واصل الناشرون حول العالم خلال الأيام القليلة الماضية إحصاء خسائرهم هذا العام، استعدادًا لطي صفحة 12 شهرًا عجافًا مرَّت على قطاع النشر وصناعة الكتاب. فقد تكبد الناشرون في هذه السنة خسائر مالية فادحة، بسبب تداعيات تفشي جائحة كوفيد-19، وما شهدته من فرض للإغلاقات العامة والقيود على الحركة والنقل لمواجهة انتشاره، إذ أدت الأخيرة إلى شل أنشطة والشراء والبيع والطباعة في معظم دول العالم، وخلفت أضرارًا اقتصادية وصفت بأنها الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية. هذه الحالة الممتدة طوال الشهور الماضية تسببت بتسريح مئات الموظفين العاملين في هذا القطاع، وإغلاق عدة متاجر ودور نشر صغيرة اعتُبرت المتضرر الأكبر من هذه الأزمة، وسط غيابٍ شبه تام للدعم والحلول البديلة القادرة على وقف عجلة الخسائر المقدرة بمئات ملايين الدولارات.
بلغت خسائر قطاع النشر في العالم العربي خلال الربع الأول من 2020 أكثر من 20 مليون دولار، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم نهاية العام إلى أكثر من 100 مليون
الأزمة العالمية الأسوأ منذ عقودٍ مضت، أخذت منحىً أكثر خطورة في المنطقة العربية، حيث يعيش قطاع صناعة النشر، منذ ما قبل الجائحة، أزماتٍ مختلفة متعلقة بالتزوير والتسويق والقرصنة، أضيفت إليها ما بعد الجائحة أزمات جديدة متعلقة بانخفاض نسبة المبيعات بصورةٍ حادة ومتصاعدة، دفعت "اتحاد الناشرين العرب" إلى توجيه رسالة في نيسان/أبريل الفائت إلى أصحاب القرار في الدول العربية يلتمس منهم الدعم، ويطالب بتضمين قطاع النشر ضمن حزم الدعم المختلفة التي رُصدت لدعم اقتصاديات الدول خلال الجائحة.
اقرأ/ي أيضًا: قطاع النشر في المغرب.. الدولة تتجاهل السقوط الوشيك في الهاوية
وأشار اتحاد الناشرون في رسالته إلى وجود: "شرائح كثيرة مجتمعية واقتصادية تتأثر تأثرًا مباشرًا بقطاع صناعة النشر، ومنهم المؤلفون والمترجمون والباحثون وكذلك المصممون الفنيون والرسامون وقطاع المطابع بكافة أنواعها". وطرح في الوقت نفسه بعض الحلول التي قد تساهم في تخفيف وطأة الأزمة على دور النشر، مثل تخصيص مبالغ مالية لشراء الكتب من الناشرين من خلال وزرات التربية لتعزيز المكتبات المدرسية، بالإضافة إلى إلغاء الضرائب على قطاع النشر، وتقديم حزم تحفيزية عاجلة لهذا القطاع والعاملين فيه، بحيث يكون قادرًا على الاستمرار وسط هذه الظروف الحرجة والاستثنائية.
وبحسب الإحصائيات الأولية، بلغت خسائر قطاع النشر وصناعة الكتاب في العالم العربي خلال الربع الأول من 2020 أكثر من 20 مليون دولار، وسط توقعاتٍ بإغلاق الموسم على خسائر مقدرة بـ 100 مليون دولار. ويعود سبب هذه الخسائر الفادحة بالدرجة الأولى إلى إلغاء أو تأجيل أغلب معارض الكتب العربية خلال هذا العام، بسبب صعوبة تنظيمها في ظل إجراءات التباعد الاجتماعي وتقييد حركة السفر والنقل والتنقل، بالإضافة إلى إجراءات الإغلاق العام وحظر التجول وارتفاع نسبة الإصابات بالوباء المستجد، مما تسبب بتأجيل وإلغاء معرض البحرين الدولي للكتب، معرض بغداد الدولي للكتاب، معرض الرياض الدولي للكتاب، بالإضافة إلى معارض أبو ظبي وتونس وعمّان والجزائر والقاهرة والدوحة وأخيرًا بيروت.
