ألتراصوت- فريق الترجمة
حين تُذكر الكتب الممنوعة من البيع والتداول، عادة ما يرد على البال أنظمة حكم ذات سياسات شمولية، مثل كوريا الشمالية، أو دول عربيّة، كالأردن أو السعودية أو الكويت، والتي شهدت معارض الكتاب فيها مؤخرًا جدلًا واسعًا حول تدخّل السطات فيما يدخل إلى المعرض وما ينشر فيه وما يسحب منه. تعدّ إريتريا كذلك من الدول سيئة السمعة فيما يمسّ حظر الكتب ومنعها، وكذا إيران والصين. كما دخلت تركيا مؤخرًا إلى نادي الدول التي تمارس رقابة شديدة على الكتب، خاصة تلك التي يعتقد أنها تروج لبروباغاندا جماعة الداعية فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية عام 2016.
لحقت بالولايات المتحدة العديد سمعة رهيبة جراء ممارسات التعذيب التي مارستها في معتقلاتها خارج حدودها، ولم يكن أفظعها منع بعض الكتب الأساسية عن المعتقلين
لكن قد لا تكون الولايات المتحدة الأمريكية أول دولة ترد على الأذهان عند التفكير بالدول التي تفرض رقابة صارمة على الكتب، بل وتمنع وصولها إلى مجموعات معينة من القراء. غير أن ذلك واقع حقًا، سواء في بعض الجامعات أو المدارس أو السجون، مع اختلاف واسع بين ولاية وأخرى في فرض مثل هذه الإجراءات، والتي تثير الكثير من الجدل بين الحقوقيين والسياسيين والعامّة. وهي حقيقة تثير استياء المكتبيين بالتأكيد وبعض القراء الجادين بين السجناء والطلبة، والذين تزايدت شكاواهم خلال السنوات الماضية من مساعي التأثير والضغط على حكام الولايات وإدارات المدارس من أجل منع بعض العناوين وإزالتها من على رفوف مكتباتهم. بل لقد نما زخم هذه التوجّهات والمطالبات حتى باتت تشكّل "حركة" مجتمعية في بعض الدوائر المحافظة في عدة ولايات، تدعو وتحشد من أجل منع بعض الكتب، أو حتى إحراقها.
ففي سبع ولايات على الأقل، اضطرت مكتبات المدارس إلى إزالة عدد من العناوين بضغط من مجتمع أولياء الأمور وبتأييد من حكام الولايات في بعض الأحيان. حدث ذلك في أيلول/سبتمبر الماضي، حين عمدت إدارة عدة مدارس في تلك الولايات إلى إزالة العديد من العناوين، مثل رواية توني موريسون (The Bluest Eye)، ورواية جورج جونسون (All Boys Aren’t Blue)، ومذكرات مايا كوبابي (Gender Queer)، ورواية جوناثان إيفيسون (Lawn Boy)، وغيرها من الأعمال الأدبية وغير الأدبية التي تتناول معظمها موضوعات العرق والمراهقة والهويات الجنسية.
لكنّ ممارسة منع الكتب في الولايات المتحدة تكتسب صفة أكثر رسمية في السجون. فقد لحقت بواشنطن سمعة رهيبة ومعروفة بسبب أشكال التعذيب المختلفة في سجونها ومعتقلاتها خارج حدودها، مثل قاعدة غوانتانامو، والتي ليس منع الكتب عن السجناء فيها أفظع انتهاك. لكن قد سجل محامو المعتقلين عشرات من العناوين الممنوعة على السجناء، من أشهرها رواية "الجريمة والعقاب" لدستويفسكي، ومسرحية "التاجر والبندقية" لشكسبير، وكتاب ألكسندر سولجنيتسين عن معسكرات غولاغ، وعشرات غيرها من الكتب، ولاسيما ذات الصبغة السياسية أو الحقوقية.
لهذه القضية وجه مختلف محليًا، ففي ولاية فلوريدا، حيث يبلغ عدد المساجين حوالي 100،000 سجين وسجينة، يمنع على السجناء طلب أكثر من 20،000 عنوان من الكتب، ولأسباب عديدة بعضها يكاد يكون مضحكًا. فمن بين الكتب الممنوعة على المساجين "قاموس كلينغون"، وهو قاموس للغة مخترعة تستخدم في أفلام الخيال العلمي، مثل سلسلة "ستار تريك"، إضافة إلى النشرات الخاصة بحقوق المساجين، أو بعض الكتب ذات العلاقة بتطوير الذات، وخاصة بعض العناوين من سلسلة "فور داميز" (For Dummies). كما تمنع العديد من قواميس اللغات الأجنبية. أما الغريب، فهو منع الحصول على كتب التلوين، وذلك بحجّة أن النماذج المرسومة فيها قد تشجع السجناء على رسم الوشوم بطرق قد تكون خطيرة. في ولايات أخرى، مثل تكساس، ستجد أن سلسلة شهيرة مثل سلسلة "أين والي" (Where’s Wally)، ممنوعة من التداول بين السجناء، بينما يتاح لهم قراءة "كفاحي" لهتلر.
اللجنة التي تقرر هذه العناوين وتحدثها كل عام، ترى أن جميع هذه الكتاب "تشكل خطرًا على الأمن والنظام أو الانضباط بين السجناء"، أو أنّها قد تشجّع على "نشاط إجرامي". فقواميس اللغات الأجنبية مثلًا محظورة على هؤلاء السجناء لأنها قد تشكل ثغرة أمنية "عبر تعلم طرقة للتواصل لا يفهمها حرس السجن".
يطالب ناشطون حقوقيون ومكتبيّون بضرورة وجود معايير موحدة وطنيًا على مستوى الولايات المتحدة لتحديد ما يمكن للسجناء الاطلاع عليه من الكتب
يطالب ناشطون حقوقيون ومكتبيّون بضرورة وجود معايير موحدة وطنيًا أفضل، لتحديد ما يمكن للسجناء الاطلاع عليه من الكتب، وما يمكن للسلطات حظره عليهم. كما يسعى المعنيون بالشؤون المدنية إلى التوعية بضرورة إشراك بعض السجناء أو السجناء السابقين الذين تحولوا إلى ناشطين مدافعين عن حقوق زملائهم في اللجان التي تراجع قوائم الكتب التي يمكن طلبها والاطلاع عليها من قبل السجناء، ضمن شروط ومعايير موحدة متفق عليها مع الخبراء والقانونيين والحقوقيين والأدباء، من أجل منح السجناء مدى أوسع من الحرية، عبر ما يمكنهم قراءته داخل السجن.
اقرأ/ي أيضًا:
لوحة مستوحاة من "كاماسوترا" ممنوعة في المغرب
منع الكتب في الكويت.. "مهزلة" مستمرة