكوسلوفاكيا شرويف الذي كان نجم الفريق الأول في المباريات السابقة تصدّى لمحاولات البرازيليين قبل أن يفلح زميله ماسبوست بتسجيل هدف تشيكوسلوفاكيا الأول في الدقيقة 15، وهنا استرجع البرازيليون نهائي النسخة الماضية حين تقدّمت السويد مبكّراً وردّوا عليها بأهداف خمسة، حيث استطاع اللاعب الشاب الذي حلّ بديلاً لبيليه أماريلدو أن يسجّل هدف التعادل بعد ذلك بدقيقتين فقط.
وفي الشوط الثاني أفلحت محاولات البرازيل في تسجيل هدف ثانٍ بالدقيقة 69 عبر زيتو، وعندما ضغطت تشيكو سلوفاكيا لتعدّل النتيجة ارتكب حارسهم الرائع شرويف خطئاً كلّف فريقه هدفاً ثالثاً لفافا، وبه انتهت المباراة بفوز البرازيل 3-1، فوزٌ جعل البرازيل حاملة لكأس العالم مرتين، وتساوت بذلك مع كلّ من إيطاليا والأوروغواي بعدد مرات حمل كأس جول ريميه، ولم تنم البرازيل تلك الليلة، إذ عمّت الأفراح كافّة المدن البرازيلية، وأعلن رئيس البلاد ذاك اليوم عيداً وطنيّاً.
صحيفة ليكيب الفرنسية: جارينشا أروع جناح أيمن في تاريخ كرة القدم
شهدت النسخة السابعة من كأس العالم التي أقيمت في تشيلي 1962 في تصفياتها وأدوارها المختلفة العديد من اللقطات الطريفة واللحظات التاريخية التي حدثت في عالم كرة القدم، كذلك حوت أرقاماً لم تحطّم حتى الآن، وسجّل التاريخ في هذه النسخة أحداثاً ما زال الكثيرون يتبادلون وجهات النظر حيالها، فما هي تلك الأحداث والأرقام؟
تابعونا في الجزء القادم من قصة كأس العالم 1962..