ويعتمد الناشرون العرب على معارض الكتب لبيع إصدارتهم والتسويق لها، حيث تمثل نسبة مبيعات المعارض 53% من إجمالي مبيعات الناشرين خلال العام الواحد، وهي نسبة تشكل تصورات مبدئية عن واقع خسائر هذا القطاع خلال عام 2020. ويعيد الناشرون سبب اعتمادهم على المعارض إلى غياب استراتيجية واضحة لتوزيع الكتب في المنطقة العربية، رغم تصاعد الأصوات المطالبة، منذ سنواتٍ طويلة، بوضع واحدةٍ تسهل من عملية وصول الكتاب وتداوله، أو تأسيس مؤسسة توزيع ضخمة بفروعٍ في جميع الدول العربية، تأخذ على عاتقها مهمة توزيعه والتسويق له طوال العام.
اقرأ/ي أيضًا: ثلاثة ناشرين.. حديث من كواليس عالم الكتب
غياب استراتيجية مشتركة لتوزيع الكتب على مستوى العالم العربي، وافتقار الأخير إلى وجود مؤسسة توزيع ضخمة قادرة على حل هذه المشكلة، بالإضافة إلى إلغاء أو تأجيل معارض الكتب الموسمية، والتداعيات الاقتصادية الكارثية للجائحة؛ أدخل قطاع النشر في المنطقة العربية في مرحلة الاحتضار، فبحسب استبيان أجراه اتحاد الناشرون العرب منتصف هذا العام، انخفضت مبيعات الكتب بنسبة 74% خلال الربع الأول والثاني من العام 2020 مقارنةً بنفس الفترة خلال العام الفائت.
شمل الاستبيان 292 ناشرًا عربيًا من 16 بلدًا عربيًا، وعلى الرغم من أن نتائجه ليست دقيقة تمامًا، إلا أنها بدت كافية لكشف جانبٍ مما لحق بصناعة النشر في الدول العربية، بسبب تداعيات تفشي وباء "كوفيد – 19"، وتشكيل تصورات مبدئية عن واقع هذ الصناعة اليوم، حيث أشار الاستطلاع إلى وجود أزماتٍ قديمة تفاقمت خلال الجائحة التي تسببت بأزمات جديدة. وبحسب الأرقام، اضطر 75% من المشاركين في الاستبيان إلى وقف التعامل مع المؤلفين مؤقتًا، فيما أوقف 50% إلى 67% من الدور المشاركة التعامل مع المصممين والمترجمين واللغويين وتجار الورق، فيما بلغت نسبة الموظفين الذين استغنت عنهم دور النشر نحو 34%، وهو رقم كبير يجب الوقوف عنده بحسب الاتحاد لاعتباراتٍ عديدة متعلقة بالتأثير على وظائف هذا القطاع، وارتفاع معدلات البطالة.
بلغت نسبة الموظفين الذين استغنت عنهم دور النشر العربية خلال هذا العام 34% بحسب استبيان أجراه اتحاد الناشرون العرب، وشمل 292 ناشرًا عربيًا من 16 دولة عربية
وقدم الناشرون في هذا السياق مقترحات تساهم في مساعدتهم على تجاوز هذه الأزمة، لعل أهمها الإعفاء من الضرائب ورسوم الترخيص لعام 2021، وشراء الكتب من الناشر مباشرةً، وتقديم قروض ميسرة تتحمل الدولة فوائدها، ودعم شراء الوراق، بالإضافة إلى تنظيم معرض داخل كل بلد، ويكون اتحاد الناشرين العرب مسؤول عن تنظيمه بدون تكاليف على الناشر، وأن تكون المعارض على فتراب متقاربة، مقابل تقليل عدد أيامها ومحاولة تخفيض سعر الكتاب بحيث يكون بمتناول جميع القراء.
اقرأ/ي أيضًا:
الدورة الأولى من "معرض العراق الدولي للكتاب".. تحية إلى مظفر النوّاب
معرض يتبوري الأول.. عودة سلسلة "معارض الكتاب يجمعنا في أوروبا"